يتعرّض شمال غزة، حسب جهاز الدفاع المدني الفلسطيني في القطاع، إلى حصار مطبق يعزله عن مدينة غزة بشكل كامل. دمّر جيش الاحتلال البنية التحتية في جباليا مما جعل التنقل عبر أنحائها أمرا شبه مستحيل. حاصر المشافي الثلاثة فيها، “كمال عدوان” و”الإندونيسي” و”العودة”، وطالب طواقمها بإخلائها فورا. منع جيش الاحتلال، منذ بداية هذه العملية، دخول الإمدادات الأساسية لمناطق الشمال.
تتعرّض المنطقة للقصف الجوي والبري والبحري وكذلك لمقذوفات الدبابات التي تتجول في أحيائها. نزح آلاف السكان لكن مئات الآلاف ظلوا في بيوتهم أو ما تبقى منها لأنهم لا يؤمنون بوجود أي مكان آمن في القطاع، ويتشككون في مصداقية ما يعلنه الجيش عن وجود “ممرات آمنة” مع سيطرة الدبابات والآليات العسكرية الإسرائيلية على مفترقات الطرق الرئيسية.
في تغريدة على موقع إكس طالب أفيخاي أدرعي، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي لوسائل الإعلام العربية، سكان جباليا بمغادرة منازلهم عبر شارع “الترنس” نحو شارع صلاح الدين فقط، ولكن جيش الاحتلال يطلق النار على كل من يخرج منها. حاول نازحون، حسب مراسل لقناة “بي بي سي” البريطانية، الخروج من مخيم جباليا فقتلتهم طائرات “الكواد كابتر” التي تطلق النار على كل من يتحرك في مناطق تلك المحافظة. لم يبق للسكان سوى نشر استغاثاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي وعبر وسائل الإعلام المحلية في غزة. في منشور عبر منصة “إكس” قال فيليب لازاريني، المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) إن “ما لا يقل عن 400 ألف شخص محاصرون” في شمال قطاع غزة، وأضاف في تدوينته أن عددا كبيرا من الفلسطينيين يرفضون الإخلاء “لأنهم يعرفون جيدا أن لا مكان آمن في قطاع غزة”. تشير كل هذه الوقائع إلى أن إسرائيل بدأت تطبّق ما تسميه “خطة الجنرالات”، والتي قدمها ضباط سابقون في الجيش الإسرائيلي. الخطة، حسب ما نشرت وسائل إعلام إسرائيلية، هي تحويل شمالي قطاع غزة إلى “منطقة عسكرية مغلقة”، وإجلاء السكان منها، وقطع المساعدات الأساسية عنها، لكن التطبيق العملي لها أدى، حتى الآن، هو الحصار الكامل، والتدمير شبه الكامل للبنية التحتية، وللمنظومة الصحية، ومنع الإمدادات الإنسانية، وترافق دعوات الإجلاء مع التقتيل العشوائي للنازحين، بحيث تجتمع ظروف الإبادة والتطهير العرقي مع المجاعة مما دفع سكان شمال غزة إلى وصف ما يحصل في منطقتهم منذ عشرة أيام بـ”أهوال يوم القيامة”.
يحدث هذا كلّه مع انشغال العالم بآلة القتل الإسرائيلية في الانتشار على جبهة لبنان، والتهديد بضربة كبرى لإيران، ومع مرور أكثر من سنة على ما يحدث في غزة، أصيب العالم بتبلّد وتطبيع مع القتل اليومي للفلسطينيين، وأضحى انفلات إسرائيل الجنوني خارج التحكم، وهو ما يجعل حدثا غير معقول، مثل أن تتحوّل “خطة الجنرالات” إلى تطهير عرقيّ للفلسطينيين، حدثا ممكنا.