خصومة نتنياهو وغالانت.. “لسعات سامة” واتهامات بالخيانة تعكس عمق خلافات الإسرائيليين 

وديع عواودة
حجم الخط
0

الناصرة- “القدس العربي”: بعد تفاقم الخصومة المعلنة بين رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو ووزير أمنه غالانت، أمس، على خلفية سياسية ومبدئية وشخصية، يحذّر مراقبون إسرائيليون من استمرارها وتبعاتها السلبية على إسرائيل في الداخل والخارج، وهي لحدّ بعيد تعكس حالة الشقاق والتشظي القائمة بين “الأسباط الإسرائيلية”، وتفجّرت بشكل غير مسبوق في 2023، على خلفية ما يعرف بمحاولة “الانقلاب القضائي”.

منذ أن شهدت الحلبة السياسية في إسرائيل خلافات بين أقطابها، نتيجة اختلافات سياسية وأيديولوجية وشخصية (خلافات بيريز ورابين، أو خلافات نتنياهو وشارون، وغيرها) كما يحصل في السياسة في كل مكان وزمان في العالم، بدا أن خصومة نتنياهو وغالانت أكثر خطورة بسبب حدّتها وتوقيتها.

هذه الأنانية المرضية الشريرة دفعت رئيس حكومة الاحتلال المتطرف الراحل يتسحاق شامير لوصف نتنياهو بالشيطان

خلال اجتماع لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، سُئل غالانت أمس لماذا لا تعلن الحرب على “حزب الله”؟ فقال، موجهاً سهام انتقاداته التي طالت نتنياهو بالتلميح الغليظ: “أسمع الأبطال يقرعون طبول الحرب، وأسمع الثرثرة عن النصر المطلق، وهذا هراء، ولم أرَ شجاعة هؤلاء عندما وصل الأمر إلى النقاش داخل دائرة اتخاذ القرارات”.

وكان ردُّ فعل النائبة عن “الليكود” غوتليب، المعروفة بـ “طول اللسان”، قاسياً، فقد حملت بشدّة على غالانت، وانتهى الاجتماع بانفجار، وما لبث مكتب نتنياهو أن ردَّ بفظاظة، في بيان مبني على التحريف، وبلغة شعبوية: “النصر المطلق يلزم وزير الدفاع أيضاً. عندما يتبنّى غالانت الخطاب المعادي لإسرائيل، فإنه يضرّ بفرص التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح المختطفين. كان عليه أن يهاجم السنوار، الذي يرفض إرسال وفد إلى المفاوضات، والذي كان، ولا يزال، العائق الوحيد أمام التوصل إلى اتفاق”.

ومضى بيان مكتب نتنياهو باستهداف “حماس” وغالانت: “ليس أمام إسرائيل سوى خيار واحد: تحقيق النصر الكامل، وهو ما يعني القضاء على القدرات العسكرية والسلطوية لـ “حماس”، وإطلاق سراح المختطفين، وهذا النصر سيتحقق. وهذا هو الأمر الواضح. إن توجيهات رئيس الوزراء والحكومة تلزم الجميع، بمن فيهم غالانت”.

وفي خلفية هذه الخصومة اختلافٌ في الموقف، فغالانت متماثل مع موقف المؤسسة الأمنية والدولة العميقة الراغبة، منذ شهور، بصفقة توقف الحرب وتعيد المحتجزين والنازحين وتحول دون تورّط إسرائيل في حرب أكبر هي غير مستعدة لها الآن.

وفي المقابل؛ فإن نتنياهو يواظب على منع إنهاء الحرب لحسابات متنوّعة، منها الرغبة بالانتقام من “طوفان الأقصى”، وتهجير أكبر عدد ممكن من الغزيين، ومحاولة ترميم هيبته الجريحة، ومن أجل البقاء في سدة الحكم، وفي التاريخ، وهو يرى نفسه “تشرتشل الإسرائيلي”، ولذا فهو يعارض الصفقة ويعطّلها بـ “مسامير جحا” تباعاً، وهذا ما سيفعله، على ما يبدو، في جولة المداولات الجديدة التي تبلغ ذروتها بعد غد في الدوحة.

نتنياهو شيطان

 لكن الخصومة تتغذّى من خلافات شخصية متراكمة بعدما تجرأ غالانت على معاندته وإبداء موقف مستقل عن نتنياهو، ومخالف لتوجهاته في قضية نهاية الحرب وغيرها، كما تجلّى ذلك في إقالته، في مارس آذار 2023، على خلفية دعوته لوقف تشريعات “الانقلاب القضائي”، وما لبث نتنياهو أن اضطر للتراجع عن إقالته تحت ضغط الشارع الذي خرج للاحتجاج بقوة.

التجرؤ على نتنياهو بإبداء مواقف مستقلة مغايرة يعني خطاً أحمر بالنسبة لنتنياهو، وهذا يفسّر اختلافاته وخلافاته مع كافة وزراء الأمن في حكوماته السابقة ممن تحوّلوا من حلفاء وأصدقاء لـ “أعداء”، أمثال موشيه ياعلون وأفيغدور ليبرمان ويتسحاق مردخاي وغيرهم.

هذه الأنانية المرضية الشريرة دفعت رئيس حكومة الاحتلال المتطرف الراحل يتسحاق شامير لوصفه، قبل ثلاثة عقود ونيّف، بـ “الشيطان”.

