نواكشوط ـ ‘القدس العربي’: ازدادت أمس سخونة خط المواجهة بين إسلاميي موريتانيا المنضوين في حزب التجمع الوطني ذي المرجعية الإسلامية، ونظام الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، وذلك بعد مساءلة أحرج بها نوابهم وزير الداخلية حول حادثة تدنيس المصحف، وقيام رئيس مجلس الشيوخ وهو من الأغلبية الحاكمة بطرد شيخة تمثل الإسلاميين في مجلس الشيوخ.
وانضاف هذان الحدثان اللذان يدفعان بالأمور لحافة الصدام، للتوتر الشديد في العلاقة بين الجانبين الناجم عن قرار حل جمعية المستقبل الذراع الدعوية والخيرية للإسلاميين، وعن اتهام الإسلاميين باستغلال التظاهرات التي احتجت على عملية تدنيس المصحف الشريف، لتوريط النظام والكشف عن ضعف أداءاته الأمنية والسياسية.
وقد أشعلت مساءلة النائب الإسلامي حمدي ولد إبراهيم لوزير الداخلية محمد ولد محمد سالم نقاشا حادا في البرلمان، حيث انتقد النائب المعارض ‘الحوادث المسيئة للمقدسات والمستغربة في البيئة الاسلامية، كما انتقد ما أسماه ‘القمع الوحشي الذي قامت به قوات الأمن في حق مواطنين شرفاء عبروا بطريقة سلمية عن مشاعر الغيرة على حرمات الله’.
ودافع الوزير عن أداء الأجهزة الأمنية وأكد أن ‘التحقيقات أثبتت أن حادثة تمزيق المصاحف مجرد إهمال لا غير’.
وأكد وزير الداخلية الموريتاني ‘أن ما حدث نتيجة لتمزيق المصحف من مظاهرات وهجوم على القصر الرئاسي ليس تلقائيا فقد كانت هناك اللافتات وكانت هناك سيارات تحمل مكبرات الصوت وكانت هناك سيارات تقوم بعمليات الربط بين المتظاهرين’.
وأوضح ‘أن مؤطرين سياسيين التحقوا بالمتظاهرين مما جعل الحشود تكبر حتى تجاوزت الحشود الكبيرة التي شهدتها نواكشوط من قبل’.
وأضاف ‘ لقد فاجأتنا طريقة توجيه اللعنات للحكومة وسبها ونعتها بأنها غير قادرة على حماية المقدسات’.
وجاء قرار الطرد المؤقت الذي اتخذه رئيس مجلس الشيوخ الموريتاني، بحق الشيخة زينب بنت الدده وأسسه على عدم انضباطها في الجلسات، ليزيد المواجهة حدة.
فقد دان حزب التجمع الوطني للإصلاح (الإسلاميون)، قرار الطرد واعتبر في بيان شديد اللهجة أصدره بالمناسبة ‘أن ما قام رئيس مجلس الشيوخ خطوة غير قانونية اتخذت بطريقة تفتقد اللباقة وتفتقر إلى المصداقية’.
وأكد حزب التجمع ‘أن الشيخة زينب بنت الدده قد عبرت كعادتها بكل صدق وشجاعة عن ما يختلج في صدور آلاف المواطنين من الشعب الموريتاني ولم تتجاوز الحقوق التى كفلها لها القانون’.
واعتبر الحزب ‘أن هذه الخطوة تمثل استمرارا لمسلسل خرق القوانين وتضييق الحريات والذي من الواضح أنه وصل إلى مضايقة المنتخبين ممن اختارهم الشعب لتمثيله وحصنهم الدستور والقانون’.
ورد المستشار الإعلامي لرئيس مجلس الشيوخ على ما نشره الإسلاميون في موقع السراج المحسوب عليهم، بخصوص عملية الطرد؛ معتبرا ‘أنه مغالطة وتحريف للأمور عن مواضعها، فالأمر يتعلق بإجراء منصوص عليه في المادتين 92 و93 من نظام مجلس الشيوخ’.
هذا ونشرت صحيفة السراج المحسوبة على الإسلاميين أمس تحليلا مطولا تناول مستقبل العلاقة بين الإسلاميين ونظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز بعد المواجهة العنيفة التي شهدتها علاقات الطرفين في الأيام الأخيرة.
وأكدت السراج ‘أن مستقبل العلاقة حتى لا نقول المواجهة بين الإسلاميين والسلطة، تتحدد بناء على عدة مؤشرات أبرزها حقيقة وحجم الدور الخارجي فيما حصل من استهداف، فإذا صحت المعلومات والمؤشرات الدالة على أن هذا الدور كبير ومحوري سنشهد على الراجح خلال الأيام والأسابيع القادمة تطورات مستمرة في اتجاه المواجهة’.
