دخول مرسي وخروج مبارك: هجمة مرتدة تجعل الدولة العميقة أكثر عمقا
24 - سبتمبر - 2013
حجم الخط
0
عندما اتحدت كافة القوى السياسية على الساحة المصرية وانضوت بكل أطيافها في بوتقة واحده واندفعت في شوارع القاهرة كالطوفان الهادر لتكتسح قوات الأمن بأجسادها آنذاك كانت كل هذه القوى ترى عدوا واحدا إسمه مبارك الذي مثل رأس النظام الفاسد الذي سبب للشعب كل أصناف الإذلال والإهانه. كانت الإندفاعة من السرعة والضخامة بما يكفي لأخذ المؤسسة العسكرية على حين غرة وجعلها تتبرأ ظاهرياً من رأسها الذي كانت جماهير الشعب تندفع بقوة نحوه، وتوجه بوصلتها عليه هو عينه وليس النظام الذي تمكن من تكريسه في كل مفاصل الدولة. كانت العبارة الأكثر ترديداً.. إرحل.. إرحل حتى بدا واضحا أن المطلوب هو الإطاحة بمبارك الذي ظن الشعب أن زواله وبعض معاونيه يعني نجاح ثورته، فوصل النظام إلى قناعة تامة بضرورة الإنحناء أمام العاصفة وجعل بعض الأفراد في قمة الهرم يقومون بالتضحية لإنقاذ النظام العميق المتغلغل في كافة الأجهزة من أجل إيهام الجماهير بأنهم قاموا بثورة وأن الثورة قد حققت أهدافها. تنحي مبارك سبقته مشاورات بينية من وراء الكواليس وضمت أقطاب النظام من مستشاريه في قيادات الحزب الحاكم وقيادات الجيش أثناء وجوده في القصر الرئاسي، وتمخضت عن إقناعه بالتخلي عن الحكم والذهاب إلى منتجعه في شرم الشيخ إلى أن يتم إعادة ترتيب البيت بعد أن تهدأ الأمور لأن العاصفة الشعبية كانت ساحقة وتستطيع أن تطيح بكل من يعترض سبيلها سيما وأنها المرة الأولى التي تتحد على قلب رجل واحد وتسير في وجهة واحدة دون أن يخيفها أي شيء حتى لو كان ذلك الشيء هو الموت. نحاول الآن فهم ما جرى من خلال اللجوء إلى أسلوب ما يعرف بالهندسة العكسية التي تبدأ من النهاية وتعود بشكل متسلسل إلى الوراء لتنتهي عند نقطة البداية لأن النهايات الحقيقية قد تكشفت الآن وأصبحت واقعاً ملموساً، بينما كانت بالأمس ضروباً من التنجيم. من الواضح أن الجيش الذي بقيت قياداته على ولاء كامل للنظام السابق وكذلك الحال بالنسبة للأجهزة الأمنية والإدارية التي انحنت كلها للعاصفة ولزمت الهدوء خلال فترة الإنتخابات التي كانت مطلباً شعبياً يحتل المرتبة الأولى في قائمة الطلبات التي نادت بتحقيقها،إنما توارت عن الأنظار في بيات شتوي وتنتظر الفرصة المناسبة للعودة من جديد.لم يكن فوز التيارات الدينية بالأغلبية في البرلمان ومجلس الشورى ومن ثم منصب الرئاسة مفاجئاً لها ولكنها كانت ترصد حالة الغليان والغيرة التي استشرت في صفوف التيارات العلمانية والليبرالية التي فتحت نيرانها على الأخوان وبدأت تتهمهم بالقفز على السلطة والإستحواذ على المناصب من أول يوم، مع العلم أن الأحزاب الفائزة تملك الحق بتشكيل الحكومة كاملة من صفوفها، إلا إذا كان فوزها بنسبة تقل عن النصف مما يضطرها إلى الإتفاق مع بعض الأحزاب الأخرى لتشكيل نوع من الإئتلاف لقاء إعطائها بعض الحقائب الوزارية بما يتناسب ونسبة أعضائها الفائزين بالبرلمان. عندما لاحظت قيادات الدولة العميقة وقوع هذا الشرخ في جسم رفاق ثورة 25 يناير فقد سارعت بدفع المحكمة الدستورية إلى الطعن في شرعية البرلمان وحله لتترك الرئيس محمد مرسي بلا غطاء أوسند لعدم وجود السلطة التشريعية التي تستطيع أن تسن القوانين كونها السلطة الوحيدة المخولة بذلك. رافق ذلك قيام رجال مبارك بوضع العصي في دواليب الإقتصاد من خلال التلاعب بالبورصة وتسريع وتيرة المضاربات بالوقود والغاز والقمح وحجزه عن السوق ليصطف الناس في طوابير طويلة من أجل الحصول على البنزين ورغيف الخبز مما أدى إلى تسخين الأجواء على المستوى الشعبي الذي بات يضيق ذرعا بظروفه المعيشية التي جعلوها تفوق بسوئها ما كانت عليه في عهد مبارك.ثم تقوم المعارضه الممثلة بجبهة الإنقاذ بتوجيه اللوم إلى الأخوان وإلى الرئيس مرسي الذي قامت بتحميله المسؤلية الكاملة عن تدهور الأوضاع مع العلم أنه لم يكن قادراً على التحكم بدولاب القيادة لأن فلول النظام تمكنت من شل حركة الدولة المصرية من خلال سيطرتها على المكابح وعلى دواسة التسارع وغيارات مبادل السرعة لتجعل من محمد مرسي رئيساً شكليا يصلح فقط لتحمل المسؤولية عن كل ما يفعلونه هم في الخفاء.لم يكن الجيش غائباً عما يجري وبدأ الغَزَل خفياً بين رموز المعارضة وقيادته الممثلة بالسيسي وجنرالاته الذين بدى واضحا أنهم يخفون حقداً دفينا على كل الذين قامو بانتزاع السلطة من مبارك وينتظرون الوقت المناسب للإنقضاض على. بقيت الفئة المكابرة التي تبنت مقولة الغلب مع السترة خير من الغلب مع الفضيحة وهؤلاء هم الذين لا زالوا يعيشون في غيبوبة الإنكار من قيادات جبهة الإنقاذ، ولكن قيادة الجيش لن تترك لكائن من كان فرصة الصعود إلى سدة الحكم دون أن يدين لها بالولاء والطاعة، إلا إذا عادت لتتحد كافة القوى السياسية مرة أخرى لتعيد إنتاج ثورة 25 يناير من جديد وبتصورات جديدة، أو أن تقول بكل بساطة…أكلت يوم أكل الثور الأبيض. زياد علان العينبوسي نيويورك [email protected]