خبير مغربي لـ”القدس العربي”: قرار الإغلاق ضروري للتحكم في الحالة الوبائية نتيجة زيادة الإصابات

عبد العزيز بنعبو
حجم الخط
1

الرباط – “القدس العربي”: تصاعدت وتيرة الإصابات بفيروس كورونا المستجد في المغرب خلال الفترة الأخيرة، حيث عادت الأرقام اليومية التي تعممها وزارة الصحة المغربية من خلال نشرة كوفيد 19، لتتجاوز حاجز 4000 حالة.

وتزامنت هذه الأرقام مع تخفيف القيود بعد رمضان، وتنقلات المواطنين وفتح الحدود أمام الجالية المغربية المقيمة بالخارج والسياح أيضاً، كما كان لظهور المتحور “دلتا” السريع الانتشار دور في هذا التصاعد.

من أجل الوقوف على طبيعة الحالة الوبائية في المغرب، التقت “القدس العربي” الدكتور الطيب حمضي، الطبيب والخبير في السياسات والنظم الصحية، الذي كشف عن أهمية الإجراءات الاستباقية التي كان المغرب قد قررها في وقت سابق من العام الماضي، كما شدد على أهمية التطعيم من أجل بلوغ المناعة الجماعية، وتحدث أيضاً عن الحالات الحرجة والمنظومة الصحية.

– بداية، نسألك دكتور عن مستجدات الحالة الوبائية في المغرب، على هامش ارتفاع عدد حالات الإصابة خلال الأيام الأخيرة؟

بالنسبة للحالة الوبائية في المغرب، هناك تسارع في الوضع من حيث ارتفاع عدد حالات الإصابة الجديدة التي سُجّلت في الفترة الأخيرة، ويعود ذلك إلى تزامن تخفيف القيود التي أقرتها الحكومة بعد شهر رمضان، مع ظهور متحور “دلتا” الذي أصبح منتشراً في المغرب بنسبة أقل طبعاً من متحور “ألفا” البريطاني الذي يشكل نسبة 80 حتى 90 في المئة من الانتشار بالمغرب.

قلت، إن تزامن تخفيف القيود التي شملت مجموعة من الإجراءات، سواء بالنسبة للسفر والتجمعات أو غيرهما، إضافة إلى فتح الحدود أمام الجالية المغربية المقيمة بالخارج والسياح أيضاً، وظهور سلالة “دلتا” سريعة الانتشار، إضافة إلى حالة التراخي من طرف المواطنين في احترام التدابير والإجراءات الاحترازية الوقائية، جعل من الحالة الوبائية تسوء نوعاً ما.

وأذكر هنا أرقاماً مهمة، فقبل هذه الموجة الجديدة، كانت نسبة الفحوص الإيجابية تسجل من كل 100 حالة ما بين 3 أو 4 حالات مصابة بالعدوى. اليوم وخلال الأيام الأخيرة، فقد وصلنا إلى 20 في المئة من الفحوص كلها إيجابية، وهذا مؤشر كبير على انتشار هذا الفيروس، لذلك فإننا اليوم عوض 300 أو 400 حالة كانت تسجل يومياً في وقت سابق، نسجل 4000 حالة إيجابية بشكل يومي، والأرقام مرشحة للتضاعف.

وأشير هنا إلى أقسام الإنعاش، حيث كانت نسبة 7 في المئة من الأسرة المخصصة لحالات كوفيد 19 الحرجة، أما اليوم فقد بلغت النسبة 16 في المئة، بل إن هناك مدناً أغلقت أقسام الإنعاش المخصصة لمرضى كوفيد 19، لكنها عادت لتفتح من جديد وتستقبل الحالات الجديدة التي جرى رصدها مؤخراً خلال هذه الموجة الجديدة، وأذكر من هذه المدن الدار البيضاء وفاس ومراكش، التي كانت تعرف معدل تكاثر لا يتجاوز 0.7 في المئة، أما الآن فقد بلغت 1.45 في المئة.

