الرباط ـ «القدس العربي»: بعد أيام قليلة من توجيهات العاهل المغربي الملك محمد السادس، بإحالة بعض مقترحات الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة (قانون) الأسرة المتعلقة بنصوص دينية، إلى “المجلس العلمي الأعلى” باعتبارها المؤسسة الدينية الوحيدة المؤهلة لإصدار الفتاوى التي تُعتمد رسمياً وفق الفصل 41 من الدستور المغربي، أعلن المجلس عن عقد دورته العادية الثالثة والثلاثين.
ودعا ملك المغرب، بصفته رئيس المجلس، إلى دراسة المسائل الواردة في بعض مقترحات الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، استناداً إلى “مبادئ وأحكام الدين الإسلامي الحنيف، ومقاصده السمحة”. كما دعا المجلس العلمي الأعلى، وهو يُفتي فيما هو معروض عليه من مقترحات، إلى “اعتماد فضائل الاعتدال والاجتهاد المنفتح البناء، في ظل الضابط الذي طالما عبر عنه الملك، من عدم السماح بتحليل حرام ولا بتحريم حلال”.
وتعكف لجان المجلس على دراسة القضايا المدرجة بجدول أعمال الدورة، على متابعة عمل الهيئة العلمية للإفتاء واللجنة الشرعية للمالية التشاركية، ومتابعة الجوانب التنظيمية والعلمية في تنزيل خطة التبليغ، والنظر في البحوث والدراسات التي يشتغل عليها المجلس العلمي الأعلى وغيرها من المهام.
الإحالة الملكية تجد ما يسندها في الدستور المغربي، حيث ينص الفصل 41 من دستور 2011 على أن “الملك، أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية. يرأس الملك أمير المؤمنين، المجلس العلمي الأعلى الذي يتولى دراسة القضايا التي يعرضها عليه. ويعتبر المجلس الجهة الوحيدة المؤهلة لإصدار الفتاوى المعتمدة رسمياً بشأن المسائل المحالة عليه، استناداً إلى مبادئ وأحكام الدين الإسلامي الحنيف ومقاصده السمحة”.
وقال الحسن السكنفل، رئيس المجلس العلمي لعمالة الصخيرات تمارة، في تصريح لـ “القدس العربي”، إن هذه المبادرة الملكية السامية هي دَأب إمارة المؤمنين في بلدنا باعتبارها الحامية لحمى الملة والدين، والراعية لحقوق المواطنات والمواطنين، وفيها إشارة قوية على مركزية دور الملك باعتباره الحكم بين الفرقاء الاجتماعيين حين الاختلاف في القضايا الجوهرية المتعلقة بهوية الأمة المغربية، وأنه هو المرجع الأساس في الأمور المتعلقة بالأحكام الشرعية باعتباره رئيساً للمجلس العلمي الأعلى. كما أن هذه المبادرة فيها “إشارة قوية إلى أن المملكة المغربية دولة إسلامية وأن الأمة المغربية أمة مسلمة تعيش في ظل الإسلام وتعاليمه السمحة، وأنه لا خوف على الإسلام في هذا البلد الأمين”، وفق تعبيره.
وأبرز السكنفل أن من ضمن دلالات هذه المبادرة، التأكيد على دور العلماء (علماء الشريعة) في بيان أحكام الشريعة وتبليغها للناس، والتأصيل للأحكام المتعلقة بالوقائع المستجدة في إطار عدم تجاوز الأحكام القطعية الدلالة التي لا يجوز المساس بها لأنها متعلقة بكليات الدين، وبعيداً عن تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله تحت أي مسمى من المسميات، وفي إطار الاجتهاد المقاصدي الذي يروم تحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية في حياة الناس بعيداً عن الحرج والضيق والمشقة ليحيوا حياة طيبة، حياة شرطها الإيمان والعمل الصالح، ولُبها القيم الإسلامية القائمة على أساس العبودية لله وحده دون غيره، وحماية حقوق العباد أفراداً وجماعة، والمؤسسة على التعاون والتضامن والتكافل والرحمة والعدل والمساواة، حفاظاً على اللحمة الأساسية للمجتمع المغربي المسلم، وهي الأسرة بكل مكوناتها، زوجاً وزوجة وأبناء، وبامتداداتها الاجتماعية عبر الأصول (الأجداد) والحواشي (الأعمام والأخوال).