الناصرة- “القدس العربي”: يشهد المجتمع العربي الفلسطيني داخل أراضي 48 في الأسابيع الأخيرة حراكًا متصاعدًا ضد العنف والجريمة وفي وجه تواطؤ الشرطة والمؤسسات الحكوميّة الإسرائيلية بوقف شلال الدم وعدّاد الضحايا المستمر، وتتزايد الاحتجاجات على اعتداءات عناصر هذه الشرطة بفظاظة على المتظاهرين على فشلها وتواطئها.
وتشهد بلدات عربية في الداخل مظاهرات وصدامات مع الشرطة الإسرائيلية على خلفية استشراء الجريمة والعنف، ومن الفعاليات الاحتجاجية المتصاعدة حركة “الأمهات الثكالى يكسرون الصمت” وهي حركة أهلية تقودها نساء قريبات لضحايا العنف والجريمة.
يشار إلى أن جرائم القتل تضاعفت عدة مرات في السنوات الأخيرة وقد بدأت تتفاقم منذ العام 2000 طبقا للمعطيات الموثوقة وبالمقارنة مع نسب ومعطيات الجريمة داخل المجتمع الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1967.
ويتهم قادة فلسطينيي الداخل المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة بالتواطؤ وصرف النظر عن تفشي السلاح وتنامي عصابات الإجرام بحرية من منطلق محاولة النيل من الأقلية العربية الفلسطينية (18%) وتدمير مكتسباتها وتحييدها بهذه الطريقة من الداخل بعدما شاركت في بداية الانتفاضة الثانية وفي ما يعرف بهبة القدس والأقصى عام 2000.
وكانت “حركة الأمهات الثكالى يكسرون الصمت” قد انطلقت في الـ12 من أغسطس/ آب الماضي، من خلال مسيرة أمهات من أجل الحياة، ضد العنف والجريمة تقدمتها الأم الثكلى منى خليل والدة المغدور خليل (28 عامًا) من حيفا وهي التي بادرت للمسيرة، حيث رافقتها الأم الثكلى وطفة جبالي والدة المغدور سعد (24 عامًا) من مدينة الطيبة، بالإضافة إلى أمهات ثكالى وشخصيات سياسية وجماهيرية بينها رئيس القائمة المشتركة أيمن عودة، حيث انتهت المسيرة بلقاء رئيس إسرائيل رؤوفين ريفلين وسلموه مذكرة احتجاج على تواطؤ الشرطة والحكومة مع الجريمة والمجرمين داعينه للعمل ضد هذا التواطؤ.
وتأتي هذه الحركة النسوية التي تعرف أيضا بمنتدى الأمهات الثكالى لمكافحة الجريمة، استمرارًا للمسيرة المذكورة في الصيف المنصرم بدعم ومرافقة ناشطات نسويات (ميسم جلجولي، ختام واكد، ورهام أبو العسل) خاصة على ضوء الارتفاع الكبير في العنف والجريمة، الذي حصد حياة أكثر من 100 مواطن عربي في العام الماضي.
وعن ذلك تقول وطفة جبالي: “لدي حلم، تشكيل مجموعة من النساء تشبه بنشاطها ما فعلته- الأمهات الأربع، الحراك اليهودي الذي نجح بسحب جيش الاحتلال من لبنان، نحن أيضًا بإمكاننا إحداث التغيير المنشود”.
وتشارك في قيادة الفعاليات الاحتجاجية ميسم جلجولي، رئيسة منتدى “نعمت” في منطقة المثلث الجنوبي ورئيسة كتلة الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة من مؤسسات التي تعرض بيتها لإطلاق النار مرتين خلال 2008، على خلفية نضالها من أجل حقوق العمال وكشف قضايا فساد إدارة بلدية الطيرة السابقة. في حالتها لم تقم الشرطة الإسرائيلية بأي مجهود للعثور على المجرمين.
وتشبه جلجولي إطلاق النار على البيوت العربية بـ”ورقة الخريف المتساقطة، لا تهم الشرطة الإسرائيلية نحن العرب غير مرئيين عندها”، مؤكدة أنه عندما أرادت الشرطة القضاء على العنف في الشارع اليهودي، نجحت بذلك، والآن، ما يجري في المجتمع العربي هو إجرام منظّم بكل ما تحمله الكلمة من معنى”.
من جهتها تؤكد رهام أبو العسل، رئيسة منتدى “نعمت” في لواء الناصرة، أن النضال ضد العنف ضد النساء لقي تعاونًا جديًا بين النساء العربيات واليهوديات، مؤكدة أنها تسعى لمتابعة هذا النجاح، وجلب شركاء يهود للمشاركة في مجابهة العنف والجريمة.
