التعليم في شرقي القدس
في شرقي القدس خمسة أنواع من المدارس، هي: مدارس “إدارة تعليم القدس”، ومدارس مصنفة كـ “التعليم المعترف به غير الرسمي”، ويحصل على تمويل من وزارة التعليم الإسرائيلية، ومدارس “إدارة تعليم القدس” يتم تمويلها وإدارتها بشكل كامل من بلدية القدس ووزارة التعليم، ثم مدارس “التعليم المعترف به وغير الرسمي” وتحصل على تمويل يصل إلى 75 في المئة من نفقاتها. وأخيراً مدارس الأوقاف والمدارس الخاصة ومدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين.
حتى العام 2022 فإن من بين الـ 143221 ولداً في جيل المدرسة (3 – 18 سنة) في شرقي القدس، 102.921 مسجلين كطلاب في مدارس “إدارة تعليم القدس” أو في مدارس “التعليم المعترف به وغير الرسمي”.
حتى العام 2013 في مدارس القدس التي تمولها وزارة التعليم، كان الطلاب في المدارس الحكومية – الدينية يحصلون على الميزانية السنوية الأعلى (25.500 شيكل للطالب). يليهم في التصنيف الطلاب اليهود في المدارس الحكومية (24.500 شيكل للطالب). ثم الطلاب اليهود الحريديم (19.600 شيكل)، وفي النهاية الطلاب العرب في شرقي القدس (12.000 شيكل).
من خلال الاعتراف بهذه الفجوات الكبيرة، أظهرت إسرائيل في الـ 15 سنة الأخيرة التزامها الكبير بزيادة تمويل المدارس في شرقي القدس، الذي وصل إلى الذروة في العام 2018 مع الخطة 3790، التي خصصت 445 مليون شيكل على مدى خمس سنوات لجهاز التعليم في المدينة. أُعطي هذا التمويل حسب التقسيم التالي: 13.8 مليون شيكل للتوجيه التعليم والإشراف على التطبيق، و68.7 مليون شيكل لبرامج خاصة في المؤسسات التي تعلم المنهاج الإسرائيلي؛ و57.4 مليون شيكل لتطوير مبان في المؤسسات التي تعلم المنهاج الإسرائيلي؛ و206 ملايين شيكل للتعليم التكنولوجي؛ و67 مليون شيكل لاستئجار مبان لمؤسسات التعليم التي تعلم المنهاج الإسرائيلي. إضافة إلى الـ 445 مليون شيكل التي تم تخصيصها لجهاز التعليم في شرقي القدس، فإن الخطة 3790 خصصت 275 مليون شيكل للتعليم العالي للعرب في شرقي القدس.
الوضع داخل الأحياء العربية في شرقي القدس
ما الذي حققه تطبيق الخطوط الأربعة للسياسة التي تم ذكرها آنفاً في شرقي القدس؟ تظهر أربعة مواضيع رئيسية بعد البحث الحالي في الظروف الاقتصادية – الاجتماعية في هذه الأحياء: نقص في المساحة الفارغة للبناء والتوسيع؛ ونقص في البنى التحتية الفعالة؛ ونقص في الخدمات للجمهور؛ وعدم اليقين بخصوص مستقبل الاستثمار الإيجابي في التعليم، الذي جرى مؤخراً لصالح السكان العرب في شرقي القدس.
أولاً، في الأحياء العربية في شرقي القدس نقص في أراضي البناء، ولا إمكانية لتوسيعه. الأمر ينبع من اثنين من خطوط السياسة التي تم تفصيلها آنفاً: توسيع الأحياء اليهودية في شرقي القدس وإقامة جدار الفصل. كما قلنا، توسيع الأحياء اليهودية في شرقي القدس يتقدم بشكل كبير مقارنة مع تقدم الأحياء الفلسطينية. لذلك، لا يترك للفلسطينيين ما يكفي من المساحة الفارغة للبناء والتوسع. إضافة إلى ذلك، كثير من السكان الذين يعيشون في الأحياء الواقعة خلف جدار الفصل، لكنها داخل حدود بلدية القدس، يعملون في المدينة، الأمر الذي جعل الكثيرين منهم ينتقلون للسكن في الأحياء الموجودة في الطرف الإسرائيلي من جدار الفصل. إضافة إلى ذلك، فإن الدمج بين النقص في الأراضي للبناء والاكتظاظ السكاني المتزايد في هذه الأحياء يؤدي إلى تقليص عرض الشقق المتاحة وإلى زيادة الطلب، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع حاد في أسعار الشقق بنسبة تصل إلى 45 في المئة في أحياء معينة. سكان شرقي القدس العرب يدركون جيداً هذه التوجهات، كما قال فؤاد أبو حامد، وهو أحد النشطاء الاجتماعيين والمحاضر في كلية إدارة الأعمال في الجامعة العبرية ومدير فرع في صناديق المرضى: “توجد ضائقة سكن شديدة. والناس يتحدثون طوال الوقت بأن عليهم الانتقال إلى مكان آخر”. نقص أراضي البناء في أحياء شرقي القدس يتم الشعور به بصورة أشد في مجال السكن. ولكنه يقلص من إتاحة مناطق عامة مثل المتنزهات والملاعب والمنشآت الرياضية، وبالأساس المدارس. على سبيل المثال، حسب تقدير البلدية في السنة الدراسية 2021 – 2022 كان شرقي القدس يعاني من نقص 2000 صف، في حين أن جمعية “عير عاميم” تدعي أن النقص 3517 صفاً.