وباختصار، فإن هذه المعطيات حول الحالة الوبائية في المغرب تفيد بأننا أمام موجة “دلتا” وسببها الأساسي هو عدم احترام المواطنين للإجراءات الوقائية.

وأذكّر هنا بما اتخذه المغرب من قرارات منذ شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي 2020، خاصة بعد العطلة الصيفية وعيد الأضحى للسنة الماضية، والتي شهدت انتكاسة وبائية بالمغرب امتدت لمدة من الزمن، تلك القرارات التي كانت عبارة عن تدابير وإجراءات احترازية وقائية مكّنت المملكة من التحكم في الحالة الوبائية.

الإجراءات الاستباقية

– المغرب كان سبّاقاً إلى اتخاذ إجراءات احترازية جنبته الأسوأ، فهل ستحافظ المملكة على نهجها الاستباقي؟ وهل تدخل قرارات الحكومة الأخيرة بتشديد القيود في هذا الإطار؟

بالفعل، كان المغرب سباقاً إلى اتخاذ عدة إجراءات احترازية مشددة وهو ما جعل المملكة تخرج من الحجر الصحي في سنة 2020 بعد 3 أشهر من إقراره من طرف السلطات العمومية، وبحصيلة أقل من 200 حالة وفاة، في الوقت نفسه سجلت دول أوروبية في الفترة نفسها نسبة وفيات تجاوزت 3000 حالة.

طبعاً، هذه الإجراءات التي جنبت المغرب الأسوأ، كانت بتعليمات من الملك محمد السادس وبإشراف مباشر من طرفه، وجعلت الحفاظ على صحة وسلامة المواطن المغربي أولوية الأولويات.
شيء مهم جداً حققته لنا الإجراءات الاستباقية التي اتخذها المغرب، فبالإضافة إلى التحكم في الحالة الوبائية، مكنتنا أيضاً من تقوية المنظومة الصحة والكوادر الصحية والتجهيزات وأقسام الإنعاش، كما مكنتنا من معرفة الفيروس أكثر، لكي نواجهه، وأيضاً لتوفير وسائل الحماية من معقمات وكمامات… وهنا أشير إلى ريادة المغرب في مجال إنتاجها المحلي والذي تجاوز الحدود إلى بلدان أخرى في المعمور.

– في نظرك، ما هو الحل للخروج من هذه الوضعية الوبائية المتصاعدة في المغرب؟

احترام المواطنين للإجراءات والتدابير الوقائية حل مسلم به، وأساساً وهذا أهم شيء، ويبقى الخيار الأول وهو التطعيم لتجنب الوفيات بفيروس كورونا المستجد، وحتى نتمكن من تحقيق المناعة الجماعية.

صحيح أن المغرب اليوم سار بنجاح في عملية التطعيم، وبلغنا نسبة 30 في المئة من المطعمين بالكامل ضد الفيروس أي بالجرعة الأولى والثانية، لكن هذه النسبة لن تحمينا ولن تحقق لنا المناعة الجماعية، كما أنها لن تحمي المنظومة الصحية من الانهيار لا قدر الله لو تواصلت نسبة تصاعد حالات الإصابة والحالات الحرجة.

لذلك، أشدد على أن الحل الأول هو التطعيم واحترام المواطنين لكافة الإجراءات والتدابير الوقائية للحد من تفشي الوباء، والخروج بسلام من هذه الأزمة الصحية التي تعصف بالعالم. وحتى نتجنب ـ كما قلت ـ انهيار لا قدر الله المنظومة الصحية، لأن ذلك أفظع بكثير من الجائحة في حد ذاتها، فاليوم من بين 100 مصاب بفيروس كورونا 80 منهم يتعافون تلقائياً و15 شخصاً يتلقى علاجات متوسطة و5 منهم فقط يرقدون في أقسام الإنعاش، وذلك بفضل المنظومة الصحية المتماسكة والقوية التي تمكنت من تجاوز الصعاب واغتنمت فرصة الجائحة لتقوي نفسها.

