«داعش» والآخرون… شكشوكة!

لا شك أن أسعد الرجال فوق الأرض هذه الايام، بالنظر لما يحدث في منطقة الشرق الأوسط، الرئيس السوري بشار الأسد. صَبَرَ ونالَ! انتظر قرابة أربع سنوات ليتحوّل من منبوذ ثار عليه أكثر من نصف شعبه ولفظه أقرب حلفاؤه، إلى بطل رئيسي في اللعبة الأكثر غموضا في التاريخ: الإرهاب وألغازه.
تحقق للأسد ونظامه وأدواته ما صدح به منذ أكثر من ثلاث سنوات وأفلح في تحويل ما يسمى في سوريا الرسمية الظاهرة الإرهابية إلى خطر إقليمي وعالمي. صحيح أن الأمر كلّف خراب سوريا وإبادة شعبها، لكن العبرة بالنتائج: أصبح الأسد الإبن جزءا لا غنى عنه في الحل بعد أن كان الجزء الأكبر من المشكلة. كان هذا طموحه من البداية وحققه.
واقع مر مؤلم يستحق الشعب السوري عليه الكثير من العزاء. تراجع طموحه من ثورة شعبية سلمية تحقق له الحرية والديمقراطية، إلى الحد من أضرار هذه «الدعوشة» اللعينة.
الفضل ليس لعبقرية أخفاها الأسد، بل لغباء بارع انفردت به الحكومات الغربية وقصر نظر هائل تميزت به الحكومات العربية. كان يمكن تجنب الوصول إلى هذه الحفرة المخيفة لو وفرت هذه الدول والحكومات، ومعها قادة المعارضة السورية، سبلا أخرى للثورة السورية في وقت مبكر.
واقع الحال اليوم أن لا أحد يستطيع أن يتكهن بمصير المنطقة وخارطتها بعد ستة أشهر أو سنة. الكل موجود والجميع غائبون، باستثناء «داعش» والأسد: ـ الولايات المتحدة: موجودة بالخطاب السياسي والإرتباك العسكري والدبلوماسي. جريحة من تجربة القاعدة، لكنها مذعورة من تكرار تجربة العراق. لهذا تتمنى «عجة من دون تكسير بيض».. تريد القضاء على «داعش» لكن من دون ضلوع مباشر وجنود على الأرض.
المشكلة أن العمل الجراحي لا ينفع في الحالات التي أمامنا. المقاتلون يتحركون في صحراء شاسعة تحميهم سبعين سنة من القصف الجوي المتقطع وغير الدقيق.
كان على الولايات المتحدة أن تتعلم من تجربة أفغانستان وتدرك أن استمرار العمل الجراحي (الجوي) سيقود إلى تكرار تجربة أفغانستان من قصف لمواكب الأعراس ومآتم العزاء لمجرد الاشتباه في أن قافلة تحركت بهذا الاتجاه أو ذاك.
يستطيع البيت الأبيض أن يواصل في هذا النهج طالما استمر في الشعور بنوع من الرضا الداخلي من كون «داعش» لا يشكل خطراً مباشرا على الأمن القومي الأمريكي مثلما كانت القاعدة في عهد اسامة بن لادن. لحد الآن، «داعش» تنظيم إقليمي، عدوه الأول، وأول ضحاياه، المسلمون بمختلف مذاهبهم. أما الولايات المتحدة ففي ذيل ترتيب قائمة اهدافه (إن وُجدت أصلا).
الغرب الآخر: هو خليط من الحكومات والدول، يجمعها العداء لـ»داعش» والتشدد الإسلامي عموما ويفرّق بينها الاختلاف حول كيفية محاربته. تتكون هذه الكتلة اساسا من بريطانيا وفرنسا.
بريطانيا: تبدي تبعية شبه تامة للعقيدة الحربية الأمريكية حتى وهي في ذروة ارتباكها، فلا يكاد المرء يعرف للندن موقفا مستقلا وواضحا ومفهوما.
