الرباط ـ «القدس العربي: يعتبر العنصر الاجتماعي أساسيا في مشروع مخطط التنمية الجديد الذي أعلن عنه في المغرب مؤخرا، بعد أكثر من سنة مع المشاورات واللقاءات مع مختلف الفاعلين في البلاد، من سياسيين وحقوقيين واقتصاديين ومجتمع مدني وغيرهم.
ومن أجل تجسيد التضامن بين المواطنين، يهدف المخطط إلى التعجيل بإنشاء قاعدة موسعة وفعالة للحماية الاجتماعية ترتكز على عقد اجتماعي يجعل الدولة والمواطنين يتحملون مسؤولياتهم. فالحماية الاجتماعية تتمم الخدمات العمومية، باعتبارهما معا استثمارا في الرأسمال البشري وركيزة للإدماج، وتتمثل هذه القاعدة في توفير حماية أساسية معممة على جميع المواطنين، وتقوية قدراتهم على التكيف، وحماية خاصة تستهدف الفئات الأكثر هشاشة (الفقراء، الأشخاص في وضعية إعاقة، إلخ…) ويتطلب هذا الالتزام من الدولة الحامية التزاما مماثلا من قبل المواطنين بإضفاء الطابع المنظم على أنشطتهم المهنية، وبالمشاركة بشكل منصف، عبر الضريبة والمساهمات الاجتماعية، في تمويل الخدمات العمومية والحماية الاجتماعية.
المساواة بين الجنسين
في سبيل ذلك، يركز المشروع الذي تلقت «القدس العربي» نسخة منه، على دعم استقلالية النساء وضمان المساواة بين الجنسين ومشاركة النساء داخل المجتمع، باعتبارها مؤشرات مهمة للتنمية في الوقت الراهن، ويمثل تعزيزها أحد الرهانات الكبرى للمغرب الحديث. وبالفعل، فإن الحد من الفوارق بين الرجال والنساء، سيما فيما يخص الولوج للعمل، من شأنه أن يساهم في الرفع من الناتج الداخلي الخام بنسبة تتراوح ما بين 0.2 في المئة و1.95 في المئة. وفضلا عن انعكاساتها الاقتصادية الإيجابية، فإن المساواة بين الجنسين والمشاركة النسائية تعتبر من الشروط الضرورية لمجتمع منفتح، متماسك ومتضامن.
ويسعى مشروع التنمية الجديد في المغرب إلى توسيع جوهري لمشاركة النساء في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية؛ ومن شأن هذا الإدماج المرتكز على تطوير القدرات والولوج المتكافئ للفرص وتعزيز الحقوق أن يجعل النساء أكثر استقلالية وأكثر استعدادا لمواجهة ظروف الحياة، ولدعم دورهن داخل الأسرة والمجتمع.
وفي هذا السياق، تم رصد ثلاث رافعات أساسية من شأنها توسيع هذه المشاركة وهذه الاستقلالية:
1 ـ رفع الإكراهات الاجتماعية التي تحد من مشاركة النساء، لاسيما من خلال تعزيز الحماية الاجتماعية للنساء النشيطات خلال فترات الحمل والأشهر الأولى بعد الولادة (إجازة مدفوعة الأجر)، وتطوير الخدمات والبنيات التحتية التي تمكنهن من المشاركة الاقتصادية (عرض عمومي يشمل رياض الأطفال والتعليم التمهيدي، بنيات لرعاية الأطفال بالشركات الكبرى، ملاءمة أوقات العمل، تعليم الأطفال وفق توقيت مستمر، وسائل نقل عمومية مؤمنة، قابلية التكاليف المرتبطة بتشغيل عمال وعاملات المنازل للخصم الضريبي، إلخ)، فضلا عن إجراءات قوية من أجل التساوي في الأجور والإنصاف في الولوج إلى فرص العمل…
2 ـ دعم آليات التربية والتكوين والإدماج والمواكبة والتمويل المخصصة للنساء. في هذا الإطار، يوصي المخطط بدعم مكثف لجهود محاربة الأمية والهدر المدرسي للبنات في التعليم الإعدادي والثانوي، مما يستدعي تحسين الولوج للعرض التعليمي في شروط تمكن الفتيات من مواصلة الدراسة.
3 ـ النهوض بقيم المساواة والمناصفة وتنميتها وعدم التسامح كليا مع كافة أشكال العنف والتمييز إزاء المرأة.
كما يقترح المشروع خلق فضاءات للنقاش المجتمعي والفقهي باعتباره إطارا هادئا ورصينا قصد التقدم في مناقشة بعض القضايا المجتمعية، من قبيل الإجهاض والوضع القانوني للأمهات العازبات وزواج القاصرات والولاية القانونية على الأطفال وإقرار مسؤولية الأب في حالة ولادة طفل خارج إطار الزواج، اعتمادا على التقنيات والاختبارات الجينية، وذلك بمشاركة ممثلي الهيئات الدينية والفاعلين المعنيين بالمجتمع المدني والخبراء، على وجه الخصوص.
