نواكشوط ـ ‘القدس العربي’: رحبت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في موريتانيا ‘بخريطة الطريق الجديدة التي أعلنت الحكومة الموريتانية عن إجازتها للتو والتي تضم تسعا وعشرين توصية تراجع القوانين الماضية وتخطط لدمج كامل لهذه الشريحة’.
وأكد بيان للجنة توصلت القدس العربي بنسخة منه أمس ‘أن خريطة الطريق الجديدة، معدة بصورة تشاركية بين القطاعات العمومية المعنية بهذه الاشكالية والمجتمع المدنى بدعم من شركاء التنمية’.
واعتبرت اللجنة وهي هيئة مستقلة في بيانها ‘أن خريطة الطريق الجديدة حدث تاريخي كبير’، مشيرة ‘إلى أن الخريطة تتضمن تسعا وعشرين توصية متعلقة بالمسوغ القانونى والمجالات الاقتصادية والاجتماعية وتعبر بجلاء عن إرادة صادقة لمحاربة كافة أشكال العبودية والاستغلال’.
ودعت اللجنة ‘السلطات العمومية والمجتمع المدني وشركاء التنمية للتكاتف من أجل وضع خطة فعلية لتقويم ومتابعة مراحل تنفيذ هذه الخريطة لضمان محو كامل للرق ولمخلفاته’.
وطالب ابوبكر ولد مسعود رئيس منظمة نجدة العبيد في تصريح للقدس العربي أمس ‘بالمزيد من إشراك المنظمات الناشطة في مجال محاربة الرق، في تنفيذ الخريطة’.
وقال ‘إن وكالة التضامن التي أسستها الحكومة لتولي القضاء على الظاهرة لم تعقد أي اجتماع مع المنظمات الحقوقية رغم مرور عام على تأسيسها’.
وأوضح ولد مسعود ‘أن ظاهرة الرق متجذرة والجميع يتحملون جانبا من المسؤولية عنها لأن أفراد المجتمع هم ما بين ممارس للرق أو ناف له أو صامت عليه’.
وتقوم خريطة الطريق الجديدة على مراجعة كاملة لقانون 2007 الخاص بتجريم العبودية.
وتركز المراجعة على تحديد لمصطلح الرق بحيث يشمل الأشكال الجديدة للرق، مثل استغلال الأطفال في التسول والنص على مساعدة ضحايا الرق وتعويضهم ومنحهم الحق في الشكوى المباشرة للهيئات القضائية بدل إسناد المهمة للشرطة أو للسلطات الأخرى.
وكانت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالعبودية، غولنارا شاهينيان، التي زارت موريتانيا قبل أسبوعين قد أعلنت ‘اطلاعها على الخريطة الجديدة واعتبرتها ‘خطوة أساسية إلى الأمام في مجال مكافحة العبودية’.
وأكدت شاهينيان في بيان صحافي أخير لها ‘أن الخطوة التي اتخذتها حكومة موريتانيا هي بمثابة نقطة تحول في الكفاح ضد العبودية في البلاد، مضيفة أن ‘الاعتماد الرسمي لخريطة الطريق بناء على توصياتنا الصادرة عام 2010 ليس فقط رمزيا، ولكنه يمثل أيضا مرحلة جديدة في جهود موريتانيا للقضاء على الرق وبقاياه مرة واحدة وإلى الأبد’.
واقترحت شاهينيان على الحكومة الموريتانية خلال زيارتها الأخيرة لنواكشوط ‘إنشاء آلية تحقيق في العبودية تكون مستقلة وقادرة على عرض حالات الاستعباد على المحاكم، كما اقترحت النص في القانون المراجع على ترتيبات لدمج ضحايا الاسترقاق تمنحهم وسائل للعيش بدل اللجوء للاسترقاق الطوعي مقابل السكن أو الطعام’.
وشددت شاهينيان على ‘ضرورة توفير التعليم للمسترقين المحررين الذين يشكلون الوسط الأكثر تهميشا، كما أوصت بالسماح لللأرقاء المحررين بالوصول لمصادر التمويل وللملكية العقارية والقروض الصغيرة’.
وتتضمن الخريطة الجديدة ‘خطة للتحسيس متوسطة وطويلة الأمد تشرح للعموم تحريم الرق وتعرف المواطنين بتجريمه بالقانون؛ ويشارك في حملة التحسيس العلماء والأئمة وتركز على الوسط الريفي وتشمل المحاضرات والندوات وملتقيات التكوين المتخصصة والإلزامية لفائدة القضاة وممثلي السلطة المحلية وقوات الأمن’.
وكانت حركة الحر التي تضم مجموعات من أرقاء موريتانيا السابقين المعروفين محليا بمسمى ‘الحراطين’، قد حذرت من’ انفجار الأوضاع في موريتانيا إذا استمر الضغط الحالي على هذه المكونة’. ودعت الحركة في بيان صدر عنها الخميس الأخير بمناسبة إحياء الذكرى السادسة والثلاين لإحيائها ‘مجموعة الحراطين إلى رص الصفوف من أجل نيل حقوقهم وتقرير مصيرهم’، معلنة أنها تضع النظام الحاكم في موريتانيا وكافة القوى الحية في البلد أمام مسؤولياتهم لتغيير الواقع الماثل وإلا فان الضغط يولد الانفجار’، حسب تعبير البيان.
ودقت الحركة في بيانها ناقوس الخطر، مؤكدة ‘أن العبودية بشكلها التقليدي البشع ما تزال تنخر جسم مكونة الحراطين الذين يلاحقهم الفقر أينما حلوا وارتحلوا، كما يضرب الجهل في عمق مناطقهم في الداخل وفي أحياء الصفيح داخل المدن’.
يذكر أن قضية الرق تثير جدلا واسعا في موريتانيا فبينما تؤكد منظمات محاربة العبودية أن ممارسات الرق لا تزال قائمة في البلاد رغم حظر الرق بالقانون الصادر سنة 1981، تقول أوساط الحكومة ونشطاء منظمات حقوقية أخرى إن الرق لم يعد يمارس فعليا، وإنما توجد آثاره ومخلفاته كاالفقر والأمية والتخلف الاقتصادي والاجتماعي.
وأسست الحكومة الموريتانية العام الماضي، وكالة التضامن الوطنية لمحاربة آثار الاسترقاق، كما استحدثت محكمة خاصة تعنى بجرائم الاسترقاق، ضمن برامج حكومية موجهة لاستئصال الظاهرة.
ورغم تبنّي الحكومة للعديد من الإجراءات القانونيّة التّي تلغي الرقّ وتجرّمه، إلاّ أنّ هذه الظاهرة ما زالت موجودة، فموريتانيا تحتل المرتبة الأولى على رأس 162 دولة في العالم تنتشر فيها العبودية، حسب ما جاء في تقرير عن ‘مؤشر العبودية العالمية’ صدر عن منظمة ‘ووك فري’ سنة 2013.
وأوصى التقرير الحكومة الموريتانية بالقيام بدراسة مفصّلة حول الرق وإقرار آلية لتسهيل وصول ضحايا الاسترقاق للعدالة عبر تمكين المنظمات غير الحكومية من مساعدة الضحايا ومؤازرتهم قانونيا.