لأسباب غير واضحة لم يأخذ الفيلم الكوميدي الساخر «خلاويص» حظه من الاهتمام النقدي، فقد تم عرضه في فترة لم تكن فيها السينما المصرية في أفضل حالاتها، حيث انشغل الجمهور بقضايا أخرى، ولم يُحقق الفيلم المذكور للنجم أحمد عيد ما يستحقه من المُشاهدة، أو التناول، باعتباره أحد الأفلام التي تمتزج فيها الكوميديا السياسية بالتراجيديا، وربما كان ذلك واحداً من أسباب التعتيم، لحساسية ما تطرحه الأحداث المُتصلة بأخطاء التحري والدقة في قضايا المُجرمين الهاربين من أحكام قضائية واجبة النفاذ.
الفيلم المأخوذ عن قصة حقيقية يناقش أزمة طفل صغير لا يتعدى عمره العشر سنوات، يتشابه اسمه مع اسم مُسجل خطر صادر ضده حكم قضائي بالسجن 15 عاماً مع الشغل، فبينما يستغرق الطفل «علي» مع جده في لعبة «خلاويص» أو الاستغماية من باب قتل الوقت والتسلية، لحين عودة الأب الأرمل «أحمد عيد» الذي يعمل سائق تاكسي، تداهم قوة من وحدة تنفيذ الأحكام البيت الكائن في الحي الشعبي، وتُلقي القبض على الطفل بتهمة حيازة سلاح دون ترخيص، والتجمهر وإثارة البلبلة، وهي ذاتها التهم الموجهة للمتهم الأصلي المحكوم عليه غيابياً في القضية نفسها. ومن سوء الطالع أن الصغير علي يتشابه اسمه حرفياً مع المجرم، ما يُفشل محاولات الجد لنفي التهمة عن حفيده، ويُبدد توسلاته لأفراد القوة، التي رأت ضرورة القبض على المسكين الصغير أولاً، ثم التحقيق في مسألة تشابه الأسماء، وبين الحيرة والتوسل يأتي الأب ليلحق بابنه في قسم الشرطة، لكن عملية الترحيل إلى السجن كانت قد تمت بسرعة، خوفاً من المساءلة القانونية وعندئذ زادت الأمور تعقيداً، ووصل صدى القصة إلى الفضائيات فأصبحت قضية الطفل علي قضية رأي عام، واختلفت الأقاويل والمزاعم فالإعلام الحكومي يُبرر الإجراءات الأمنية، ويأخذ المذيع في تفنيد الأسباب التي أدت إلى إلقاء القبض على الطفل وسرعة الترحيل!
لقد تميز أداء أحمد عيد بالثبات الانفعالي طوال الوقت داخل المساحة الدرامية الساخرة، التي تجمع بين حضور الفكرة الأساسية المبنية على نقد الأوضاع السلبية بجرأة وموضوعية، وتلك المسحة الفكاهية الخفيفة التي لم تُفقد الحدث سخونته ولم تحوله إلى حالة سياسية مباشرة
ويبرز من خلال أداء الممثل طارق عبد العزيز عنصر السخرية من الآلة الإعلامية المُنحازة والمُضللة، بينما تُصر المحامية أيتن عامر على التضامن مع الأب والابن، بعد أن يفتعل الأول مشكلة كي يتم إيداعه السجن مع ابنه وتتوإلى الأحداث فتتحول القضية من قضية فردية إلى قضية ثنائية يُدان فيها أحمد فؤاد سليم الضابط الكبير المسؤول في جهاز دعم اتخاذ القرار، كونه يُعطل سير القانون بعدم الإفراج عن الطفل للتغطية على أحداث أخرى يراها أشد خطورة. ويعد هذا الإلماح البعد الثاني للفيلم، حيث الاتهام الصريح للجهات الرسمية المسؤولة، بعدم الجدية في التعامل مع القضايا الأمنية، خاصة إذا كانت من القضايا الجماهيرية، وهي الجزئية الأهم التي يركز عليها الكاتبان لؤي السيد وفيصل عبد الصمد، في مناقشة قضيتهما المطروحة بوعي سياسي خارج عن الدائرة الجنائية، لاسيما أن المسؤول المُشار إليه تصرف من تلقاء نفسه، مُستغلاً صلاحياته القانونية بحكم منصبة، من غير مسعى حقيقي لتطبيق القانون والبحث عن الجاني المتورط فعلياً في الجرائم، وهو الأمر الذي تولته المحكمة، فأنصفت الطفل وبرأته من التهم كافة المُلفقة والمنسوبة إليه، وتعد المُعالجة على هذا النحو من جانب المخرج خالد الحلفاوي، الذي أفرد مساحة درامية وافية لتتبع مسيرة البطل أحمد عيد مع ابنه من باب التشويق والإثارة، نوعاً من التأكيد على مبدأ الحماية القانونية والتشريعية، التي تجب جميع الإجراءات الأمنية وتدحض ألاعيب الخبثاء من الموكول إليهم مهمة تنفيذ الأحكام، من غير دراية أو خبرة في التفرقة بين مجرم عتيد في الإجرام، وطفل بريء يقتصر نشاطه على اللهو واللعب.
لقد ناقش فيلم «خلاويص» الذي يحمل عنواناً دارجاً للعبة شعبية شهيرة، مفاهيم بالغة الخصوصية، تخص حقوق الإنسان وحقوق الطفولة، وتلمس عن قرب جرائم تُرتكب نتيجة أخطاء في الإجراءات والتحريات بلا اكتراث، ويذهب ضحيتها أبرياء ليس لهم علاقة بما يحدث من إهمال وفوضى، ولعل اتصال طفل بقضية من هذا النوع، هو ما زاد من أهميتها وجعلها جديرة بأن تُصبح محوراً قوياً لأحداث فيلم سينمائي مُغلف بالكوميديا من الخارج، بيد أنه في واقع الحال ينطوي على مأساة لا تقبل المُهادنة ولا تحتمل الدعابة.
لقد تميز أداء أحمد عيد بالثبات الانفعالي طوال الوقت داخل المساحة الدرامية الساخرة، التي تجمع بين حضور الفكرة الأساسية المبنية على نقد الأوضاع السلبية بجرأة وموضوعية، وتلك المسحة الفكاهية الخفيفة التي لم تُفقد الحدث سخونته ولم تحوله إلى حالة سياسية مباشرة، ولا شك في أن أدوات المخرج الفنية والإبداعية من تصوير وإضاءة وديكور وموسيقى قد أسهمت كثيراً في ظهور الأبعاد الإنسانية كاملة، وأدت إلى مُضاعفة الإحساس بالتفاصيل الكبيرة والصغيرة، غير أن أداء الأبطال، أحمد فؤاد سليم وأيتن عامر وطارق عبد العزيز والطفل آدم، كان على مستوى عال من الإتقان والإجادة والمُعايشة.
كاتب مصري