بغداد ـ «القدس العربي»: تواجه الحكومة العراقية الجديد برئاسة مصطفى الكاظمي، تحديات كبيرة ومهمة لا تؤثر تداعياتها على الوضع العراقي الداخلي وحسب، بل تمتد تداعياتها على عموم الوضع الداخلي، بل والمنطقة برمتها.
وفيما قسّم الخبير القانوني والبرلماني السابق، حسين الأسدي، التحديات التي تواجه «الحكومة الجديدة» إلى ثلاثة ملفات (الاقتصاد، والأمن، ومكافحة الفساد)، رأى أن هذه التحديات «تتمظهر بأشكال أخرى يمكننا أن نحصرها في تسعة تحديات؛ الانتخابات المبكّرة، إنصاف المتظاهرين، الموازنة الاتحادية، مكافحة الفساد، إعادة هيبة الدولة، إصلاح النظام الإداري، إصلاح النظام الاقتصادي، إصلاح السياسة الخارجية، الاستغناء عن القوات العسكرية الأجنبية».
وتحت بنّد «التحدي الاقتصادي»، قال الأسدي لـ«القدس العربي»، إن «من التحديات الكبيرة التي تواجهها الحكومة (الجديدة) الاقتصاد الأحادي القطاع، الذي يعتمد على النفط كمصدر وحيد لأعداد الموازنات، على الرغم من كون العراق يمتلك ثروات هائلة في مجالات أخرى صناعية وزراعية وسياحية وغيرها تمكنه من التحول الى الاقتصاد المتنوع القطاعات، والنفط قد يهبط بشكل طبيعي وغير طبيعي حتى وصل إلى أسوأ أسعاره منذ عقود».
وأضاف: «تأتي الأزمة الاقتصادية مع فقدان صناديق الاستثمار السيادية، وهو صندوق يخضع لنفس فكرة صندوق الاستثمار العادي ولكنه لا يدير أموال أفراد ولا شركات ولا هيئات، إنما يدير أموال دول وحكومات»، مشدداً على «الدول ذات الاقتصاد الأحادي أن يكون لها الصندوق السيادي، لتأمّن لمواطنيها مستوى من العيش الكريم في حالات الأزمات والهبوط الحاد المفاجئ للدخل الأحادي».
وأتم قائلاً: «في ظل هذه الأوضاع الكارثية وفقدان السياسات المدروسة للمراحل المنصرمة من عمر الدولة العراقية، لا شك أن الأزمة ستلقي بظلالها الكثيفة على الفرد والمجتمع والدولة بأسرها»، مشيراً في الوقت عيّنه إلى «البطالة المقنعة التي وصلت إلى مستويات لا نظير لها في جميع دول العالم، فالنسبة المئوية لأعداد الموظفين الحكوميين في سائر دول العالم لا تتجاوز 1٪ من نسبة السكان، إلاّ أننا نجد أن العراق تجاوز النسبة 12٪ وهو رقم كبير جداً، وإذا ضممنا له الأعداد الغفيرة من المتقاعدين فلا شك أن النسبة تصل إلى أكثر من 16٪ وهذه أرقام مرتفعة جداً مع الأخذ بنظر الاعتبار الأعداد الوهمية (فضائيين) من الموظفين والمتقاعدين، فضلاً عن تعدد المرتّبات لدى شريحة لا يستهان بعددها ولأسباب مختلفة».
وطبقاً للخبير القانوني العراقي، فإن العراق «يحتاج إلى كل المستلزمات الأساسية والبنى التحتية، فالنقص الحاد في مجال الصحة والتعليم والطرق والجسور والكهرباء والاتصالات والمواصلات والماء والمجاري كل هذه وغيرها تمر بأوضاع صعبة للغاية تتطلب جهوداً استثنائية كي تصل إلى الوضع الطبيعي لها»، معتبراً أن «تحدي الاقتصاد يعد الأهم والأبرز في هذا المقطع الزمني من عمر العراق».
وبشأن التحدي الثاني الذي يواجه الحكومة الجديدة «الأمن»، يواصل الأسدي حديثه قائلاً: «العراق محاط بعناصر ضاغطة تهدد أمنه، داخلية وخارجية، ترتبط بعوامل محلية وإقليمية دولية».