فرنسا: لا تقل ارتباكاً لكنها تبحث عن مكان في خريطة القتال والحروب في أي ساحة تحمل شارة التشدد الديني الإسلامي. وهذا ما يفسر سحب قواتها من أفغانستان ونشر أخرى في مالي والساحل الإفريقي تزامناَ. ويفسر أيضا ان الرئيس فرانسوا أولاند كان أكثر المتحمسين لعمل عسكري ضد «داعش» في العراق، خلال قمة قادة دول حلف الناتو في ويلز نهاية الأسبوع الماضي.
الدول الأوروبية الأخرى وكندا: تكتفي بالحضور الرمزي لكسب راحة البال الأمنية والسياسية والأخلاقية. هي اليوم في وضع أكثر راحة لأن طموحاتها الاستراتيجية والعسكرية الخارجية أقل. وهي تحت ضغوط أقل بكثير من واشنطن مما كانت عليه في بداية العقد الماضي واستعدادات إدارة جورج بوش الإبن لغزو العراق.
دول الإقليم: خليط آخر، لكن من العجز والارتباك وقلة الحيلة ستدفع ثمنه من مستقبلها. العراق كمن يحتمي من المطر بالارتماء في بركة ماء. تركيا في فوهة بركان يغلي. الأردن بين فكّي كماشة جديدة كما جرت العادة. إيران لا تضمن عدم وصول الخطر إليها فاختارت الدفاع عن نفسها وعقيدتها بالقتال في العراق، ولا تتورع عن الاستثمار في الوضع وطرح نفسها المنقذ. السعودية تحصّن نفسها من جهة العراق بتكنولوجيا «الحدود الذكية» إدراكا منها للخطورة التي وصلت إليها الأوضاع.
وفي نطاق أوسع قليلا، هناك دول عربية لا تستطيع أن تفعل شيئا، وإن استطاعت لا تعرف وإن عرفت فهي غير فاعلة. أغلبها تعيش اليوم وضعا لا يختلف كثيرا عما عاشته عشية احتلال العراق والضغوط الأمريكية لجرها إلى المشاركة فيه.
وعلى خلاف الدول الأوروبية «المحايدة»، ستتعرض الدول العربية إلى ضغوط امريكية هذه المرة لأن الحرب، إذا ما قررتها واشنطن والناتو بتزكية من الأمم المتحدة، ستكون على الأرض العربية. واستفادة دول الإقليم من طموح القضاء على «داعش» لن تقل عن استفادة الولايات المتحدة. حجتان كافيتان لإشراك هذه الدول في ما يجري التخطيط له.
لكن أي مشاركة، ولو رمزية، ستكون مثل كرة ثلج تفتح معها احتمالات ومخاوف الانتقام، ذلك أن «داعش»، مثل القاعدة، لن يبقى كما هو اليوم هيكلا تنظيميا سلسا، بل بذرة وأيديولوجيا تنمو في أي مكان حالما تتوفر لها الاسباب (حتى واهية) مثلما نمت أفكار تنظيم القاعدة من نيجيريا إلى الهند.
هل كان يمكن تفادي هذه «الشكشوكة» والانقلاب في العلاقات الدولية؟ نعم. بغباء سياسي ودبلوماسي عربي وغربي أقل.

٭ كاتب صحافي جزائري

توفيق رباحي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول طه الجزائري من الجزائر:

    لا اظن ان الذي توصلت اليه كنتيجة سيدي الكريم من الغباء و الذكاء بامكانه تحويل المشكلة السورية الى غير ما هي عليه .العملية السياسية كانت من انطلاقتها عبارة عن فبكرة لسيناريو لدفع المنطقة نحو التعفن لا غير و بقليل من الذكاء يمن ان نصل الى ذلك . انظر الى المشرق ثم الى المغرب سترى ان كل نقطة عبارة عن كرة نار تتحكم فيها حهم معينة تعمل على اخمادها او اشعالها كلما ارادت سيدي الكريم ……المهم في كل ذلك هو المحافظة على الاوطان

إشترك في قائمتنا البريدية