وحسب تسريبات إسرائيلية، كان نتنياهو ينوي إقالة غالانت واستبداله بوزير القضاء السابق جدعون ساعر، وهو الآخر من أصدقائه، وخصومه القدامى، بيد أنه عدل عن رأيه في ظل معارضة واسعة في الشارع الإسرائيلي كما بينت استطلاعات.

تهمة الخيانة

وينبّه محلل الشؤون الحزبية في صحيفة “هآرتس” يوسي فرطر إلى خطورة هذه الخصومة، فيقول إن ردّ نتنياهو على غالانت غير متناسب. اللسعة السامة التي وجهها غالانت صعبة، لكنها جاءت بالتلميح لا بالتصريح، بيد أن رد مكتب نتنياهو جاء فظّاً: اتهام غالانت من قبل نتنياهو بوضوح بتبنّي رواية معادية لإسرائيل والتبرؤ من “النصر المطلق”. نتنياهو يتهمه بالخيانة.

ويتقاطع مع فرطر محللون إسرائيليون آخرون ينظرون بعين القلق من هذه الخصومة المتلفزة خلال الحرب، وبشكل غير مسبوق، فيقول، على سبيل المثال، المحلل السياسي في صحيفة “يديعوت أحرونوت” بن درور يميني إن تبادل اللكمات بين نتنياهو وغالانت هو تصعيد بدرجة جديدة، ويذكّر باحتلال البلاد من قبل الرومان والبابليين، والملكين نبوخذ نصر وتيتوس، في القرن الخامس قبل الميلاد، ثم في القرن الأول قبل الميلاد، ما تسبّب بـ “خراب الهيكل” مرتين نتيجة خلافات بين اليهود أنفسهم.

وبذلك يتكاتب بن درور يميني مع “يوم التاسع من آب”، المصادف يوم الثلاثاء، وهو يوم حزن واستغفار لدى اليهود.

ضمن مقارنته بين الوضع الراهن وحوادث تاريخية، يقول بن درور يميني: “وقتها حوصرت واحتلت البلاد، واليوم محاطة بـ “سوار النار” الإيراني. وقتها كانت خلافات وخصومات تسبّبت بالخراب، واليوم صارت عداوات… ونحن نقترب لتلك الأيام السيئة… وهناك لحظات في التاريخ نحتاج فيها ليس لصورة وحدة فحسب، بل لوحدة، كما هو الحال اليوم”.

يوسي فرطر: اللسعة السامة التي وجهها غالانت صعبة، لكنها جاءت بالتلميح لا بالتصريح، بيد أن رد مكتب نتنياهو جاء فظّاً

“طوفان الأقصى” لم تطفئ نار الخلافات

هذا الخلاف بين نتنياهو وغالانت هو، لحدّ بعيد، مرآة للاختلافات والخلافات الحقيقية العميقة بين الإسرائيليين، والتي خاب ظن الإسرائيليون بأنها قد تبدّدت وتراجعت نتيجة “طوفان الأقصى”، وبسبب الحرب المتوحشة على غزة. هذا الحدث الجلل أطفأ نار الخلافات، ولكن مع انطلاق الحرب وتفاعلاتها اتضح أن الاختلافات تفاقمت وانفجرت من جديد بعدما تبيّن أن حكومة نتنياهو ترفض تحمّل مسؤولية “الفشل الإستراتيجي الذريع”، مثلما ترفض صفقة مع “حماس” تعيد المحتجزين، بخلاف موقف أغلبية الإسرائيليين، وفق الاستطلاعات، ممن يعتقدون أن حسابات فئوية وشخصية تحكم نتنياهو وحكومته، رغم أن الأوضاع الأمنية خطيرة وتنذر بحرب أوسع، إسرائيل بجيشها واحتياطها وجبهتها الداخلية غير مستعدة لها في هذه المرحلة.

خطاب الأسباط

وما زاد من تفجّر الخلافات أثناء الحرب رفض اليهود الحريديم للخدمة العسكرية، وإعلانهم أنهم يفضّلون الموت على الذهاب للجيش، رغم أن إسرائيل بحالة حرب، وجيشها يشكو من قلّة تعداد جنوده، بعدما تبنّى فكرة “جيش صغير وذكي” قبل سنوات. وجاء تحامل الإسرائيليين كبيراً وغاضباً على الحريديم بسبب رفضهم للخدمة العسكرية في هذه المرحلة الدقيقة، وهذا ما سبق أن حذّر منه مراقبون إسرائيليون، أبرزهم رئيس إسرائيل الأسبق رؤوفين ريفلين، الذي قال، في “خطاب الأسباط”، خلال مؤتمر هرتزليا للمناعة القومية، عام 2015، إن الخلافات الداخلية بين علمانيين ومتدينين، بين شرقيين وغربيين، بين إسرائيليين ومستوطنين، بين يهود وعرب، أشد خطراً على إسرائيل من قنبلة إيران.

وتبعه بذلك رئيس حكومة الاحتلال الأسبق إيهود أولمرت، الذي أكد أن العدو الداخلي أخطر على إسرائيل من أعدائها في الخارج، منوهاً لاحتمال انتقال المستوطنين من الاعتداء على المدنيين الفلسطينيين إلى ضرب الإسرائيليين المخالفين لتوجهاتهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية