خطاب السيسي… رسائل متناقضة إلى الداخل والخارج

حجم الخط
20

القى الرئيس المصري الجديد عبد الفتاح السيسي خطابه السياسي الاول مساء الاحد امام جمهور من المدعوين في قصر القبة الملكي في نهاية يوم طويل بدأ باداء اليمين الدستورية امام المحكمة الدستورية، ثم استقبال عشرات الضيوف في حفل تسلم السلطة من الرئيس السابق، وهو حدث لا نظير له في تاريخ مصر.
وبالطبع يكتسب الخطاب اهمية كونه اول مناسبة يفصل فيها السيسي برنامجه بشكل متكامل. وبالنسبة لكثير من المراقبين، فقد بعث الخطاب برسائل مختلطة داخليا وخارجيا.
اما شكليا، فقد استهدفت المراسم رفع الروح المعنوية لجمهور محبط، وتعظيم الشعور العام بعودة الدولة، عبر تسليط الاضواء على قصري القبة والاتحادية، والمواكب الرئاسية الفخمة والاجراءات الامنية المشددة، ليكون التنصيب فارقا بين عهدين، وهي رسالة تحتاج الى اجراءات عملية لتكريسها.
اما الخطاب فقد تعثر السيسي مكررا في قراءته، ما اثار تساؤلات ان كان السبب هو الارهاق في نهاية يوم التنصيب، ام ان الرئيس الجديد ذا الخلفية العسكرية، ربما يحتاج الى ما يسمونه في الغرب (coaching) اي التدريب المتخصص للسياسيين على الالقاء السليم واستخدام اللغة، خاصة ان السيسي نادرا ما نظر الى الجمهور اثناء الالقاء الذي استغرق قرابة ساعة، ما اثر على قدرته على التواصل معهم. وبشكل عام فان هكذا خطاب مهم كان يحتاج الى استعداد وظروف افضل لالقائه.
اما موضوعيا، فقد عبر الخطاب عن مواقف اما متناقضة او مازالت في طور التكون والاستكشاف. ومنها قوله «أتطلع إلى عهد جديد يقوم على التصالح والتسامح، باستثناء من أجرموا في حقه واتخذوا من العنف منهجا». اذ ان هذه الرسالة التي ظاهرها التصالح والتسامح، تقول في جوهرها انه لن يتسامح مع من اخطأ حتى اذا اعتذر وقرر تغيير المسار.
وبالرغم من حديثه الواضح عن احترام «دستور دولتنا المدنية وحكمنا المدني» في رد غير مباشر على من يتهمونه بأنه سيؤسس نظاما عسكريا، وقبول النقد (شرط ان يكون بلا تجريح)، الا انه اشترط «الالتزام» مقابل السماح بالحرية، دون ان يحدد محددات ذلك الالتزام.
وتجلت «اللهجة الشمولية» بوضوح عندما شدد في اكثر من مرة على مركزية «القيادة الواحدة» للبلاد، نافيا وجود اي قيادات اخرى، بما في ذلك القيادات الدينية.
وفي الواقع ان هذا الكلام يتناقض بشدة مع روح الدستور المعدل ونصوصه، والتي تمنح رئيس الوزراء الذي يختاره البرلمان سلطات توازي سلطات رئيس الجمهورية.
وتكتسب هذه اللهجة الشمولية اهمية خاصة في ظل القانون الجديد لمجلس النواب الذي يبدو «»مفصلا» لانتاج برلمان ضعيف او غير مسيس، ما يمكن ان يبعث صيغة الحكم الفردي في عهد مبارك، ويفرغ النصوص الدستورية ذات الشأن من معناها.
وتفسير ذلك ان الانتخاب الفردي سيأتي بثمانين بالمئة من النواب، وهم عادة نواب «خدميون» اي يهتمون بشؤون محلية ومناطقية فقط، اما العشرون بالمئة التي بقيت لنظام الانتخاب بالقوائم فقد صعب القانون على الاحزاب (الضعيفة اصلا) ان تستفيد منها بأن جعلها مطلقة، وقسم الجمهورية الى اربع دوائر فقط، ما يعني ان مرشحي القائمة، عليهم ان يخوضوا المعركة في عدة محافظات، دونما امكانيات مادية او لوجستية تذكر.
اما على مستوى السياسة الخارجية، فقد احسن المشير بالتشديد على ان القضية الفلسطينية مازالت المشكلة المركزية في الشرق الاوسط (وهو ما سارعت اسرائيل لانتقاده)، وان موقف مصر من فلسطين لا يتأثر بالمشاكل مع اي جماعات، الا ان هذا الكلام الجيد يحتاج الى ترجمة عملية بالاسراع بفتح معبر رفح بشكل قانوني يحفظ امن الشعبين.
الا ان المبالغة في اهمية «الامن الخليجي» بالنسبة لمصر، والعلاقات مع دول الخليج وخاصة السعودية، والاشارة الى لعب دور «امني اقليمي» يمكن ان يوجه رسائل سلبية ومثيرة للقلق الى قوى اقليمية فاعلة وتحديدا ايران التي اعلنت امس على لسان نائب وزير خارجيتها بعد مشاركته في مراسم التنصيب ان طهران»مستعدة لمساعدة مصر في كافة المجالات». بل وبالنسبة الى كثير من المصريين الذين ينتظرون من النظام الجديد تحقيق الاستقرار وليس الدخول في مغامرات عسكرية هنا وهناك.
وربما يتعين هنا على المثقفين خاصة ان يقوموا بدورهم، وان يذكروا الرئيس الجديد بان مصر كانت عبر التاريخ مصدر منح والهام في هذا الجزء من العالم، وانه لا يجب ان يسمح للبعض باستغلال ثقلها الاخلاقي والبشري ليحل ازماته على حساب تلك المكانة التاريخية. وبكلمات اخرى فان قبوله دخول مصر «متاهة مؤتمرات المانحين» يمثل تزويرا للحقائق التاريخية والجيوسياسية، قبل ان يكون اهانة لشعب كريم حتى في اصعب المحن.

رأي القدس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    هذا الرئيس هو آخر من يحق له ان يتكلم بالقضية الفلسطينيه
    فلم يكفيه سجن الاخوان حتى سجن قطاع غزة بالكامل
    بل أنه هدم الأنفاق التي هي شريان الحياة للفلسطينين

    سوف يفتك بكم يامصريين كما فتك بشار بالسوريين
    حتى خيارات الفيسبوك والتويتر وغيرها من أدوات التواصل ستقطع
    اليوم مراقبة وغدا قطع وسوف تترحمون على أيام مبارك

    هذا ما كنزتم لأنفسكم – ضننتم الأمان والرخاء لكم لكنهما أصبحت له

    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول سامح // الامارات:

    * شكرا ( لقدسنا العزيزة ) ع المقال الجميل المتوازن الموضوعي .
    * بدءا يجب أن لا ننسى أنّ ( مصر ) ما زالت في مربع دول العالم الثالث ؟؟؟
    وبالتالي من الظلم أن نقارن ما يحدث فيها بالدول العريقة بالديموقراطية .
    * أماّ موضوع الخطاب : نعم ( السيسي ) أمضى جل حياته في الجيش
    وبالتالي ( إلقاء الخطابات ) وخاصة الطويلة جديدة عليه ولكن أتوقع
    بعد فترة سيتحسن آداؤه في الإلقاء وهي ع العموم مسألة ( شكلية ) وثانوية .
    * ( الخطاب ) وما إحتواه خارطة الطريق لمستقبل مصر ( داخليا وخارجيا )
    والتركيز على عدم السماح لمراكز قوى في مصر واضحة المعنى والدلالة ؟؟؟
    * ( لا لعودة المرشد ) ولا أية قوة سواء ( دينية ) أو ( سياسية ) تهمشم
    دور الدولة المصرية .
    * أعلن بصراحة وقوف مصر خلف ( الشعب الفلسطيني ) حتىّ تحقيق
    آمانيه وقيام دولته المستقلة وعاصمتها ( القدس ) .
    أماّ ( معبر رفح ) أتوقع المحادثات الآن جارية حوله بين السلطة الفلسطينية
    والمسؤولين المصريين لإيجاد ( خطة عمل ) حقيقية وقانونية لفتح المعبر .
    * إعتبار ( أمن الخليج العربي ) من أمن مصر ( تطمين ورد الجميل )
    لدول الخليج العربي وأنّ مصر لا تنسى من وقف معها ( وقت الشدّة ) .
    * ( التسامح ) وفتح صفحة جديدة لجميع المصريين دون ( إقصاء ) أحد ؟؟؟
    * لعمري هذه فرصة ذهبية وتاريخية لجماعة ( الإخوان ) ترك الأوهام
    والإعتراف بالواقع على أرض الواقع واغتنام هذه الفرصة التاريخية
    لتغيير المسار والإعتراف بالشرعية والدستور والإلتزام ( بالسلمية )
    ونبذ العنف ومن ثم ( الإنخراط ) في بناء مصر الجديدة في النهاية
    هم مصريون ومن حقهم المشاركة في بناء وطنهم والعمل على نهضته .
    * أظهر الخطاب بوضوح : ( إنهاء تبعية ) مصر لأي دول أجنبية بعينها
    والعمل على علاقات متوازنة مع الجميع .
    * حقيقة ( الخطاب ) أو خطة الطريق لمستقبل مصر يحتاج الى أكثر من تعليق
    وتعليق والمهم في النهاية ( التنفيذ ) على أرض الواقع .
    * كل التوفيق ( لمصر ) بغد مشرق مستقر ومزدهر وللعرب أجمعين
    ( بفضل الله وتوفيقه ) .
    شكرا والشكر موصول لقدسنا العزيزة ( بارك الله فيها ) .

    1. يقول - Germany walid kheir:

      حسناً يا أخ سامح عندما يقتحم اللصوص بيتك و يطردوك منه وينهبوا محتوياته و يغتصبوا امرأتك و يقتلوا أولادك ثم يعرضوا ( التسامح ) وفتح صفحة جديدة فعليك ترك الأوهام والإعتراف بالواقع على أرض الواقع واغتنام هذه الفرصة التاريخية…. و لعمري انها لفرصه ذهبية وتاريخية لك لكي تظل علي قيد الحياه، أما عن شرفك و كرامتك و قبلهم حقك فلا بأس أن يذهبوا إلي الجحيم.

      والله لم يتمكن الطغاة من رقابنا إلا بسبب هذا الانبطاح و القبول بالدنيه…. و الشكر موصول للقدس العربي…..

  3. يقول حنان الاتربي:

    افضل تحليل للخطاب . مقال رائع حقاً. لكن السيسي اصبح يمثل حالة اكتر منه شخص. ومصر تستفيد من هذه الحالة لان الناس هيشتغلوا معه. لايوجد فرد او نظام يستطيع ان ينجح وحده مصر.

  4. يقول ابوصالح الدوحة قطر:

    كلام .في الصميم تشكرعليه هذه الصحيفه المحترمه التي تستحق.عليه كل احترام وتقدير.

  5. يقول علي محمد علي:

    وهكذا عادت مصر وشعبها الى حيث كانت .انتهت الثوره بالفشل وانتصر اعداء الامل بغد افضل ووطن اجمل انظف واقوى .انا لله وان اليه لراجعون .

  6. يقول Hikmat USA:

    الحق يجب ان يقال والواقع يجب يكون اساس للحسابات ..
    الاتحاد السوفياتي .. أقوى قوة عسكرية في العالم ، وعدد نفوس ، ومصادر طاقة …. تهدم لفشله اقتصاديا !!
    مصر كبيره وعريقة وقوية ولها وزنها الكبير وكانت غنية وتصرف على العرب … ولكنها الان مفلسة تماما !!!
    المبدأ الرأسمالي الذي يحكم العالم الان .. عندك فلس ،،، تساوي فلس ..
    على مصر لاجل ان تكون قوية ان يكون لها اقتصاد قوي اولا .
    مع كل أمنياتي لمصر بالتقدم والازدهار وان تعود قوية أمنه وأمينة.
    وشكرا للقدس لهذا المقال الجميل وياريت يقرأه المعنيون .

  7. يقول Hassan:

    ما آلت إليه مصر وهي ” النموذج ” الآن لقمة الرداءة في الوطن العربي فأن يتسلط منقلب على نظام هو بالتأكيد نتاج لعدم قيام كل بعمله في ميدانه. فالعامل يتكاسل في المصنع والفلاح لا يعتني بالزراعة في أرضه والمعلم يبحث عن السحت عبر الدروس الخصوصية والأستاذ الجامعي الذي يدرس في أي كلية يرمي بمواضيع الطلبة الذين يجتازون كل سنة إمتحانات آخر السنة في سلة المهملات دون حسيب ولا رقيب، ترى العنصرية بين أبناء الأقاليم. الطبيب حين استدعائه عند الطوارىء يغلق هاتفه الجوال وهو يتقاضى الملايين من الأموال. رؤوس الأموال تراهم يستبدون ويتحكمون في الأسواق كيفما شاؤوا … فلا لوم إذا على من يصل إلى الحكم بطريقة أو بأخرى فهو من تلك البيئة، البيئة العربية في هذا الزمان الذي دفنت فيها الكفاءات وآل الأمر إلى غير أهله. هذا أو غيره سوف يقوم بما قام به هو إن كان غيره قد أخذ مكانه. جبلات من التخلف تكبل العرب وتجعلهم حوت يأكل حوت وقليل الجهد يموت.

  8. يقول Mohammed:

    ان تصريح الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي في حفل تنصيبه الذي أقيم بقصر القبة قد رهن امن مصر القومي من حق الشعب المصري ان يقرر مصيره بنفسه والانتخاب لايعني اعطاء الحق الى عبدالفتاح السيسي على ان يرهن امن مصر القومي بامن طغمه تكفيريه ارهابيه

  9. يقول فؤاد - فلسطين:

    لا شك ان المقال قد كتب بموضوعيه ومهنيه عاليه ومن منطلق الحرص على مصر وشعب مصر وقد لامس المقال القلق الداخلي لكل شريف ومحب لمصر من مخاوف جر سفينة القياده المصريه لتبحر في المجهول
    حمى الله مصر من كيد الكائدين

  10. يقول رافد الساعدي ـ العراق:

    عبد الفتاح السيسي الى حد الان غير واضح في سياسته الخارجية

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية