القاهرة ـ «القدس العربي»: كان الاهتمام الأكبر لغالبية المصريين وللصحف المصرية الصادرة يومي السبت والأحد 6 و7 يوليو/تموز، هو هزيمة المنتخب المصري لكرة القدم في مباراته مع منتخب جنوب افريقيا، وخروجه من البطولة، والغريب أنه بدلا من سيطرة الحزن على الناس، لوحظ شماتة وعدم رضا بالنتيجة، لأنه منذ بداية المباريات، واداء المنتخب رغم فوزه في المباريات الأولى، لم يكن في المستوي الذي يبشر بأنه سيتمكن من مواصلة المشوار حتى النهاية، والفوز بالبطولة. وجاءت صدمة الهزيمة، رغم امتلاء مدرجات إستاد القاهرة بحوالي خمسة وسبعين ألف متفرج، وحضور عدد كبير من أسر شهداء الجيش والشرطة، ورفع صورة ضابط الصاعقة الشهيد أحمد منسي لإثارة حماسة اللاعبين.
الجماهير تكتفي بالشكوى من قرار زيادة أسعار الوقود وسخرية من عدم قدرة الحكومة على مواجهة جشع التجار
واهتمت الصحف بالمكالمة الهاتفية التي أجراها الرئيس السيسي مع أمير دولة الكويت لبحث العلاقات بين البلدين، وتطورات الأوضاع في المنطقة، ولم يكشف المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية ما دار بالضبط، هل مثلا أخر نتائج الوساطة الكويتية بين قطر وكل من مصر والسعودية والبحرين والإمارات؟ أم عن الأزمة بين أمريكا وإيران وانعكاساتها على المنطقة.
واهتمت الصحف أيضا بسفر الرئيس إلى النيجر لترؤس أعمال القمة الاستثنائية الافريقية، لإطلاق منطقة التجارة الحرة على مستوي القارة، بصفته الرئيس الحالي للاتحاد الافريقي. وأبرزت الصحف زيادة حجم الصادرات المصرية إلى افريقيا. أما الخبر الأبرز فهو قرار الحكومة رفع الدعم نهائيا عن الوقود، وفق خطتها المعلن عنها منذ خمس سنوات برفعه نهائيا هذا العام، وتخليص الميزانية من الأعباء التي كانت سببا في عجزها واستمرار استدانتها داخليا وخارجيا. وكما توقع النظام خاصة وزارة الداخلية، ووزيرها اللواء محمود توفيق، لم يحدث أي رد فعل جماهيري غاضب أو نزول للشوارع للتظاهر، واقتصر رد الفعل على الشكوى أو سب الحكومة. أما المقالات فكانت عن ثورة الثلاثين من يونيو/حزيران والهجوم على الإخوان وكذلك مهاجمة تركيا، والهجوم على صفقة القرن وعلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنر ممن ينتمون إلى مختلف التيارات السياسية. وكذلك استمرار الصحف في الحديث عن «تنظيم الأمل» الذي تم القبض على أعضائه، وتدخل مخابرات إحدى الدول الأوروبية للإفراج عنهم، بدون أن تكشف الصحف اسم هذه الدولة. والاهتمام الآخر هو ترقب إعلان نتيجة الثانوية العامة وامتحانات القدرات، التي ستجرى للناجحين الراغبين في دخول كليات معينة، وتعاقد وزارة الأوقاف مع وزارة التضامن الاجتماعي لتخصيص ثلاثين مليون جنيه في إطار مبادرة الرئيس «حياة كريمة» لكل مواطن لتأثيث مئتي شقة شهريا للأسر الفقيرة، والمعروف أن هذه المبادرة تبلغ تكلفتها الإجمالية مليارا ومئة وأربعين مليون جنيه لثمان وسبعين قرية. وإلى ما عندنا….
صفقة القرن
ونبدأ بأبرز ردود الأفعال على عرض كوشنر صهر الرئيس الأمريكي صفقة القرن على العرب، حيث نصح الدكتور سعد إبراهيم استاذ الاجتماع في الجامعة الامريكية في القاهرة ورئيس مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية في مقال له في «المصري اليوم»، الفلسطينيين والعرب بقبولها مؤقتا، ثم المطالبة بالمزيد، عملا بسياسة خذ وهات.
واستعرض تاريخ الرفض العربي منذ قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين عام 1947 وقيام إسرائيل وحرب 1948 التي خسرتها الدول العربية، وأدت الحروب التالية إلى ضياع كل فلسطين، بل واحتلال اراضي سوريا ومصر في حرب 1967 وقال: «نحن نقول لا ضير ولا ضرار من قبول الفلسطينيين خطة ترامب وكوشنر، الازدهار مقابل السلام وذلك لسببين على الأقل: السبب الأول هو أنه لا توجد بدائل أخرى للتعامل مع ذلك الصراع الذي قارب تاريخه على المئة عام.
السبب الثاني هو أنها لن تكون آخر المطاف، فليقبلها الفلسطينيون وليستمروا في طلب المزيد، وذلك بالضبط ما كانت تفعله الحركة الصهيونية منذ أول مؤتمر لها في مدينة بازل السويسرية عام 1897 إلى قرار التقسيم بعد ذلك بخمسين عاما عام 1947، وليكن دأب الفلسطينيين أن يأخذوا، وألا يتوقفوا عن المطالبة بالمزيد.
وفي كل الأحوال حتى لو ابتلعت إسرائيل كل ما تبقى من الأرض الفلسطينية، فما دام هناك ما يقرب من ستة ملايين فلسطيني في فلسطين وفي الشتات، فإن الغلبة أو الندّية السكانية هي لصالحهم في الأجلين المتوسط والطويل، فمعدل المواليد للمرأة الفلسطينية هو ضِعف مثيله لدى المرأة الإسرائيلية، ولم تعد هناك هجرات يهودية كبيرة تفد إلى إسرائيل من خارجها، بعد هجرة اليهود الروس واليهود الفلاشا من إثيوبيا، وأظن أن ذلك لم يَغِب عن القيادات الصهيونية الإسرائيلية، وفي مقدمتهم بنيامين نتنياهو نفسه، وربما كان ذلك وراء الحاجة إلى تمرير عدة قوانين في البرلمان الإسرائيلي الكنيست تُمعن في تكريس الطبيعة اليهودية لإسرائيل، وهي قوانين عُنصرية في طبيعتها، ومن الممكن تحديها في المحاكم الدولية بل أمام المحكمة العُليا الإسرائيلية نفسها، اللهم قد بلّغت اللهم فاشهد وعلى الله قصد السبيل».
خطة لن تجد مساندة
وفي «الأهرام» قال رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام مكرم محمد أحمد: «إذا كان صحيحا أن العرب هم الذين يمولون هذه الخطة، فلماذا يعهدون بالمهمة إلى غرينبلات وجاريد كوشنر، بدلا من أن تصدر الخطة باسم الجامعة العربية، أو الدولة صاحبة النصيب الأكبر في التمويل كي تحظى الخطة بمساندة المجتمع الدولي بالفعل، لأن خطة غرينبلات وكوشنر تواجه الرفض الكامل من الصين وروسيا، اللتين تعتبرانها منافية للشرعية والقانون الدولي، كما يرفضها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي يعتبرها التفافا ماكرا على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في حق تقرير المصير، وإقامة الدولة المستقلة، التي تعيش إلى جوار إسرائيل.
ومن المؤكد أن صفقة القرن لا تلقي القبول الواضح من أي طرف عربي، ومن الصعب إن لم يكن من المستحيل أن تجد الخطة مساندة عربية واضحة ويكاد يكون مصيرها الوحيد هو الدفن، لكن المشكلة الآن من الذي يمكن أن يقوم بعملية الدفن، خاصة أن غالبية العرب يرون أن الخيار الأسلم والصحيح تركها لمصيرها المحتوم ولتذهب في غياهب النسيان».
الإملاءات الترامبية
وفي «الشروق» قال ناجح إبراهيم ساخرا من الاثنين كوشنر وترامب: «كوشنر وأمثاله يظنون أن ثمن فلسطين عدة مليارات من الدولارات، والغريب أنها من أموال العرب تعطى لأمريكا لتهب بعضها للفلسطينيين كي يتنازلوا عن بلادهم وديارهم، والأموال التي ستعطى للسلطة الفلسطينية لن تنفق إلا برعاية وإشراف إسرائيليين، وما أدراك ما الإشراف الإسرائيلي، لو كانت أمريكا مهتمة برفاهية الفلسطينيين ما عرقلت وضيقت عمل الأونروا في فلسطين، وهل يمكن للاقتصاد الفلسطيني أن ينمو بعيدا عن دولته المستقلة؟ وهل يمكن للسلطة الفلسطينية أن تبيع فلسطين مقابل دولارات قليلة ستستولي إسرائيل وأمريكا على أكثرها، بحجة أو بأخرى. الصفقة أخرجت القدس تماما من المفاوضات، وقد بدأ ذلك بإجراءات أمريكية معروفة وغير مسبوقة، وبذلك ضاعت القدس كلها من أيدي العرب، الصفقة عبارة عن إملاءات ترامبية في صفقة إجبار وإذعان لا خيارات فيها، وهي سرقة كاملة لفلسطين بدون مقابل، وإذا كان الخليج هو الذي سيساعد الفلسطينيين فلم لا يساعدهم كما ساعدهم من قبل بدون أن يبيعوا فلسطين لإسرائيل. الصفقة ليست تسوية ولكنها تصفية للقضية وتسويق ما لا يسوق وتمرير ما لا يمرر، وبيع ما لا يباع، فما طبخه ترامب ونتنياهو للعرب هو السم بعينه».
الرقم الصعب
وإلى «الوفد» ومقال أمينة النقاش رئيسة تحرير جريدة «الأهالي» وقولها: «المفاجأة الحقيقية كانت لكوشنر وترامب عندما تبين لهما أن مقاطعة السلطة الوطنية الفلسطينية قد نجحت في إفشال ورشة المنامة، وحتى المشاركة العربية فيها كانت رمزية، تستطلع مجريات الأمور، بينما كانت قيادات الدول العربية المشاركة تؤكد أثناء عقد الورشة تمسكها بمبادرة السلام العربية، كمرجعية لحل النزاع مع إسرائيل، القائمة على مبادلة الأرض بالسلام، وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود يونيو/حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وكان لبنان يعلن بوضوح رفضه القاطع لتوطين نحو 400 ألف لاجئ فلسطيني في أراضيه. المفاجأة أن السلطة الوطنية بقيادة أبومازن باتت رقما صعبا لم يعد بالإمكان تجاوزه للتوصل لأي نوع من التسويات، حتى لو كانت اقتصادية مغرية، فما بالك وهي تافهة لا تحتاجها السلطة الوطنية، لو أن إسرائيل أفرجت عن أموال الفلسطينيين التي تسطو عليها، وترفض ردها إليهم. ما لا يدركه كوشنر ونسيبه ترامب أن محمود عباس لم يعد يستطيع أن يقدم تنازلات في الحقوق الفلسطينية حتى لو أراد ذلك، لأن الدماء التي سالت والتضحيات التي تم تقديمها لكي يحصل الفلسطينيون على دولة في مساحة لا تتجاوز 22٪ من فلسطين التاريخية هي الحد الأدنى المقبول من قبلهم».
حكومة ووزراء
وإلى الحكومة وقراراتها في رفع أسعار الوقود وبالتالي إلغاء دعمه نهائيا وبيعه بالسعر العالمي ومقال محمد أمين في «المصري اليوم» الذي طالب الدولة بمراقبة التجار لضمان عدم استغلالهم للمواطن، وتشكيكه في قدرتها على ذلك قائلا: «الحكومة أصدرت توجيها بألا تكون الزيادة مرهقة للمواطنين في أي حال، وأظن أن هذه التوجيهات لا تكفي أبدا، فالتجار لن يرتدعوا لأن الحكومة تطالبهم بمنع المغالاة، فمنذ متى كان التجار يمتثلون لطلبات الحكومة؛ ويقولون طلباتك أوامر؟ مهم أن تتحرك كافة الأجهزة لضبط السوق، ومهم أن يكون هناك دور لجهاز حماية المستهلك، فلا يصح أن يسدد المواطن الفاتورة مرتين أو ثلاث مرات، وتعالوا نتكلم في موضوع التسعيرة، ألم تكن هناك تعليمات وزارية وقوانين وقرارات بالإعلان عن التسعيرة؟ حدث هذا بالطبع فإلى أي حد تم الالتزام بالتسعيرة والإعلان عنها؟ لم يستمر الأمر أكثر من شهر، لم يشعر الناس بأن هناك قانونا، لم يشعر الناس بأن عندنا حكومة هذه هي الحقيقة بالضبط، وللأسف عندنا قوانين وقرارات منظمة، نريد حملات تجوب المدن والأحياء والشوارع، نريد حملات على المخابز والمتاجر والسرفيس، لا تتركوا الناس في مواجهة جشع التجار وسائقي الميكروباص وبائعي الخضار، إعملوا خطوطا ساخنة للتواصل مع الناس، ردوا عليهم ولا تهملوهم أو «تطنشوهم» لا بد أن يشعر الناس بوجود حكومة في حياتهم تحميهم ولا تبيعهم للتجار، صحيح ارتفعت أسعار الوقود؛ لكن ينبغي أن لا تحرق هذه الأسعار جيوب وقلوب الناس، لا بد أن يشعروا بوجود الدولة في حياتهم».
جرأة القرار
يستطيع عادل السنهوري في «اليوم السابع» أن يقول إن كل من سبقوا الرئيس السيسي منذ منتصف السبعينيات لم تكن لديهم جرأة القرار والقدرة على المكاشفة والمصارحة بشأن الوضع الاقتصادي الداخلي، وكانت النتيجة ضياع فرص ذهبية على مصر وتنميتها وتطورها، خاصة تحسين مستوى معيشة الطبقات الأكثر فقرا والطبقة المتوسطة. فانتشرت العشوائيات في القاهرة والمحافظات، حتى بلغت ما بين 1109- 1171 منطقة وفقا لتقارير مركز معلومات مجلس الوزراء ومعهد التخطيط القومي عام 2007 وسكنها حوالى 15 مليون نسمة، بما شكل وقتها 25٪ من سكان مصر، وتحولت هذه العشوائيات إلى بؤر للإجرام والعنف والتطرف، ومأوى لجماعات الظلام ومرتع لها، وتراجع مستوى الخدمات الصحية والتعليمية والخدمات العامة وسيطرت العشوائية على كل مكان في مصر، بسبب تراجع أو تخلي الدولة عن دورها في تدشين المشروعات القومية الكبرى في كل أنحاء مصر، وتوفير الآلاف بل الملايين من فرص العمل، وانهارت البنية الأساسية في الدولة ولم يكن هناك حلول سوى «المسكنات» وإبقاء الوضع على ما هو عليه. ثم جاءت أحداث يناير/كانون الثاني 2011 وما بعدها، ليزيد الطين بلة وتتفاقم وتتراكم المشاكل المعيشية، وكادت أن تصل إلى حد إعلان إفلاس مصر. الكل يتفق رغم الألم والمعاناة من صعوبة القرارات وتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي، أنه لم يكن هناك حل للمريض وللجثة التي تلفظ أنفاسها- وأعني الوضع الاقتصادي لمصر- سوى جراحة عاجلة تؤلم المريض ألما شديدا، لكنها الحل الوحيد والفاعل لإنقاذ حياته وتعافيه، واستعادة حيويته وعافيته، حتى يكون قادرا على العمل والإنتاج والتنمية وفق رؤية واضحة وإرادة سياسية متوافرة. لا أبرر قرار الحكومة بالزيادة الأخيرة في أسعار المواد البترولية.. فهي لا تحتاج إلى تبرير، لأنها واقع لم يكن هناك بد سوى اللجوء إليه حتى تستقيم أمور اقتصادية معوجة في مصر، وحتى يذهب بالفعل الدعم إلى مستحقيه.. فقد زاد الحد الأدنى للمرتبات إلى 2000 جنيه وزادت المعاشات علاوة على زيادة الميزانيات المخصصة لبرامج الحماية الاجتماعية، وبرنامج التأمين الصحي وتطوير التعليم.. وتحسين الخدمات مثل مشروعات الصرف الصحي ومياه الشرب والكهرباء. في السابق تخوفت الحكومات السابقة من ترشيد الدعم منذ يناير/كانون الثاني 77 التي تحولت إلى «عقدة سياسية» للحكومات اللاحقة وحتى 2012 فسارت بمبدأ المسكنات ومنطق من لا يملك يعطي لمن لا يستحق ولمن يستحق أيضا..فكانت النتيجة أن شريحة اجتماعية معينة لديها الثروة تستفيد من الدعم المخصص للفقراء وذوي الدعم المحدود، واستفاد من يملك سيارة وسيارتين وثلاث سيارات أحيانا، والشركات والهيئات الغنية والسفارات بالأسعار الرخيصة نفسها للمواد البترولية، في ظل توفير الدولة أكثر من 160 مليار جنيه لدعم المحروقات.. هل كان ذلك عدلا أم سفها وإهدارا لأموال الدولة لصالح شريحة معينة تمتلك حوالى 7 ملايين مركبة خاصة، أي نسبة حوالي أقل من 7٪ فقط من إجمالي عدد السكان في مصر ـ 105 ملايين نسمة. القرارات الأخيرة مع باقي خطوات برنامج الإصلاح الاقتصادي جاءت لعلاج التشوهات الاقتصادية والمالية والنقدية وتوفير حوالي 40 مليار جنيه لصالح محدودي الدخل والأكثر احتياجا، في صورة زيادة مرتبات وتحسين مستوى الخدمات ورفع مستوى المعيشة وبرامج الحماية الاجتماعية.. ترشيد الدعم الهدف منه هو توفير فائض مالي، تستطيع الدولة من خلاله تنفيذ مشروعات اجتماعية تصب في صالح المواطن البسيط والأجيال المقبلة، وتصب بشكل كلي في تحسين مستوى النمو الاقتصادي. الحكومة عليها الآن الدور المهم في زيادة الإنتاج وترشيد وخفض الاستيراد وزيادة الإنتاج وتوفير السلع الغذائية والرقابة على الأسواق والضرب بيد من حديد على جشع التجار وغيرهم.. فرد الجميل للشعب يجب أن يكون سريعا ومباشرا».
حكاية الخميرة
أما عباس الطرابيلي في «الوفد» فيقول: «لأنني لست ممن يحصل على أي دعم، وليس عندي أي بطاقة تموين، لا أعرف هل ما زال رغيف العيش المدعم بثمنه الخمسة قروش، يخرج من المخابز؟ أم أصبح في ذاكرة التاريخ.. ولا أعرف وزنه ولا حجمه، وبالتالي طعمه إذ تناست المخابز حكاية الخميرة.. وهي أساس جودة الرغيف. وبسبب سوء حالة الرغيف المدعم، انتشرت المخابز «الأهلية» التي تقدم الرغيف البلدي غير المدعم، بعضه يباع بسعر 25 قرشا.. ويكاد إنتاجه قد توقف، ثم رغيفا بنصف جنيه، ثم أصبح الرغيف بجنيه كامل.. الآن ارتفع سعر الرغيف نفسه إلى 125 قرشا.. حقيقة هو رغيف يؤكل ولا نرمي منه شيئا.. ولما كنت أعشق الرغيف البلدي، فأنا ممن يدفعون في هذا البلدي أي سعر.. بشرط الجودة. وفي الإسكندرية كنت مجبرا على شراء 12 رغيفا بلديا.. لا أعرف له شكلا أو طعما.. وهل دخل النار.. وخضع لعملية الغربلة لإزالة الشوائب والردة المليئة بالرمال والحصى.. والثمن عشرة جنيهات، أما عن الرغيف الشامي، أو اللبناني، فهو متعدد الأوزان والأشكال ووزن الرغيف لا يتعدى 20 غراما.. ولا تسأل عن الوزن أو الثمن. وما يزعجني أن الرغيف البلدي ـ غير المدعم ـ أصبح بلا أي مواصفات ولا أي اشتراطات لإعداده.. مهما كان المخبز يملك حرية تحديد وزنه وبالتالي سعره.. إن التزم المخبز بمدة الإنضاج لأن تقليلها يعني تقليل الوقود المستخدم.. وبالتالي يصل التوفير والربح إلى كمية الوقود اللازم لتقديم الرغيف للناس. وأسأل هنا وزير التموين الدكتور علي المصيلحي ما دامت الحكومة لا تتدخل الآن في تسعير الرغيف البلدي غير المدعم.. فلا أقل من أن تتدخل في تحديد مستوى جودته.. وذلك من خلال عودة جولات مفتشي التموين على المخابز.. وإن كان هذا صعبا الآن.. فأين مباحث التموين؟ أم هذه أو تلك يعتبر تدخلا من الدولة في حرية التجارة؟ ورحم الله زمنا كان مفتش التموين يخشاه أصحاب المخابز وعمالها.. ولم نعد نسمع الآن عن حملات رجل التموين على المخابز لنرى مدى نظافتها، وأيضا مدى جودة ما تنتج من خبز، ما دامــــت المخابز الآن وحــــدها وبدون تدخل من الدولة لا تتحرك ولا تتدخل في تحديد ثمن ووزن الرغيف غــــير المدعم. وحرية التجارة ليس لها أي دخل بمســــتوى جودة ما يشتريه الناس. وإذا كان صعبا التدخـــــل لتحديد السعر.. فلا أقل من تحديد مستوى الجودة، فالمصري يعشق الرغـــــيف البلدي، ولا يقبل إلا مضطرا على تداول العيش اللبناني. كل الرجاء.. وكل الحلم أن يتذكر الدكتور المصيلحي هذه المخابز وأن يحظى برعايته.. فلا يعشـــــق البلدي.. إلا المصري ابن البلد».
ألاعيب السائقين
صح ما توقعت، ووقف المصريون خلف إجراءات الإصلاح الاقتصادي، وتقبلوا عملية التحريك البسيطة في أسعار المواد البترولية، التي بالتأكيد ستكون لها آثار على كل السلع، وكان محمود غلاب في «الوفد»، شاهدا على حركة السرفيس في الشارع بعد إعلان التعريفة الجديدة، إذ قالت مواطنة للسائق حبة عليكم وحبة علينا، قال لها تحت أمرك يا أمي. وقال راكب آخر إنت مش هتدفعلنا من جيبك، النصف جنيه الزيادة في الأجرة مش مشكلة، أنا بدعم به اقتصاد وطني. رد راكب آخر الزيادة دي بيلهفها صاحب السيارة. قال السائق سعر البنزين ارتفع. رد آخر: هل الزيادة في البنزين تحتاج إلى رفع الأجرة نصف جنيه. قالت راكبة ارتحنا من أزمة الفكة، الأجرة كانت بـ 2.5 جنيه أصبحث ثلاثة جنيهات، وعندما يصل المترو لن نواجه غلاسة تقطيع المواصلات. الحوار في «الباص» كشف عن مشكلة حقيقية يواجهها الركاب، وحلها في يد المحافظ وإدارة المرور في كل محافظة، وهي قيام السائقين بتقطيع الطريق، وأصبح الراكب يصل إلى منزله بعد ركوب ثلاث وسائل مواصلات على الأقل، وبذلك يوفر السائقون البنزين والوقت ويسلمون الركاب لآخرين بأجرة جديدة، ويكتشف الراكب أنه دفع ضعف الأجرة التي كان سيدفعها في حالة ركوبه وسيلة مواصلات واحدة. مثلا سائق ينقل الركاب من موقف الجلاء أمام قسم الدقي، المفترض أنه يقوم بالتحميل إلى إمبابة أو الوراق، ولكنه يُبلغ الركاب بأن آخره الكيت كات، ويضطر الركاب إلى استقلال ميكروباص آخر للانتقال إلى إمبابة والوراق والوحدة، هذا يتكرر في معظم المناطق والمسافات، ويحتاج إلى حل بدلا من ألاعيب السائقين التي تستنزف الركاب. الحوار لم ينته بين الركاب، المخاوف من زيادة أسعار الخضار والفاكهة واللحوم والفراخ والمواد التموينية وسائر السلع، التي تكون بدايتها تحريك سعر الوقود، وعندهم حق في ذلك. رد راكب: الحكومة عاملة حسابها وكلفها الرئيس السيسي بضبط الأسواق، وتشديد الرقابة على منافذ البيع، ومكافحة الممارسات الاحتكارية، والسيطرة على الأسعار. الكلام الأهم قاله الركاب في نهاية الخط، قالوا: الرئيس السيسي كان صريحا مع المواطنين عندما قال هتتعبوا شوية، وشكر المصريين على تحملهم الأعباء عندما قال أنتم الذين تحملتم عبء الإصلاح الاقتصادي، وبشرنا بجني الثمار، اتفقوا قائلين: نحن في عصر المصارحة التي هي أقرب الطرق للإقناع، وقالوا: اقتصاد مصر في نمو مستمر، والدولة سيطرت على عجز الموازنة، وخفضت فاتورة الديون وأقامت آلاف المشروعات في وقت قياسي، وكانت تحتاج إلى عشرات السنين وراعت محدودي الدخل، وجعلتهم لا يشعرون بزيادة الأسعار عندما قررت تعويضهم في صورة مشروعات تكافلية ساهمت فيها القوات المسلحة والشرطة، لتوفير السلع للفقراء بأسعار مناسبة».
حرب الغلاء
أما دينا عبد الكريم في «المصري اليوم» فتقول: «لا أريد أن يبدو رأيي مستفزا للبعض.. إلا أنني لست من أنصار الغضب من موجات تحرير سعر المحروقات، ولست ممن يعتقدون أنها اضطهاد من الدولة لمواطنيها، لأن الدولة تدرك تماما أنها في أمس الحاجة الآن لإرضاء الناس الذين صبروا ودعموا واحتملوا كثيرا. لكن رغم أن الدولة يتحتم عليها إرضاء الناس لكن ليس عليها (نفاقهم) بإبقاء السعر، ولا هي مطالبة بالتبرير لإجراء معروف مسبقا بطريقة مبالغ فيها. الحكومات تختار أسلوبها في التعامل مع الناس لكنها لا تقصده غالبا، أي أنها تقرر في أغلب الحالات (الطريقة) لكنها لا توصفها، بل يُترك الوصف والتقييم للأداء الحكومي للناس في أغلب الأحيان. حكومات كثيرة تختار طريقة (الدهاء) وهو ليس مرادفا أبدا للذكاء.. إنما هو تركيبة عجيبة من الغباء واللؤم، من الغباء جدا أن تكون شركتك تحقق أرباحا معقولة في ظل تحديات اقتصادية عنيفة، وتصر على عدم زيادة المرتبات. من الغباء جدا أن تزيد أسعار المواصلات الحكومية جنيها كاملا في كل وسيلة مواصلات في حين أن زيادة سعر البنزين لم تتعد الـ20٪. من الغباء أن تقدم المطاعم المكتظة بالناس خدمة رديئة ومرتفعة الثمن جدا، ويصر الناس على التردد عليها. من الغباء جدا أن يكون سعر الإقامة في فنادق مصر 3 أضعاف مثيلاتها في العالم، ونصر على ذلك رغم عدم وجود أي ميزة تنافسية للسياحة في مصر، سوى الهبات الطبيعية التي منحها لنا الله من جو وشواطئ، وعدم وجود أي قيمة مضافة نقدمها للسائح من خدمات مميزة أو خبرة متكاملة. من الغباء أن نربي أولادنا على فكرة مريضة أن كل ما هو ماركة مشهورة يستحق أن ندفع فيه قيمة مرتب شهر لعامل، أو ما يكفي لمصروفات عام دراسي كامل لطفل في مدرسة. من الغباء أن تتحول أسعار المدارس المهولة إلى أمر طبيعي وأن نقبل بهذا طالما هناك آباء وأمهات يقتطعون ويوفرون من قوتهم حتى يتعلم أبناؤهم، ويحصلوا على حقهم الطبيعي في وطنهم. من الغباء أن نصمت على أحوال اجتماعية كثيرة غير مناسبة، وأن نأخذ من الحضارات أسوأ ما فيها. حرب الغلاء يجب أن تكون حربا مشتركة، حكومات يقظة لا تقبل أن يعاني الناس بلا طائل، سوق عمل عادلة وجادة في الوقت نفسه، بحيث يعمل الناس وهم مقدرون قيمة العائد الذي سيحصلون عليه إذا اجتهدوا والجزاء إذا خابوا. حرب الغلاء يجب أن تجعل ظاهرة (الأموال السهلة) المتمثلة في تجارة الأراضى والعقارات وحركات البيع والشراء السريعة والمريبة تختفي وتجعل دائرة رأس المال طبيعية لا مجال فيها لأموال سهلة غير معلومة المصدر. لست أستاذة اقتصاد هنا.. لكنني أدرك أن حرب الغلاء قاسية تحتاج إلى الكثير من الذكاء».
أخطار حقيقية
«حتى وقت قريب جدا، كنا نظن أن هناك خطرا كبيرا جدا على الصحافة الورقية في العالم أجمع، بسبب الدور المتنامي جدا للصحافة الرقمية الإلكترونية، الآن يتضح لنا أنه حتى هذه الصحافة الرقمية تواجه أخطارا حقيقية، لأن القراء، غير مستعدين لأن يدفعوا أموالا مقابل حصولهم على الأخبار. تفاصيل هذا التطور الخطير كشفها، معهد رويترز لدراسة الصحافة الموجودة في مركز الأبحاث في جامعة أكسفورد، كما يخبرنا عماد الدين حسين في «الشروق». المعهد يتتبع الاتجاهات الإعلامية، وتموله مؤسسة تومسون رويترز. في هذه القصة الخبرية المهمة التي كتبها جاى فولكونبريدج، نكتشف أن التحديات الكبرى التي تواجهها المؤسسات الإخبارية، لا تأتي فقط من شركات التكنولوجيا العملاقة، لكن لأن أغلب الناس لا تريد الدفع مقابل القراءة على المواقع الإلكترونية. ويكشف أيضا بالأرقام والإحصائيات معلومات ذات دلالة، ومنها مثلا أنه لم تحدث سوى زيادة طفيفة في نسبة الراغبين في دفع المال مقابل القراءة، بل إن بعض المشتركين توقفوا عن دفع اشتراكاتهم. ومن يملك المال، فإنه يفضل أن يدفعه مقابل مشاهدة أفلام الفيديو أو سماع الموسيقى. والنتيجة المتوقعة إذا استمر هذا السلوك هي انهيار لبعض المؤسسات الإعلامية. وهناك قلة كانت تشترك في أكثر من خدمة إخبارية، لكنها الآن تريد الاستمرار في اشتراك واحد فقط. تفسير ذلك من وجهة نظر راسموس كلايس نيلسن مدير معهد رويترز، هو أن القراء، لا يجدون هذه الصحافة صادقة أو جديرة بالثقة، أو حتى تنقلهم لمكانة أفضل. سيقول البعض، لكنّ هناك إقبالا كبيرا حتى الآن على شراء بعض الصحف الكبرى، أو الاشتراك فيها، والطريف في هذا الصدد أن 40٪ من الاشتراكات الرقمية الجديدة، في صحيفة مرموقة مثل «نيويورك تايمز»، كانت موجهة في الأساس للكلمات المتقاطعة، ووصفات الطبخ طبقا لإحصائية وردت في موقع فوكس نيوز الإخباري. 7٪ فقط ممن هم تحت سن الخامسة والأربعين قالوا إنهم سيشتركون في خدمات الحصول على الأخبار، في حين اختار 37٪ الفيديوهات و15٪ الموسيقى، علما بأن خدمة الأخبار مثلا هي مزيج مقدم من عدة صحف ومواقع إخبارية كبرى تتولاه «أبل نيوز بلاس». كما أن ثلث المشاركين في استطلاع رأي بريطاني، قالوا إنهم يتحاشون الأخبار لأنها محزنة بسبب تداعيات «البريكست» المشكلة الكبرى أن الأخبار تواجه تهديدا متزايدا من مقدمي الخدمات الترفيهية مثل نتفليكس وسبوتفياي وآبل ميوزيك، وأمازون برايم، خصوصا وسط الأجيال الجديدة من الشباب الأصغر سنا. تقرير رويترز يقول إن هناك بصيصا من الأمل في الإعلانات ذات الربح المنخفض، التي ما تزال تتدفق على الصحف ومؤسسات الأخبار، ولهذا فهناك تقدير أن جانبا كبيرا من الأخبار سيظل مجانا، لكن بشرط أساسي أن يستمر تدفق الإعلانات التجارية. السؤال: من يضمن ذلك؟ والإجابة لا أحد. قد يسأل البعض، وما علاقة كل ذلك بنا نحن في مصر أو المنطقة العربية؟ الإجابة محزنة وقاتمة، فإذا كان هذا هو حال مؤسسات الأخبار الورقية والرقمية في أمريكا وبريطانيا والبلدان الغربية المتقدمة، فماذا سيكون عليه حالنا نحن في المنطقة العربية؟ في الغرب هناك حريات بلا حدود، وموارد اقتصادية كبيرة، ورغبة في القراءة بسبب وجود رأي عام حيوي ومؤثر، وصحافة تستطيع أن تنتقد الرئيس الأمريكي ليل نهار، ولا يمكنه حتى أن يمنعها من دخول البيت الأبيض، كما حدث قبل شهور في واقعة مراسل «سي أن أن». في الصحافة الغربية هناك تنوع كبير في المحتوى، وجاذبية بلا حدود، وتنافس في كل مجالات الحياة، من الأحزاب السياسية إلى الموضة إلى اختيار الديانات الوضعية الجديدة. لكن كيف سيكون الحال لو طبقنا المعيار نفسه على الصحافة في مجتمعاتنا العربية، التي ما تزال تتقاتل على الهوية القبلية والطائفية، وكأننا ما نزال في حروب القبائل الهمجية والوحشية؟ المسألة صارت وجودية، وإذا كان القارئ أو المستهلك لا يريد أن يدفع اشتراكا للأخبار خصوصا القصص الخبرية التي يطالعها في المواقع الإخبارية، فكيف يمكن للمؤسسة الصحافية أن تستمر، خصوصا إذا كانت مواردها الإعلانية محدودة؟ إذا استمر هذا المنهج في الغرب، وانتقلت عدواه للشرق، فالمؤكد أن غالبية المؤسسات الصحافية التقليدية ستضطر لإعلان إفلاسها، ولن يتبقى لنا إلا الصحف التي تمولها الحكومات فقط، وهي لا تستحق لفظ صحف، لأنها مجرد نشرات روتينية مملة لا يقبل عليها القراء ومصيرها الانقراض إن آجلا أو عاجلا».