مشكلة التجارب السينمائية المصرية المنقولة عن أفلام أجنبية، أنها تعتمد على النقل الحرفي للمشاهد، من غير أدنى اجتهاد في تغيير السياق الدرامي وتعديله، ليُصبح ملائما للحالة المصرية، وعلى المستوى اللائق من حيث البناء والتأثير، وهذه نقطة الضعف الأساسية التي تواجه معظم الأعمال الفنية الأجنبية المُمصرة، التي يتم التعامل معها باستسهال فتفقد كل مزاياها وخصائصها.
التجربة الأخيرة المتمثلة في فيلم «خط دم» للسيناريست والمخرج رامي ياسين، ليست أكثر من محاولة فاشلة لنقل النمط السينمائي المثير إلى شاشة السينما المصرية، من غير فلترة، أو تنقيح ليكون للمخرج السبق في عمل فيلم رعب عن مصاصي الدماء، واستخدام الأجواء المُفزعة في الإثارة والتشويق، بلا مضمون مقنع يستدعي الانتباه والنظر للتجربة بعين الاعتبار، ذلك أن لصناعة الرعب السينمائي قواعد وقوانين، حتى إن كان النص الدرامي مُستنسخا، فهذا لا يمنع العناية بتوظيف الفكرة، وصياغتها الصياغة المُحكمة، لأن متطلبات فيلم الرعب تفوق متطلبات الفيلم العادي، فالمحك الرئيسي في مسألة النجاح أو الفشل هو الإبهار بكافة عناصره، الضوء والظل والديكور والموسيقى والصورة والإيقاع والأداء التمثلي الدقيق والمختلف.
كل هذه المفردات، كانت مُفتقدة تماما في الحدوتة الساذجة، التي قدمتها نيللي كريم وظافر العابدين، على خلفية الصراع النفسي الدائر داخل البطل، الذي يحقن نفسه بالدماء ليصير دمويا يتغذى على اللحوم النيئة، ويروي عطشه بدماء الضحايا، ليس لسبب غير الرغبة المرضية في أن يكون كذلك، ولكي يُشفى ابنه المريض، وهو توأم لشقيق ثان ينقل الحالة المرضية نفسها له فيصبح مصاص دماء هو الآخر، يبحث له عن قطه مسكينة أليفة يشرب دمائها ليزداد قوة، ويكون باستطاعته دعم شقيقة المريض، وبث القوة في بدنه وأوصاله!
في هذه الحالة تقف الزوجة لمياء أو نيللي كريم متفرجة أمام نهم الأب للدماء، وتحول الابن إلى الحالة نفسها، وبالتبعية تدخل هي ذاتها في التجربة المرضية، فتستعذب رؤية الدماء، وترقب باهتمام شهوة الابن والأب إلى امتصاصها، بغير تعليق أو رفض أو مجرد مقاومة، قبل أن تصيبها اللعنة، فتتحول إلى آكلة لحوم بشر، ومصاصة دماء، وتنضم إلى فريق الساديين، حيث يرى كاتب السيناريو والمخرج رامي ياسين، أن بإمكان المُتلقي استنتاج الحالة، التي باتت عليها الزوجة بفعل التأثر السلبي، واندماجها في أجواء الخوف والرعب والظواهر المرضية الغريبة.
الحكاية برمتها غير مُستساغة ولا مقبولة، فما هو مطروح دراميا وفنيا يثير الاشمئزاز أكثر ما يثير الرعب، وفق السياق الافتراضي والنتيجة المُستهدفة، كما أنه يؤكد سذاجة الكاتب والمخرج والأبطال، الذين توهموا بأن ما يقدمونه من صور تعبيرية ومواقف له صله بمصاصي الدماء وأطوارهم وطبيعتهم، فالنابان المُدببان المُثبتان في فم ظافر العابدين وبحة صوته المُفتعلة والمنخفضة، واتساع عينية أمام الكاميرا، أو تضييقهما، كلها محاولات يائسة لم تفلح في تحقيق الإقناع المطلوب بمصداقية الأداء، أو اقتراب الحالة التراجيدية التأثيرية من الدرجات المُتخيلة عن الرعب والتكوينات النفسية للمخلوقات البشرية الشاذة والغريبة.
وكذلك لم ترتق نيللي كريم إلى نصف مستواها المعهود من الأداء المُتقن والتعايش مع الدور، فقد تعاملت طوال الأحداث بقانون الملامسة الخارجية للشخصية، كأن هناك عائقا قويا يحول بينها وبين الاندماج والتقمص، وهو ما يمكن اعتباره رفضا داخليا لمنطق الأحداث والحكاية المُلفقة، أدى إلى هروب الإحساس منها من دون إرادتها، فانعكس رأيها الفعلي على أدائها، فبدت كأنها خارج الموضوع، تجتهد بالكاد لتبرر وجودها كممثلة لها بالقطع مهاراتها الذاتية، لكن للأسف لم يظهر من قدراتها غير بعض الانفعالات السطحية التي أكدت ضعفها وبُعدها التام عن تفاصيل الدور.
وما يؤكد تهافت الفكرة شكلا ومضمونا أن نيللي حاولت تعويض ذلك بارتداء ملابس مكشوفة، لشد الانتباه والتعويل على مبادئ الإغراء والإثارة، كأبجديات لجذب المشاهد، وهذه نقاط ضعف مضافة لنقاط الضعف الأساسية الكائنة في النسيج الكلي للفيلم، الذي لم يوح بمجرد إيحاء بأي نتائج إيجابية تشير إلى الاقتراب من صناعة سينما للرعب بالطابع المصري، ولو كان المُنتج مُستنسخا، فحتى التقليد جاء فاشلا وضعيفا، ولا يمثل سوى خط هُلامي من دم، استُخدم للإشارة فقط لوجود أثر ضعيف على حائط السينما المصرية، كأنه كتابة ركيكة بالقلم الرصاص!
٭ كاتب مصري