على مدار سنوات ظلت اجتهادات المُبدعين محدودة في المجالين الدرامي والسينمائي لتوثيق صورة المرأة المصرية والعربية، عبر مُسلسلات وأفلام السير الذاتية. فما تم إنجازه فعلياً لا يتعدى مجرد الإشارة لبعض النماذج الشهيرة لإثبات الانحياز للإبداع الثقافي والإنساني، وذلك لرفع الحرج كي لا تُتهم الحركة الثقافية المصرية والعربية بالتمييز العنصري كونها تهتم أكثر بإبداع الرجل وإنجازه، بينما تغفل جهود المرأة التي تُمثل على حد الوصف الدبلوماسي المُتكرر نصف المجتمع.
النماذج الإبداعية النسائية التي وثقت لتفوق المرأة في المجالات المُختلفة جاءت على قدر نُدرتها قوية ومبهرة فغطت جوانب التقصير وأخفت عيوب الاهتمام الدعائي الشكلي المقصور في أغلبه على عنونة المهرجانات السينمائية باسم المرأة وإدراجها تحت بند الإبداع النسائي الخاص بانتخاب مجموعة من الأفلام التي تناقش قضايا هي بالأساس مُشتركة بين الرجل والمرأة باعتبارها واقعا ذاتيا يخص النساء فقط، وهو تزييف للواقع والحقيقة يستهدف المُتاجرة باسم المرأة وطبيعتها وصفتها وموقعها المُجتمعي والسياسي والثقافي، لا سيما أن شعار المرأة مُرحب به في المؤسسات الإنتاجية الأوروبية المانحة ترحيباً يهدف إلى إحداث انقسامات حاده بين الجنسين، وعادة ما تلعب المشاريع السينمائية الممولة أوروبياً على وجيعة المرأة العربية واضطهادها من قبل الرجل الشرقي المُستبد.
لقد طرحت الدراما والسينما على السواء صوراً مشرفة لكفاح المرأة العربية ونجاحها، فخصت شخصيات بعينها بعملية التوثيق بوصفها الأكثر شهرة، فقدمت السينما المصرية السيرة الذاتية للمناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد في فيلم شديد التميز للمخرج الراحل الكبير يوسف شاهين، وبالطبع أفردت مساحة واسعة لنضالها ضد الاحتلال الفرنسي حينئذ، ولأن المرحلة النضالية كانت هي الأوضح في حياتها، فقد ركز عليها الفيلم باعتبارها الحالة الدرامية المعنية بالتدقيق والتوثيق، وبالفعل حدث ذلك وأصبحت جميلة بعد عرض الفيلم محلياً ودولياً أيقونة النضال الجزائري العربي.
وفي سياق أحداث كثيرة ومُختلطة طرحت السينما المصرية أيضاً دور حكمت فهمي عميلة المخابرات الألمانية في فيلم من إخراج حسام الدين مصطفى يحمل نفس العنوان «حكمت فهمي» لتٌلقي الضوء على دورها المخابراتي ضد الإنكليز في الحرب العالمية الثانية، وقد جسدت نادية الجندي شخصية الراقصة حكمت فهمي باقتدار وكشفت عن دورها أثناء الاحتلال الإنكليزي لمصر كداعم للألمان ضد الدولة التي تحتل بلادها.
وجسدت المُمثلة الكبيرة المُلقبة بنجمة الجماهير في سياق آخر حياة الملكة نازلي في عمل درامي بعيداً عن شاشة السينما في حلقات تلفزيونية أثارت جدلاً كبيراً لما تضمنته من وقائع وأحداث، وربما كان السبب الرئيسي في الضجة التي أثيرت إبان عرض المُسلسل قبل عدة سنوات هو الخلاف على الشخصية ذاتها والآراء السلبية تجاهها.
ولم ترد البطولات النسائية كثيراً في أفلام السير الذاتية، وإنما جاء أغلبها مُتضمناً في الأفلام الروائية الطويلة كشخصية هدى شعراوي وصفية زغلول وشخصية المناضلة البورسعيدية المكفوفة وفية، كرمز للمقاومة النسائية الباسلة في فيلم «بور سعيد» وهو الدور المحوري المجازي الذي جسدته هدى سلطان مع فريد شوقي وحسين رياض وليلى فوزي لنقل صورة درامية حية عن بطولات الشعب المصري أثناء العدوان الثلاثي على مصر.
وهذه الرمزية تكررت في عدة أفلام للتنويه عن إسهامات المرأة في المقاومة كدور فاتن حمامة في فيلم «الباب المفتوح» مع صالح سليم وحسن يوسف ودورها المهم في فيلم «لا وقت للحب» مع رشدي أباظة.
وفي ما يتصل بأفلام السير الذاتية خصيصاً، كان فيلم «أم كلثوم» للمخرج محمد فاضل وبطولة فردوس عبد الحميد هو الأشهر، ذلك أن حياة أم كلثوم بثرائها النوعي شجعت على إنتاج الفيلم وخروجه إلى النور برغم أنه لم يلق النجاح المتوقع في حينه لأسباب كثيرة، وربما أدى فشل الفيلم إلى إنتاج المُسلسل الذي تفوق في مستواه ومضمونه وأبدعت بطلته صابرين في تجسيد شخصية أم كلثوم بشكل مُقنع إلى حد كبير.
أما المُسلسل الآخر المُتعلق بحياة أسمهان والمُسندة بطولته لسلاف فواخرجي فهو مُسلسل «أسمهان» ويعد الأوقع والأفضل من نوعه لتقديمه سيرة المطربة الكبيرة بلا حسابات من أي نوع ولا أدنى محاولة للتجميل، كذلك المسلسل الذي تناول حياة الراقصة تحية كاريوكا للمخرج عمر الشيخ، تميز أيضاً بقدر من الصراحة والوضوح وقدمته وفاء عامر بأسلوب حاولت الاقتراب فيه من شخصية كاريوكا الحقيقية على قدر اجتهادها ولكنه لم ينل الاهتمام المُستحق الذي يناسب سيرة أشهر الراقصات المصريات وأكثرهن شعبية.
تلك النماذج المحدودة لصور التسجيل السينمائي والدرامي لحياة أبرز الشخصيات النسائية هي ما استوقفت النقاد والكُتاب ولفتت نظر الجمهور ليبقى الاهتمام بالمرأة المصرية ونجاحها وألقها ضرباً من خيال وفكرة تراود البعض من حين لآخر بغرض الاستثمار والمُتاجرة.