خيباتنا كثيرة في هذه الحياة، وهي أكثر في هذه الأيام من غيرها، ان كان على الصعيد السياسي أو الرياضي، الذي هو شأننا، خصوصا في ظل وقوع حدث كبير مثل دورة الألعاب الأولمبية.
اليوم تختتم أولمبياد باريس، وجاءت الايام ومرت من دون لحظات فرح متوقعة، او أقل من المتوقع بكثير، فنعم احتفلنا بذهبيتي الجزائر، خصوصا ذهبية الملاكمة ايمان خليف، التي كان صداها كبيرا وانتصارها جاء على أكثر من صعيد، كما احتفلنا بذهبيات تونس والبحرين والمغرب مع الفضيات والبرونزيات القليلة، وبينها المعدن الوحيد الذي جنته أكبر بعثة عربية توجهت الى الأولمبياد، وهي البعثة المصرية، التي كانت أكبر المخيبين بالنتائج المتواضعة والكارثية للكثير من رياضييها وفرقها.
11 ميدالية متنوعة تقاسمتها ست دول عربية فقط في الألعاب الحالية بحلول ليلة الجمعة، وهو أضعف مردود لجموع العرب منذ أولمبياد بكين 2008، حين أحرز العرب وقتها 8 ميداليات فقط.
لكن خيبة المصريين ما بعدها خيبة، وألمها يوجع أكثر من غيرها، فهي أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان، وربما الاكثر تنويعا في الرياضات، أي الأكثر استعداداً، بل شاركت البعثة المصرية بأكبر عدد من اللاعبين على مدار تاريخها في الدورات الأولمبية، بواقع 148 لاعباً ولاعبة أساسيا و16 لاعبا احتياطيا بإجمالي 164 لاعباً، وكان من المتوقع أن تعود البعثة بعلى الأقل ست ميداليات، بل حتى وزير الشباب والرياضة أشرف صبحي، كشف أن بعثة بلاده تستهدف الحصول بين 6 و10 ميداليات، مشيراً إلى رفع الجوائز المالية للرياضيين إلى أرقام «غير مسبوقة». علماً أن مصر حصدت 6 ميداليات في أولمبياد طوكيو 2020، وهو أكبر رقم في تاريخ المشاركات المصرية، إلا أن صبحي كشف عن سعي البعثة المصرية إلى تجاوز هذا الرقم، وأنا لا أعرف على ماذا كان يستند.
صحيح أن حالات الهروب الجماعي والفردي للرياضيين والموهوبين من مصر على مدى السنوات الماضية ما زالت قائمة، الا ان الوعد بمكافآت مجزية حددها الوزير بـ4 ملايين جنيه على كل ذهبية و3 ملايين للفضية ومليونان لصاحب كل برونزية، كان سيسيل لعاب الرياضيين لضمان العودة بالمعدن النفيس، والاهم رفع علم البلاد في هذا المحفل وسماع النشيد الوطني يصدح في أرجاء العاصمة الفرنسية، خاصة أن لدى المصريين لاعبين يحتلون صدارة التصنيف العالمي في ألعاب مثل السلاح والخماسي الحديث والرماية ورفع الاثقال والمصارعة والتايكوندو، بالاضافة الى مشاركة 3 منتخبات لألعاب جماعية هي كرة القدم وكرة اليد والكرة الطائرة، والطموحات بأن يحقق منتخب جماعي مصري ميدالية أولمبية لأول مرة. هذا التفاؤل بهذه النتائج، ربما يكون مجرد تخمينات من الوزير، أو تفاؤل بحد ذاته، ولكنه بالتأكيد لم تعكسه النتائج المخيبة بعد احراز برونزية فقط بنهاية ليلة الجمعة، جاءت عبر سلاح المبارزة، وبعد خيبات كارثية عدة، أبرزها «فضيحة» يوم الخميس لمنتخب كرة القدم الذي كان قريبا جدا من تحقيق برونزية في أفضل انجاز عربي لكنه مسح كل ذلك بهزيمته بسداسية نكراء أمام شقيقه المنتخب المغربي. وأنا خلال متابعتي لم أر قي حياتي أي فريق مصري يخسر بهذا الفارق من الاهداف، ان كان فريقا محليا (ناد) في مسابقة قارية او عربية أو دولية، أو منتخبا من أي فئة (أول او شباب) في أي مسابقة، لكنها قادتني سريعا للبحث عن أسوأ من هذه الخسارة، وللأسف كانت الصدفة أنها كانت أيضا لتحديد المركز الثالث في الاولمبياد لكن قبل 96 سنة، وتحديدا في أولمبياد 1928 عندما خسر أمام المنتخب الايطالي 3-11.
وجاء ذلك قبل ساعات من ايقاف الشرطة الفرنسية لاعب مصارعة يونانية-رومانية ضمن الوفد المصري، فجر الجمعة، للاشتباه باعتدائه جنسياً على زبونة في إحدى الحانات، وفق ما أفاد مكتب المدعي العام، ويتعلق الأمر بمحمد السيد «كيشو» (26 عاماً)، الحائز على برونزية وزن 67 كلغ قبل ثلاثة أعوام في طوكيو والذي خرج من ثمن نهائي ألعاب باريس. عدا عن تصريحات عدد من الرياضيين والرباعيين عن فقدان الرعاية والتحضير السليم للألعاب، ما يجعل من هذه الاولمبياد مشاركة كارثية بكل ما للكلمة من معنى، رغم أن نفحة الامل والتفاؤل الحقيقي جاءت عندما التقطت مبارزة مصرية سيفها، كان الشيء الوحيد الذي ربما لم يلحظه المتفرجون في أولمبياد باريس على الفور، وهو أنها كانت تشارك في الألعاب أثناء الحمل. ورغم أن ندى حافظ لم تفز بميدالية في المبارزة، إلا انها قالت بعد أن كشفت في منشور عبر «إنستغرام» أنها حامل في شهرها السابع بطفل «أولمبي صغير»: «أنتي (كمرأة) لستي مريضة، أنتي فقط حامل. يمكنك أن تفعلي ما تريدين وأنتي قوية حقا. أجسادنا يمكن أن تفاجأنا».
الرياضة المصرية مثل الجنين في بطن ندى، فهو نقي وبريء، فرغم خيبة الام والظروف، الا أن هذا لا يعني أن المستقبل لن يكون مشرقاً، لكن ما حدث في باريس يجب ان يكون فرصة لتنظيف كل الشوائب في الرياضة المصرية التي تمنع بريق الموهوبين من اللألأة.