واشنطن- القاهرة: تركز الولايات المتحدة جهودها في الوقت الحالي على الانسحاب من أفغانستان وإمكانية إحياء اتفاقية خطة العمل الشاملة المشتركة مع إيران، وينطوي ذلك على آثار جانبية ضارة.
ويرى الخبير الاستراتيجي أنتوني كوردسمان أن أحد هذه الآثار الجانبية هو أنه يبدو أن علاقات الولايات المتحدة مع العراق تحظى باهتمام عابر في أفضل الأحوال. وفي واقع الأمر، قد تكون علاقات الولايات المتحدة مع العراق، وتطويرها كدولة مستقرة آمنة، والتأكد من أنها يمكن أن تصبح مستقلة عن النفوذ الإيراني، أهم بكثير من الانسحاب من أفغانستان وإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة، المعروفة بالاتفاق النووي الإيراني.
وقال كوردسمان الذي يترأس كرسي أرليه بورك في الشؤون الاستراتيجية بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في تقرير مطول نشره المركز إنه من المهم مثل التعاملات مع إيران وغيرها من القضايا ذات العلاقة بالاستقرار وعدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الحفاظ على العلاقات مع العراق، ودعمها لتصبح دولة مستقرة، وتمثل عنصر توازن بالنسبة لإيران، وقد يمثل الحد من توتراتها الداخلية العميقة وتهديد التطرف الدائم، التحديات الاستراتيجية المباشرة الأكثر أهمية لأمريكا في المنطقة.
ويؤكد كوردسمان أن للولايات المتحدة أهدافا استراتيجية كثيرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لكن إقامة علاقات استراتيجية ناجحة مع العراق، تعد الآن إحدى أهم أولويات أمريكا. فالجغرافية، والتركيبة السكانية، والسياسات الإقليمية، والنفط أمور تجعل العراق حجر زاوية رئيسيا في أي جهود لمواجهة تلك التحديات.
ويوضح كوردسمان، الذي عمل مستشارا لشؤون أفغانستان في وزارتي الدفاع والخارجية الأمريكيتين، أن جغرافية العراق، ومواردها النفطية الكبيرة وتعداد سكانها الكبير، وتأثيرها الاستراتيجي، واصطفافها مع القوى الخارجية، هي ركائز تجعل العمل على أن تكون العراق دولة مستقرة وآمنة، أمرا أساسيا للحد من النفوذ الإقليمي المتنامي لروسيا وإيران؛ وضمان بقاء سوريا معزولة جزئيا على الأقل؛ وإقامة هيكل استراتيجي إقليمي أكثر فعالية يضم مصر، والأردن، ودول الخليج العربية الأخرى؛ وضمان استقرار تطوير نفط وصادرات العراق، وتحقيق المكاسب للشعب العراقي وليس لإيران.
ويشير كوردسمان إلى أنه مع ذلك لم تستوعب الولايات المتحدة هذه الحقائق حتى الآن رغم أنها خاضت ما يعادل أربع حروب في العراق منذ عام 1990. وكانت الحرب الأولى حرب تحرير الكويت في الفترة 1991-1990، والحرب الثانية هي الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للإطاحة بصدام حسين عام 2003. أما الحرب الثالثة فقد كانت ضد التطرف السني من 2004 حتى 2012، وتمثلت الحرب الرابعة في استخدام القوات الأمريكية لمساعدة العراق في القضاء على “خلافة” تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، في الفترة من 2014 حتى 2018.
ومن المهم ملاحظة أن غزو عام 2003 كان إلى حد ما نتيجة لحقيقة أن الولايات المتحدة أنهت فجأة حرب الخليج الأولى في عام 1991 دون وجود خطة حقيقية لإنهاء الصراع أو صياغة شكل ما لنتيجة نهائية. في الوقت نفسه، أصبح داعش تهديدا رئيسيا للعراق والمنطقة، وذلك فقط لأن الولايات المتحدة قامت قبل الوقت المناسب بخفض دعمها للقوات العراقية في عام 2011، ولم تقدم ضمانات أمنية واضحة حتى هدد داعش بالسيطرة على العراق، ولم تضع مطلقا برامج للمساعدات المدنية التي يمكن أن تساعد في تحقيق عراق مستقل وحكومة مركزية عراقية نزيهة.