انتظارات الشباب
من جهة أخرى، يشدد مشروع التنمية على ضرورة تشجيع إدماج الشباب وتنمية شخصيتهم عبر الرفع من فرص وسبل المشاركة المتاحة لهم. وترتكز تنمية المغرب على شباب متحرر ومزدهر وكفء يتحلى بروح المواطنة والمبادرة وينمي ذاته ويحقق طاقاته ويساهم في تنمية البلاد؛ فالشباب المغربي ما بين 15 و34 سنة يمثل 33 من السكان، أكثر من 4,5 مليون منهم غير نشيطين لاهم في المدرسة ولا في التدريب ولا في العمل. كما يمثل الشباب الفئة الأكثر عرضة لتبعيات أزمة كوفيد 19، لا سيما من حيث صعوبة الولوج إلى سوق العمل. ومن بين أهم الرهانات التي يواجهها المغرب جعل الشباب يكتسبون الكفاءات التي هم في حاجة إليها ومنحهم فرص تحسين آفاقهم المستقبلية، وتوفير فضاءات لتمكينهم من التعبير والمبادرة والمشاركة المواطنة، مما يقوي حسهم المدني وتشبتهم بثوابت الأمة وانخراطهم القوي والمؤثر خدمة التنمية البلاد.
لذا، يقترح مشروع التنمية في المغرب تبني مطالب خاصة تتعلق بالإدماج المهني والاندماج الاجتماعي والازدهار الشخصي والمشاركة المواطنة والمدنية، وتوفير السبل التي تتيح للشباب تنمية ذواتهم، وتمكنهم من التعبير عن أنفسهم وتنظيم اللقاءات والإقدام على الأعمال والمبادرات، وتيسير سبل الولوج للثقافة والفنون والرياضة، وكذا للفضاءات العمومية التي توفر خدمات للتعبير والإبداع، وتنضاف بذلك إلى الانتظارات المرتبطة بالخدمات العمومية ذات «جودة» خصوصا ما يتعلق بالتربية والصحة والنقل.
ولبلوغ هذه الأهداف وتلبية هذه المطالب، يقترح المشروع ثلاث توجهات رئيسية، تتمثل في تقوية نظام الإدماج المهني للشباب من خلال مقاربات جديدة للتوجيه والمواكبة وعلاقات أقوى مع عالم الشغل، ووضع برنامج وطني مندمج للشباب، يتم تدبيره على مستوى الأقاليم من طرف هيئات مهنية عبر عقود ترتكز على حسن الأداء، على أن يغطي هذا البرنامج مجموع المطالب التي عبر عنها الشباب، من ثقافة وفنون ورياضة وترفيه وإدماج سوسيو- اقتصادي ومشاركة مواطنة ومساندة اجتماعية.
بالإضافة إلى إرساء خدمة مدنية وطنية من أجل تقوية المشاركة المواطنة والحس المدني للشباب وتعزيز مهاراتهم وإمكانية تشغيلهم، تقترح اللجنة خلق خدمة مدنية وطنية تطوعية مؤدى عنها بمقابل رمزي لأداء مهام ذات مصلحة عامة، خصوصا لدى فاعلين من المجتمع المدني.
الحماية الاجتماعية
ومن بين الاقتراحات الواردة في مخطط التنمية كذلك: تسريع الجهود لإدماج العمل غير المنظم ومحاربة الغش الاجتماعي، من أجل توسيع التغطية الاجتماعية. ويعتبر العمل في إطار النشاط المنظم رافعة أساسية للإدماج وشرطا ضروريا لإرساء نظام دائم ومستدام للتغطية الاجتماعية. لذا، يهدف المشروع إلى ضمان أن يكون كل عمل وكل نشاط مهني مُصرّحًا به رسميا لدى السلطات، وأن يكفل الحق في حماية اجتماعية تمولها مساهمات الأطراف. ويقتضي هذا الأمر التصدي بحزم للغش الاجتماعي الذي يطغى على العمل غير المصرح به سواء من طرف المقاولات أو الأفراد، والإدماج التدريجي للقطاع الصغير غير المنظم (الحرفيون، التجار، الفلاحون)، من خلال أنظمة مهنية خاصة، واعتماد مساهمة ضريبية مهنية موحدة.
كما يدعو المشروع إلى إرساء قاعدة للحماية الاجتماعية الأساسية تضم التغطية الصحية المعممة والتعويضات
العائلية المعممة ودخلا أدنى للكرامة؛ وتهدف التغطية الصحية الشاملة إلى تمكين جميع المواطنين من الولوج لسلة من العلاجات الأساسية، تشمل الأمراض الأكثر انتشارا والأكثر كلفة موحدة بالنسبة للجميع. ويقترح المشروع تعميم التعويضات العائلية، وتقييدها بتعلّم الأطفال، كدعم مالي لأسرهم مع أدائها لفائدة الأمهات. وبالنظر إلى أن الآباء المنخرطين في التأمين الاجتماعي يستفيدون حاليا من التعويضات العائلية، يقترح المشروع توسيع هذه الخدمة لفائدة الأسر في وضعية هشاشة، من خلال تمويل تضامني. كما يقترح توفير دخل أدنى للكرامة يستهدف الأسر الفقيرة والهشة وذوي الاحتياجات الخاصة (الأشخاص المسنين غير المتوفرين على دخل، الأشخاص في وضعية إعاقة) والذي من شأنه أن يعوض المساعدات المالية وآليات الدعم المعمول بها حاليا.
تضامنوا عاجلا مع الطبقة الهاشة والشباب جزاكم الله خيرا راه الشباب كيضيع وفي أقرب وقت ممكن