ومن ثم، فعلى المواطن أن يعي جيداً أهمية احترام التدابير الوقائية والتطعيم وبلوغ المغرب المناعة الجماعية، وفي ذلك حرص الصحة العامة وحرص على المنظومة الصحية التي توفر خدماتها لكل المرضى.

وكي يفهم المواطن المغربي ذلك جيداً، فإن انهيار المنظومة الصحية لا قدر الله، يعني بالأرقام، أن 100 مصاب بكورونا منهم 80 حالة ستشفى تلقائياً لكن 15 شخصاً الذين من المفروض أن يتطلب وضعهم الصحي احتياجات بسيطة أو متوسطة سيجدون أنفسهم في وضع حرج ولا منقذ لهم من الوباء، لذلك فالنتيجة الحتمية أن 5 حالات منهم ستتوفى وكذلك الشأن بالنسبة للخمسة في أقسام الإنعاش فهم مصيرهم أيضاً الموت.

هكذا، على المواطن أن يفهم أهمية المنظومة الصحية، وأهمية الحفاظ عليها قوية متماسكة، وبالتالي أهمية الالتزام بالإجراءات والتدابير الوقائية والتطعيم طبعاً ضد الفيروس.

– ذكرت، دكتور، في تنبيهات وتحذيرات سابقة ما لمناسبة مثل عيد الأضحى من أثر سلبي على ارتفاع الإصابات بالفيروس، فهل تجنب المغاربة ذلك خلال عيد هذه السنة عكس السنة الماضية؟

في الواقع، نبهنا قبل أسابيع من عيد الأضحى، وأكدنا للمواطنين أنه يوجد متحور “دلتا” إضافة إلى المتحور البريطاني “ألفا”، ونبهنا أنه مع تخفيف القيود ستكون الحركية أكثر والفيروس سينتشر بشكل أكبر، كما أكدنا أن الساكنة الملقحة هي بالفعل محمية إلى درجة كبيرة.

لكن، في المقابل، هناك عدد من المواطنين لم يصل دورهم لتلقي التطعيم بعد، وبالتالي فإن احترام التدابير والإجراءات هو أولوية اليوم بالنسبة للمواطنين المغاربة، هذا ما نبهنا إليه قبل أسابيع من عيد الأضحى، لأننا نعلم أن حركة التنقل خلال هذه المناسبة تكون مرتفعة عن باقي الأيام العادية.

كما أن مثل مناسبة العيد تعرف تجمعات عائلية مهما بلغت نسبة احتياطات المواطنين فإن عدد الإصابات سيرتفع، لذلك حذرنا من التنقل والسفر والتجمعات العائلية والامتناع عن ذلك.

وأشير هنا إلى أن جزءاً من المغاربة يحترم الإجراءات الوقائية، والجزء الآخر مع الأسف في عيد الأضحى لم يعر هذه الإجراءات أي اهتمام، ولم يحترمها رغم أنها تحميه وتحمي أهله وأقاربه الذين يصر على زيارتهم رغم خطورة الوضع الوبائي.

لذلك، فكل الأمل أن تحترم الساكنة الإجراءات الوقائية، ونحن على يقين أنه لو حصل ذلك فإنه حتى وإن ارتفعت الاصابات فإن عددها سيكون أقل بكثير، ولا يطرح أي مشكل خاصة مع تزايد الفئات المستفيدة من اللقاح التي بلغت اليوم 30 في المئة.

لكن في ظل الواقع اليومي، فإن الحالة الوبائية تنذر بالمزيد من الحالات المتفاقمة والحرجة وتزايد الوفيات أيضاً، وهو ما سيكون معه اتخاذ قرار الإغلاق ضرورياً للتحكم في الحالة الوبائية.

