أحدثت حرب لبنان الثانية سابقة عالمية. فقد كانت لأول مرة في التاريخ حربا مبادرا اليها غير مخطط لها. فقد كانت كل الحروب المبادر اليها الى ذلك الوقت الدفاعية أو المنعية أو الاحتلالية منذ أن كان هانيبعل الى جورج بوش، مخططا لها. وهذا ما كان عندنا ايضا في عملية ‘كديش’ (1956)، والايام الستة و’أورانيم’ التي تحولت الى حرب لبنان الاولى. ولا يضمن التخطيط نجاحا لكن الاخفاق من غيره مضمون. وها هي ذي اسرائيل تواجه خطرا قريبا مباشرا هو خطر انزلاق آخر الى حرب مبادر اليها غير مخطط لها. وليس الشأن شأن القيصر نتنياهو الذي في الصين فقط. ونقول ليعلم من قد يموتون لكنهم يكتمون ذلك إن الابهام المرفوع والمخفوض لا يكون على صفحة الفيس بوك فقط. وُجد من حاولوا بعد ذلك ان يروا حرب لبنان الثانية نوع نجاح لأنها ردعت حزب الله في ظاهر الامر. وهذه حماقة في أحسن الحالات؛ وهي خديعة في اسوئها لأن حزب الله لا يردعه سوى ايران. وكل توقف الآن هو حفاظ على مصالح ايران الساعية الى القدرة الذرية. وهم يرون أن إهدار الوسائل القتالية المجموعة من اجل رياء التصريحات والخطوط الحمراء هو حماقة. من أراد أن يرى تغييرا، بسبب تفكير استراتيجي منظم، فلينظر الى الجنوب لا الى الشمال. كان ألون بن دافيد في موقع ‘إل مونيتر’ هو أول من أشار الى تغيير استراتيجي جوهري. إن حماس خلافا لحزب الله لا تُجهد نفسها في تجديد احتياطيها من القذائف الصاروخية منذ كانت ‘عمود السحاب’. فقد تم حذف لبنة مهمة من الردع الايراني لمصلحة الحلف الاسلامي البراغماتي الذي أخذ يتشكل. إن اهود باراك شخص كثير النقائص. لكن أمرا واحدا على الأقل كان يهديه مثل صولجان سحري من ولادته الى أن أصبح جنرالا. والحديث عن مُنتج دائم لاستراتيجيات. وليست هي ناجحة دائما وكان استعماله لها في الأكثر حذرا لكنها كانت استراتيجيات. إن السنوات السبع الهادئة الأخيرة تتصل بذلك وبولايته. وقد أبدع باراك وخطط منذ زمن تسوية مع حماس تقودها الى حلف سني براغماتي واسع يواجه الشيعي الخلاصي الراديكالي. وقد ظهر التصريح التاريخي للجامعة العربية السنية بتأييد تبادل الاراضي باعتباره استمرارا لنجاح تخطيط باراك بازاء حماس والاستراتيجية الاقليمية التي لم يُكملها بسبب تخليه على شاكلة موشيه ديان لرفض نتنياهو. لو أنهم عرضوا على اسرائيل في بداية أيار 1967 سلاما كاملا مع الدول العربية كلها في الحدود التي كانت آنذاك حينما كان حائط المبكى في بلد آخر لرقص أكثر من 90 في المائة في الشوارع. ويوجد الآن سلام مع احتلال اسرائيل للقدس ومعاليه أدوميم التي ستبقى في يدها ولا نرى إلا صمتا وبرودا من الحكومة. فورقة شجر في غابة تُصدر حفيفا أعلى صوتا. وحينما يكون هذا الأمر ضروريا من جهة استراتيجية في مواجهة ايران وسوريا وحزب الله خاصة نرى صمت ‘لا’ مؤلما. إن سعي الحكومة الى تفوق ‘الصبغة اليهودية’ على الديمقراطية يعيدنا الى أيام الكتاب المقدس حينما كانت الذروة عدم وجود قائد ‘وسكون الارض اربعين سنة’. في نهاية الصيف الايراني ستكون قد مرت اربعون سنة بالضبط منذ كانت حربنا الاخيرة في مواجهة قوة ذات شأن. وليس من الصدفة أن تكون قد مرت آنذاك عشرون سنة منذ كان التوقيع على ‘اتفاق اوسلو’ الذي كان استنتاج جيل يوم الغفران حيث كان باراك الأخير في القيادة. بيد أنه جاءت آنذاك مظاهرات ‘بالدم والنار سنطرد رابين’ والطلقات الثلاث في الميدان وأصبح قائد المظاهرات هو قيصر الابهام. يجب ان يُقال شيئان بوضوح. الاول حق الحكومة في الخروج لحرب على ايران. وحقها ايضا في أن تعتقد انه ينبغي ان تحارب جبهتها المتقدمة أولا. لكن لا حق لها في ان تنزلق الى هناك دون خطة استراتيجية شاملة. إن موشيه يعلون المضاد لباراك قد يصبح مستقيما بصورة معوجة بين ‘كي الوعي’ والخطوط الحمراء الصارمة. وثانيا، يرى يئير لبيد نفسه رئيسا للوزراء. فعليه ان يعلم أنه لم يُبرأ أحد ممن كانوا في الحكومة من اخفاق رفض السلام مع السادات الذي أفضى الى يوم الغفران. فالصمت لا يعفي من المسؤولية عن الموت. ولا يُبنى الجالسون في الحكومة أبدا من اخفاق دامٍ يكون المسؤول عنه في ظاهر الامر وفي الأساس القيصر من قيسارية. ولا يرث المتهربون من إسماع صوتهم تاجه حينما يوضع ثمن الاخفاق على بابنا.