علاوة على ذلك، تعاني الأحياء العربية في شرقي القدس من نقص في البنى التحتية الفعالة وخدمات الجمهور. هذان الخللان ينبعان من استثمار غير كاف للأموال من ميزانية البلدية في شرقي القدس. من ناحية البنى التحتية، فإن سكان هذه الأحياء يشتكون من نقص في أرصفة الشوارع، وأن بيوتاً كثيرة غير مربوطة بشبكة المجاري أو شبكة المياه. أما من ناحية خدمات الجمهور، فيشيرون إلى مراكز رعاية العائلة وفروع بريد وبنوك. هذه المشكلات يمكن تحسينها عن طريق استثمار أموال إضافية في شرقي القدس، مثل أن تقوم البلدية بتشغيل المزيد من العمال لمعالجة موضوع الصرف الصحي.
الخطة 3790، التي شملت استثمار 2.2 مليار شيكل في شرقي القدس، جسدت ذلك جيداً، كما تدل على ذلك أقوال أحد سكان شرقي القدس: “من له عينان في رأسه سيرى تغييراً من ناحية البنى التحتية، وهذا وضع لم يكن موجوداً في السابق”. ولكن تقدم الخطة 3790 مهدد بسبب قرار الوزير سموتريتش الذي شطب مناقشة المرحلة الأكبر في الخطة عن جدول أعمال الكابنيت، وهي خطة من شأنها أن تبدأ في العام 2024. في المقابل، رغم أن الأمر لا يتعلق بالوضع المادي للمدينة، إلا أن نتائج إيجابية فيما يتعلق بالتعليم في شرقي القدس شوهدت مؤخراً. قبل العام 2018 وتطبيق الخطة 3790، هددت قضايا أساسية بتعويق الدمج الناجح لطلاب عرب من شرقي القدس في الجامعات الإسرائيلية، وأيضاً أعاقت الاندماج في اقتصاد إسرائيل.
أولاً، الفلسطينيون والإسرائيليون على حد سواء اعترفوا بأن تعليم اللغة العبرية في شرقي القدس “يعاني نقصاً كبيراً”. الكثير من الطلاب يجدون صعوبة في قراءة وكتابة العبرية، رغم سنوات التعليم الكثيرة. ثانياً، هو عدم اعتراف الجامعات الإسرائيلية بامتحان الثانوية الذي تعتمده السلطة الفلسطينية، والذي يشبه امتحان “البغروت” لدى إسرائيل. وهذا الأمر أدى إلى أن يفضل الطلاب العرب في شرقي القدس الدراسة في جامعات الضفة الغربية مثل جامعة بيرزيت، وإذا كانت لديهم إمكانيات الدراسة في جامعات دول عربية أخرى. في كل الأحوال، النتيجة هي تعميق الفجوة بين شرقي القدس والمجتمع الإسرائيلي عقب انخفاض التفاعل في مؤسسات التعليم العالي، وبعد ذلك أيضاً في سوق العمل.
هذا الوضع تغير بشكل كبير عند تطبيق الخطة 3790 في العام 2018. أولاً، في كل ما يتعلق باللغة العبرية، أكدت هذه الخطة على زيادة تعليم اللغة العبرية في مدارس شرقي القدس، سواء من ناحية التعليم أو من ناحية النتائج. جزء من الآباء الفلسطينيين عبروا عن معارضة هذه الخطوة بذريعة أنها تستهدف تشجيع “أسرلة” شرقي القدس. حتى لو أبعدنا المشاعر الوطنية، فالواقع الاقتصادي الحالي هو أن القدس مدينة ثنائية القومية، مع منطقة إسرائيلية مزدهرة أكثر في غربها. لذلك، إذا أراد الطلاب العرب أن تكون لديهم قدرة على المنافسة في سوق العمل الحالية، عليهم أن يكونوا قادرين على التواصل باللغة السائدة، وهي اللغة العبرية.
ثانياً، تطبيق الخطة تساوق مع تغييرات كبيرة في السياسة، التي سهلت التمويل والقبول في الجامعات الإسرائيلية في القدس، بالأساس الجامعة العبرية. التغيير الأول هو الحصول على التمويل من مجلس التعليم العالي الذي مكن الجامعات في إسرائيل من طرح منح لكل فلسطيني لبى مطالب القبول في هذه المؤسسات، وبهذا فتح الباب أمام آخرين كثيرين للدراسة هناك. فؤاد أبو حامد، أكد أهمية هذه المنح وأوضح أنه “لا شك في أن تمويل واهتمام المؤسسات الإسرائيلية كانت عوامل أساسية، وأنه يمكن لكل ولد وكل بنت، حتى لو كانوا فقراء، أن يتم قبولهم ما دامت علاماتهم جيدة”. التغيير الثاني هو أن الجامعة العبرية بدأت في الاعتراف بشهادة الثانوية، وألغت الحاجة لطلاب فلسطينيين ممتازين إلى استكمال دراسة سنة تمهيدية كشرط للقبول في الجامعة.