اعتبر الصراع الدولي والإقليمي سبباً لجعل البلاد ساحة لتصفية الحسابات
ورأى أيضاً أن «الصراع الدولي والإقليمي يأخذ اشكالاً مختلفة تتجه بطرق متعددة نحو العراق، لتجعل منه ساحة لتصفية الحسابات، فما زال المنحنى التصاعدي الخطير للتصعيد المستمر بين دول الإقليم والقوى الدولية يسحب العراق إلى سياسة المحاور التي تتضح من حجم التدخلات في الشأن العراقي وانتهاك سيادته وبأعذار مختلفة، تارة بحجة الأمن القومي لهذه الدولة وتلك؛ وتارة بحجة الدفاع عن النفس وتطويق مواقع الخطر وبؤر الأزمات، يجتمع مع هذا كله، داخل عراقي ممزق سياسياً لا يجتمع على مفردات مشتركة تسمح أن يتحول هذا الطرف أو ذاك أو هذا المكون أو ذاك حاضنة للتوتر في عموم العراق».
ومضى قائلاً: «الموقع الاستراتيجي الذي يمتلكه العراق؛ والذي يفترض أن يحوله إلى نقطة التقاء بين الأمم والشعوب والثقافات الجيوسياسية، صار نقطة التقاء للصراعات المحتدمة، وكل طرف يحاول جر العراق إلى دائرة التأثير والتأثير غير المتبادل، ونتيجة لعوامل زمنية منها الإرهاب نشأت قوى محلية خارجة عن سلطة الدولة والقانون تستفيد من اضطرابات المنطقة والداخل العراقي كي تعيش أطول فترة ممكنة»، لافتاً إلى أن «الاضطرابات الاجتماعية والتهديد المستمر قاد إلى ظهور كيانات قد تكون أقوى في بعض الأحيان من سلطة الدولة، وأكثر تغولاً على المواطن».
وإضافة إلى تحدي الأمن لخلق توازن بين صد الإرهاب وحفظ سيادة البلد، وبين الاعتماد على قوى اجتماعية تتغول أكبر من الدولة ومؤسساتها ومنع التدخلات الخارجية ورفض تحول العراق الى ساحة صراع على طريقة المحاور، يبقى تحدياً جدياً، حسب الخبير القانوني، الذي أشار إلى «الجماعات المتطرفة التي تبرز بين الحين والآخر، القاعدة وداعش وكذلك عصابات الجريمة المنظمة».
التحديات الاقتصادية والأمنية، لا تقلّ خطورة عن تحدي «مكافحة الفساد»، الذي يصفه الأسدي أنه «الآفة الكبيرة التي ابتلعت الدولة وكانت سبباً رئيساً في وصول العراق إلى حافة الهاوية».
وأضاف: «الأرقام التي نطلع عليها، والمؤشرات التي يخضع لها العراق تجعل منه واحدة من اكثر الدول فساداً في العالم، فخلال أربعين عاماً من الثروات الطائلة لم يجنِ المواطن غير الخراب والدمار والموت وسوء الخدمات»، لافتاً إلى أن «سوء الإدارة والنفوس الضعيفة والمنظومات المتخلفة هي التي انتجت هذا الفساد المتغول، فليس من مرفق من مرافق الدولة الا ودخله الفساد وضرب فيه اطنابه، فموازنات انفجارية تكفي لبناء عراق مزدهر وآمن ومع هذا لا نجد شيئاً يذكر، وكذلك أشخاص أصحاب دخل محدود وفجأة أصبحوا من ذوي الثراء الفاحش، إلى أحزاب سياسية يوازي انفاقها دولاً لا يسألون من أين لك هذا؟ إلى موانئ تعمل ليلاً ونهاراً وشركاتها خاسرة لا تدر على الدولة شيئا، وخطوط جوية تربح في كل مكان آمن الا في العراق، وشركات الصناعة والتجارة خاسرة وتمول مرتبات موظفيها من الدولة، ومنافذ حدودية يفترض أنها تضيف دخلا تعدد من خلاله القطاعات للموازنة العراقية…الخ، فالأمثلة كثيرة وكبيرة يطول استعراضها».