أيها السيدات والسادة..
لا تتصوروا مدى فخري أن أقف أمام مجلسكم الموقر مرة أخرى، ليس فقط لأني أول زعيم أجنبي يحظى بهذا الشرف لأربع مرات، بل لأني الوحيد الذي توشك المحكمة الجنائية الدولية أن تصدر مذكرة إيقاف دولية في حقه بتهمة ارتكابه جرائم حرب ومع ذلك تحديتم الجميع واستضفتموه من على منبركم (تصفيق حار).
صحيح أني كثيرا ما أوصف في بلدي بالمراوغ وحتى بالكذّاب، تخيّلوا الوقاحة!!، ولكني سأكون معكم صريحا وصادقا كما لم أكن يوما حتى مع زوجتي سارة (ضحك في القاعة).
سيداتي سادتي..
اسمحوا لي أن أذكّركم ببعض الحقائق التاريخية لسد الطريق تماما أمام من يظن أن بإمكانه أن يقدّم لنا في إسرائيل دروسا في الطريقة المثلى لتعاملنا مع أعدائنا، ذلك أننا نتصرف الآن بعد اعتداء السابع من أكتوبر الإرهابي كما تعاملتم أنتم مع هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 الإرهابية.
دعونا لا ننسى أن هذا البلد العظيم والصديق، الولايات المتحدة الأمريكية، ما كان له أن يولد ويتسيّد هذا العالم لولا ما قام به من عمل جبار لم يعبأ فيه بأحد، كما نفعل نحن اليوم. لا أقصد فقط تصفية ملايين الهنود الحمر بلا شفقة ولكن أيضا لأنه البلد الذي لم يتجرأ أحد على الدعوة لمحاكمته بزعم ارتكابه جرائم حرب بعد ما جرى في ألمانيا مثلا خلال الحرب العالمية الثانية مع قصف مدينة دريسدن حين تجاوز عدد القتلى 34 ألف مواطن، وهو رقم ليس بعيدا عما يروجه الدجالون عن غزة اليوم.
أيها السيدات والسادة..
لا ننسى كذلك ما فعلتموه في اليابان وإلقاء قنابل ذرية على هيروشيما وناغازاكي بأمر من الرئيس هاري ترومان، وهو نفس ما كان بإمكاننا أن نفعله في غزة لولا أن جيشنا هو الأكثر أخلاقية في العالم. أما حربكم في فيتنام التي استمرت عشرين عاما من 1955 إلى 1975 والتي أودت بثلاثة ملايين فيتنامي فما أبعد ويلاتها عن حربنا المشروعة في غزة.
لا ننسى كذلك حربكم في كوريا التي وقفت فيها بلادكم العظيمة مع من تصدى للهمجية والتطرف، كما نحن اليوم، مع أننا لم نصل إلى رقم ملايين الكوريين من مدنيين وعسكريين الذين سقطوا على يد قواتكم الباسلة، من بينهم عشرات آلاف اللاجئين قبل 74 عاما بالضبط بين 26 و29 يوليو 1950، في قرية «نو غون ري». أما ما جرى في أفغانستان والعراق فمعلوم لدى الجميع ولا فائدة في التذكير به، فما بالعهد من قدم.
أيها الحضور الكريم..
أمريكا البلد الذي لم يتجرأ أحد على الدعوة لمحاكمته بزعم ارتكابه جرائم حرب بعد ما جرى في ألمانيا مثلا خلال الحرب العالمية الثانية مع قصف مدينة دريسدن حين تجاوز عدد القتلى 34 ألف مواطن
لا أقول لكم كل ذلك من باب الإحراج، حاشا لله، ولكني أقوله لأن محاربة قوى الهمجية والتطرف له ثمن، ولا بد من دفعه، وهذا ما نفعله الآن ولا يهمنا أبدا ما يمكن أن يقال عنا ولا يهمنا -مثلكم تماما- ما يسمى بالقانون الدولي الذي فصّل للضعفاء والمهزومين. نحن وبكل فخر واعتزاز، نتقدم بكم ومعكم اليد في اليد، مع كل القوى المتحضرة في أوروبا وبعض الدول العربية السنية التي عقدت معنا اتفاقات إبراهام التاريخية فسلمت وسلمنا، وما زلنا نطمح في التحاق المزيد.
كم يعز عليّ أن أشير إلى الكثير من نقاط التشابه بين حربنا في غزة وحربكم في فيتنام حيث عجزتم عن فصل الأعداء المسلحين عن عامة السكان، فكان أن تصرّفتم كما ينبغي رغم كل الانتقادات التي تعرّضتم لها، مثلما نحن الآن، وقد قال وقتها الجنرال «وليام ويستمورلاند» قائد القوات الأمريكية في فيتنام أثناء الحرب، إن الوفيات العرضية بين المدنيين «مشكلة كبرى» لكن ذلك لم يمنعه بكل شجاعة من تحميل مسلحي الـ«فيتكونغ» وزر ذلك كما نفعل نحن الآن مع كتائب «حماس» الإرهابية.
لكل ذلك، لم نغضب حقيقة من دعواتكم لنا بالتقليل من الخسائر المدنية في غزة وزيادة إدخال المساعدات، ولا حتى من امتعاضكم مما وصفتموه أحيانا بتطرف بعض أعضاء حكومتي، لأننا ندرك تماما أن كل ذلك لم يكن جدّيا بل فقط لمواجهة الضغوط الدولية المنافقة والمعادية للسامية.
شكرا لكل فيتو رفعته إدارتكم الصديقة في مجلس الأمن ضد حربنا المشروعة تماما والتي لا يهمنا كم من ألف سقط جراءها فهؤلاء الذين يوصفون بالمدنيين، حتى الأطفال والنساء والشيوخ، هم ببساطة شديدة من مؤيدي «حماس» أو على الأقل ممن لم يثوروا ضدها، وبالتالي فهم يستحقون تماما كل ما يلحق هم.
شكرا لوقوفكم ضد قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة المعادية على الدوام لنا، شكرا لإدانتكم ما يسمى بمحكمة العدل الدولية أو المحكمة الجنائية الدولية التي لم تتجرأ على محاكمة بشار الأسد أو خامنئي.
شكرا للصديق جو بايدن الذي وقف معنا قلبا وقالبا، فنحن أهم حليف لبلادكم في الشرق الأوسط مهما كان الرئيس المقبل لأن الكل يدرك تماما أننا «دافنينه سوا»!
ليبارك الرب أمريكا وإسرائيل.
(وقوف وتصفيق حار طويل جدا).
كاتب وإعلامي تونسي