‘فدافع المال السعودي، تضيف السراج، لن يقبل بأقل من ‘ تنظيف’ الساحة من من يعتبرهم ‘ العدو رقم واحد’ أما إن كان البعد الداخلي هو الأساس فيمكن توقع أن تنتهي الأمور عند المرحلة الحالية على أن تبرز تداعيات ونتائج أكثر وضوحا لمسقبل العلاقة على أرضية السباق الرئاسي الوشيك’.
وأكدت السراج ‘أن إدراك ولد عبدالعزيز لقوة الإسلاميين وتجذرهم في المجتمع وصلابتهم في النضال، وطول نفسهم فيه، وهو المطلع عن قرب على وقائع وحيثيات مواجهتهم مع ولد الطائع ، تجعله يعيد التفكير كثيرا قبل الانزلاق في مسار مواجهة مفتوحه معهم’.
وخلصت الصحيفة إلى التأكيد بأنه ‘بين الدوافع الخارجية والدوافع الداخلية، وبين منطق العقل والخبرة، ومنطق التحريض والتهور، يتبلور الآن مستقبل العلاقة بين طرفين من أهم أطراف المشهد السياسي، ولا شك أن ‘ الناتج النهائي’ من عملية التدافع هذه سيترك بصماته القوية والمباشرة ليس على الإسلاميين أو نظام الرئيس محمد ولد عبدالعزيز فحسب بل على البلد كله وبالذات في أساسياته المفجوعة دائما؛ في وحدته وديمقراطيته وهويته وتنميته’.
وللتذكير فإن علاقة إسلاميي موريتانيا بنظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز مرت بحالات مد وجزر، فقد تصدر الإسلاميون الذين حصلوا باللتيا والتي على ترخيص الاعتراف بحزبهم السياسي عام 2007، الجبهة التي عارضت انقلاب 2008 الذي قاده ولد عبد العزيز ضد النظام المدني المنتخب للرئيس ولد الشيخ عبد الله.
وبعد اتفاق داكار الموقع بين النظام العسكري والمعارضة منتصف حزيران / يونيو 2009، اعترف الإسلاميون بالانتخابات التي جرت في تموز / يوليو 2009 والتي فاز فيها الرئيس محمد ولد عبد العزيز، ودخلوا في مرحلة يسمونها مرحلة ‘المعارضة الناصحة’ وكانت مرحلة من الهدوء وتبادل رسائل ‘ المجاملة السياسية’.
ويؤكد الإسلاميون أنهم تركوا خلال المرحلة ‘الباب مفتوحا أمام كل الخيارات بما فيها خيار التحالف السياسي أو حتى الشراكة ربما مع ولد عبد العزيز المنتخب بعد أشهر من المناكفة’، حيث دخلوا في تحالف انتخابي جزئي في تجديد ثلث مجلس الشيوخ.
ولما لم يجد الإسلاميون يدا من النظام ممدودة إليهم، اعتمدوا على وثيقة تحليلية لتقييم أداء النظام وعادوا للمعارضة ‘الناطحة’ ملتحفين بثورات الربيع العربي التي رفعت حظوظ زملائهم من أعضاء تنظيم الإخوان في تونس ومصر وليبيا.
وبعد أداء أدوار معارضة قوية في منسقية المعارضة الراديكالية وداخل البرلمان، فاجأ الإسلاميون زملاءهم في الصف المعارض وفاجأوا الرأي العام بقرار المشاركة في الانتخابات النيابية والبلدية التي جرت في تشرين الثاني / نوفمبر 2013 والتي قاطعتها المعارضة الجادة.
لكن هذه المشاركة لم تؤمنهم صولة الحكام كما يقولون، فقد جاءت التظاهرات الأخيرة لتؤكد أنهم ما يزالون مستهدفين حيث حلت السلطات جمعية المستقبل وصدرت تصريحات تخويفية ضد الجماعة.
ويعتقد الإسلاميون أن هذا الاستهداف ‘ حصيلة تداخل لثلاثة هي انزعاج من أداء الإسلاميين في الانتخابات الماضية وخوف وقلق من تأثيرهم في الانتخابات الرئاسية القادمة، ورغبة في الاستفادة من الكعكة السعودية الخاصة بمواجهة ما يعتبره السعوديون جماعات إخوانية في العالم، وحملة تحريض واسعة ضد الإسلاميين شارك فيها خليط من أعداء الإسلاميين وأعداء ولد عبدالعزيز وأعداء الديمقراطية نفسها’.
Saudi Arabia is behind all the problem in the arab world