كما تؤكّد ختام واكد رئيسة “نعمت” في لواء الجليل المركزي أن “المواطنين العرب موجودين في أسفل أولويات المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة وتشير للتمييز العنصري في معالجة قضايا حوادث العمل، حوادث السير والعنف المستشري. وترى بضرورة القيام بتغيير عميق وجذري، الذي يمكن أن يتحقق فقط من خلال نضال مستمر داخل وخارج المجتمع”.
وتقول منى خليل إنها توسّلت لابنها بعدم الخروج من البيت في اليوم الذي قتل به، لكنها لم تنجح بمنعه مؤكدة أنها عند سماعها صوت الإسعاف فهمت لوحدها أنه قتل. وتابعت “لكن للأسف، رغم أن الجميع يعلم من القاتل، إلا أنه لا يزال حرًا طليقًا”.
وعن تجربتها تقول وطفة جبالي “ربما يتوجب علينا التصدي كأمهات للشباب بأجسادنا. علينا العمل من أجل التوقّف عن طلب الثأر والبدء بالحديث عن الإحياء والإصلاح”. وتضيف جبالي أنه في الماضي، كانت الشرطة تحاول منع الإجرام، اليوم نحن في حالة إهمال تامة”.
أما السيدة كفاح إغبارية من مدينة أم الفحم والتي خسرت أربعة أفراد من عائلتها في جرائم قتل، آخرها قبل أسبوع أثناء تظاهرة ضد العنف، تقول: “هناك تعاون بين الشرطة والمجرمين، لقد قلت هذا لرئيس الدولة في اللقاء الأخير، يوجد لدينا الكثير من الأسئلة للشرطة، لكنها لا تعطي أية أجوبة”، مؤكدة أن النضال الحالي ضد الجريمة هو الأمر الأهم في هذه المرحلة.
كذلك السيدة نيتال دواهدة من مدينة طمرة فقد فقدت ابنها في 2006، لم يكن القتل منتشرًا وقتها كما هو اليوم وعن ذلك تقول “للأسف الشديد، فقط اثنان من قتلة ابني الأربعة تمّ سجنهم، ونجح أحدهم بالهرب من السجن والوصول إلى سوريا”. وتساءلت “كيف يعقل الا يتم إلقاء القبض على القتلة؟ كيف يمكن أن يهرب القاتل من السجن إلى خارج البلاد؟ وتتابع “لو كان يهوديًا لامتلأت نشرات الأخبار بالفاجعة”. وتؤكد دواهدة أنه علينا ألا نعتاد الوضع، هذا ليس قضاء وقدر، هذه حالة يمكن قلبها”.
وتجلى فظاظة وازدواجية عمل الشرطة الإسرائيلية باعتداءات على المتظاهرين يوم السبت الماضي ضد تفشي الجريمة في مدينة أم الفحم وصفتها البلدية بـ”اعتداءات همجية ووحشية وجبانة من قبل أفراد الشرطة، واعتقالات تعسفية وعشوائية لشبابنا، وضرب المتظاهرين السلميين دون وجه حق، حتى وصل بهم الأمر الاعتداء على الممتلكات العامة، وكل هذا موثّقٌ بالتصوير والفيديو، من اعتقالات للشباب وهم يحتجون ويتظاهرون ويقفون جانبًا بصورة سلميةٍ واضحةٍ”.
وتؤكد بلدية أم الفحم في بيانها أن “كل ذلك يؤكد بما لا يدع مجالًا للشك، أنّ الشرطةَ الإسرائيلية تصحو وتنهض من سباتها فقط عندما ترى الجماهير تتظاهر وتنتفض ضدها، وتطلب منها هذه الجماهير أن تأخذ دورها الحقيقي الذي قامت من أجله، وهو إلقاء القبض واعتقال ومحاكمة ومعاقبة المجرمين وجمع السلاح الذي يقتلنا، وفرض الأمن والأمان في بلداتنا”.
وتؤكد بلدية أم الفحم أن هذا الحراك الشبابي في المدينة ما هبّ وانتفض، إلا لما رأى جحافل الشرطة وقوات الأمن والمستعربين، يتقاعسون عن أداء واجبهم وتحمّل أعباءِ وظيفتهم.
وخلصت بلدية أم الفحم للقول “نرحب بهبّة وحراك شبابنا الفحماوي الأصيل الذي لبى النداء، نشكر للمحامين جميعاً وقفتهم للدفاع عن المعتقلين، لن يغمض لنا جفن حتى يتحرر جميع معتقلينا في هذه الهبة، نرحب ونشكر لشبابنا وللحركات والأحزاب والقوى المختلفة واللجنة الشعبية هذه الوقفة البطولية، نرحب بامتداد هذا الحراك إلى بلدات وادي عارة جميعها”.