وترك انسحاب أمريكا السابق لأوانه في عام 2011 خلفه قوات عسكرية وأمنية حكومية عراقية لم يكن بوسعها التعامل مع أسباب الإرهاب أو تجدد ظهور التطرف. وترك العراق وهو يفتقر للقدرة على ردع التهديدات الخارجية – مثل إيران وتركيا- أو انعكاسات الحرب الأهلية السورية. كما ترك العراق وهو في حالة انقسام عميق بين الشيعة والسنة وكذلك بين العرب والأكراد. لقد كان بالعراق اقتصاد فاشل ومصاب بالشلل في ظل هيكل حكومة منقسمة وفاسدة عاجزة عن تلبية احتياجات الشعب.
الانسحاب الأمريكي ترك خلفه قوات عسكرية وأمنية حكومية عراقية لم يكن بوسعها التعامل مع أسباب الإرهاب أو تجدد ظهور التطرف
وأكد كوردسمان أنه يتعين إلقاء المسؤولية عن الكثير من مشاكل البلاد على القادة السياسيين الأنانيين والفصائل المتنافسة، والانقسامات الطائفية والعرقية في العراق، وقد دفع الكثير من قادة العراق الولايات المتحدة إلى الرحيل في عام 2011 كما يدفعها الكثيرون الآن. وقد فشلت إدارة بوش في إعادة بناء القوات العراقية بعد 2003، ورحلت إدارة ترامب وتركت لإدارة بايدن ما لا يزيد عن هيكل أجوف يتمثل في قيام الولايات المتحدة بجهود في مجال التدريب والمساعدة العسكرية فقط.
ويرى كوردسمان أن هذا لا يعد مبررا لتكرار نفس الأخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة في عامي 2003 و2011. ولا يمكن لأي قدر من “الالتفاف” السياسي الأمريكي إخفاء حقيقة أن القوات العسكرية والأمنية العراقية الحالية لم تصبح قادرة بعد على تأمين البلاد ضد إحياء الحركات المتطرفة، والانقسامات العرقية والطائفية، وتدخلات القوى الخارجية.
والأمر الأكثر أهمية هو أن العراق يواجه الآن تهديدات خارجية. إذ أن نفوذ إيران المتزايد في لبنان، وسوريا واليمن، وكذلك قدرتها المحتملة على الهيمنة على العراق، كل ذلك، يخلق الخطر المحتمل باحتمال أن تصبح العراق جزءا من كتلة قوة معادية تمتد من البحر المتوسط إلى المحيط الهندي والبحر الأحمر. وهذا التهديد الإيراني يفوق بقايا قوة التطرف الداعشية، مع العلم بأنه تم فقط إعادة بناء نصف القوات العراقية في أحسن الأحوال. ولا تعتبر الحكومة العراقية أكثر فاعلية عما كانت عليه في 2011، وعلاقات إيران مع العناصر الرئيسية لقوات الحشد الشعبي يوفر لها تواجدا أمنيا فعليا في العراق قد يفوق بالفعل التواجد الأمني الأمريكي.
ويختتم كوردسمان تقريره بالقول إنه ليس من الواضح حتى الآن أن إدارة بايدن تعاملت في حقيقة الأمر مع ضعف القوات الأمنية العراقية، أو ظهور تهديد إيراني جديد، أو إلى أي حد يؤدي فشل العراق في الحكم المدني والتنمية إلى جعلها عرضة من جديد لتهديدات متطرفة أو صراع طائفي وعرقي. ولا يبدو أن حوار الولايات المتحدة الاستراتيجي مع قادة العراق في 6 و7 نيسان/ أبريل الماضي في بغداد قد أسفر عن أي نتائج إيجابية.
(د ب أ)
نفاق وضحكً على العقول من طرف هدا الباحث . من تسبب في ماساة العراق ؟ اليست الولايات المتحدة!!!!
الم يكنً هدا البلد سدا منيعا ضد ايران وهيمنتها قبل الغزو الهمجي الامريكي ؟؟