– كثيرون يتحدثون عن المتحور “دلتا” وسرعة انتشاره وكثيرة هي الدراسات في هذا الباب، بصفتك خبيراً في السياسات والنظم الصحية، هل سيتمكن العالم من تقليص نسبة التأثير السلبي لهذه السلالة؟

فعلاً، هناك عدة دراسات تتعلق بالمتحور “دلتا” أكثر من “ألفا”، لأن الأول ينتشر بسرعة أكثر، وتلك الدراسات توضح وتؤكد أن “دلتا” يرسل الناس إلى المستشفى مرتين أكثر من “ألفا”، هذا إذا لم يرفع نسبة الوفيات.

الدراسات أشارت أيضاً إلى أن المتحور “دلتا” يضعف من فعالية اللقاح، فالمطعّم بالجرعة الأولى تنقص فعالية اللقاح لديه مع متحور “دلتا” ما بين 60 و70 إلى 75 في المئة، لكن لحسن الحظ أن اللقاح الكامل أي بالجرعتين الأولى والثانية فإن الكفة تتعدل، وتكون للقاح فعاليته خصوصاً ضد الحالات الخطرة والحرجة.
ويجب الإشارة هنا إلى أن الدول التي فيها نسبة التلقيح مرتفعة مثل بعض دول الشمال والجنوب كالمغرب، ستكون فيها إصابات مرتفعة لكن دون حالات خطيرة وحرجة بنفس الحدة.

الشباب هو المستهدف من “دلتا”

– ما قولك للمشككين في التلقيح، وهل بالفعل معظم الحالات الحرجة الموجودة حالياً في أقسام العناية المركزة تعود لأشخاص فوتوا على أنفسهم التطعيم، كما ورد على لسان وزير الصحة خالد أيت الطالب؟

أقول لهم شيئاً واحداً، وهو أن أغلب الموجودين حالياً في أقسام الإنعاش هم أشخاص لم يتلقوا اللقاح، أو فئات عمرية كبيرة في السن، أو شباب لم يصل دورهم في تلقي التلقيح بعد.

وبالنسبة لمن يقول بأن هناك أشخاصاً تلقوا التلقيح بالكامل وأصيبوا يرقدون في أقسام الإنعاش، أقول إن هناك نسبة من هذه الحالات تعود لكبار السن تلقوا التلقيح بالكامل ويرقدون في أقسام الإنعاش، وهو أمر طبيعي، لماذا، لأن هؤلاء المسنين من ذوي الأمراض المزمنة عندما يتلقون التلقيح بالكامل سيحميهم ضد الحالات الخطرة ليس بنسبة 100 في المئة، لكن أكيد سيحميهم ما بين 90 حتى 94 في المئة، مما يعني أن هذه النسبة تحمي بـ 10 مرات الملقحين، ونعلم أن نسبة وفيات كبار السن 75 سنة بفيروس كورونا المستجد تشكل 32 مرة أكثر من الشباب ذوي 35 عاماً.

النقطة الثانية، هي أنه في المغرب بلغت نسبة المقلحين من الفئة العمرية 75 عاماً فما فوق، 97 في المئة، والفئة العمرية ما بين 65 و60 عاماً بلغت 95 في المئة، وبالنسبة للفئة العمرية ما بين 60 و45 عاماً بلغت نسبة التلقيح لديهم 69 في المئة، وهو ما يعني أن 95 في المئة من المسنين تلقوا التلقيح و5 في المئة فقط بدون تطعيم وجزء منهم لديه أمراض مزمنة، وبالتالي حتى لو كان هناك تلقيح بالكامل فيرقدون في أقسام الإنعاش.

وأشدد هنا أن أغلبية الموجودين في أقسام الإنعاش هم أشخاص لم يتلقوا التلقيح، وأحذّر هنا أنه مع المتحور “دلتا” فإن الشباب هو المستهدف نظراً لأنه أكثر حركية من غيره من الفئات العمرية الأخرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول مرزوقي عبد الحكيم/ الجزائر:

    اللهم ارفع عنا الوباء

إشترك في قائمتنا البريدية