هذه السياسة أثمرت نتائج فورية، خاصة في الجامعة العبرية، التي أنهى فيها 278 طالباً من شرقي القدس الدراسة في المعهد الإعدادي في 2019، وهذا الأمر يوازي زيادة 54.4 في المئة مقارنة مع السنة الماضية. وأوضحت الإحصائيات حول من تعلموا في الجامعة العبرية في تلك الفترة، مثيرة للانطباع – 161 طالباً، الذين يشكلون زيادة 54.8 في المئة مقارنة مع السنة الماضية. هذه الأرقام واصلت ارتفاعها منذ ذلك الحين، و710 طلاب عرب تعلموا في الجامعة العبرية في 2022. هذه التطورات الإيجابية في التعليم بخصوص العرب في شرقي القدس تواجه التهديد الحقيقي والجوهري من قبل وزير المالية، سموتريتش، الذي تنبع معارضته للخطة 3790 بالأساس من البنود التي تشجع التعليم العالي للفلسطينيين في شرقي القدس.
بالإجمال، الصورة العامة التي تظهر من سياسة إسرائيل في شرقي القدس هي بالأساس صورة بائسة. ساهمت في هذه السياسة أربع نتائج اقتصادية – اجتماعية في شرقي القدس، وهي: نقص المساحة الشاغرة، ونقص البنى التحتية الفعالة، ونقص في خدمات الجمهور وعدم اليقين إزاء النتائج في سوق العمل وتحسين الفرص للتعليم للفلسطينيين في شرقي القدس. على المستوى الفردي، يمكن التقدير بأنه وضع يخلق ضغطاً اقتصادياً في أوساط الكثيرين من سكان شرقي القدس العرب، المرتبط بأزمة السكن ومستوى المعيشة المنخفض الذي ينبع من نقص المساحات العامة وخدمات الجمهور والعوائق أمام تحسين فرص التعليم، وفي المستقبل أيضاً الفرص الاقتصادية.
الرأي العام في شرقي القدس
الجزء السابق من هذه الدراسة، تناول وصف الضائقة الاقتصادية وظروف الحياة في شرقي القدس، وفصل الخطوط الأربعة لسياسة إسرائيل، التي ربما ساهمت في ذلك. في هذا الجزء، سيتم التطرق إلى الرأي العام في شرقي القدس استناداً إلى أربعة مصادر.
المصدر الأول هو النشرة السنوية الإحصائية للقدس، التي يصدر في كل سنة معهد القدس لأبحاث السياسات منذ العام 1982.
المصدر الثاني هو الباروميتر العربي، الذي يعتبر نفسه “شبكة أبحاث غير حزبية، تعرض تصورات عن المواقف السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمواطن العادي في أرجاء العالم العربي”. بيانات الباروميتر العرب تصل من مصادر فلسطينية وعربية، وتشمل بيانات أخرى غير مشمولة في السنويات الإحصائية للقدس، مثل معلومات عن مستوى تدين الفرد. الشريك المحلي المسؤول عن جمع البيانات في شرقي القدس والضفة الغربية للباروميتر العربي هو المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والاستطلاعات (بي.سي.بي.اس.آر) برئاسة الدكتور خليل الشقاقي.
المصدر الثالث هو نتائج استطلاع خاص أجري في شرقي القدس في تشرين الثاني 2022 من قبل الدكتور خليل الشقاقي.
المصدر الرابع هو نتائج استطلاع من حزيران 2022، الذي أجري بطلب من الدكتور ديفيد بولك من معهد واشنطن، ونفذه المركز الفلسطيني للرأي العام. وقد أجري هذا الاستطلاع في 6 – 21 حزيران 2022 وشمل عينة تبلغ 300 فلسطيني بالغ من السكان القانونيين في شرقي القدس، الذين يعيشون داخل حدود البلدية.
لتوحيد البيانات من هذه المصادر الأربعة وعرض نتائج لها صلة بأسئلة البحث الأخرى التي عرضت في هذا المقال، فقد قمنا بتنظيم البيانات حول ثلاثة مواضيع رئيسية: توجهات اقتصادية واجتماعية، وتوجهات سياسية، وتوجهات دينية.
توجهات اقتصادية
الوضع الاقتصادي المتدني في شرقي القدس مرتبط بعاملين أساسيين: الأول، أزمة السكن النابعة من توسيع الأحياء اليهودية في المنطقة ومن جدار الفصل. الثاني، نقص قدرة الفلسطينيين في شرقي القدس على تحويل إنجازات في مجال التعليم والثقافة إلى نتائج أفضل في سوق العمل، في تضافر مع التهديد بخفض التمويل لصالحهم في مجال التعليم والثقافة. استطلاع مركز “بي.سي.بي.اس.آر” في شرقي القدس يوفر دعماً آخر لهذا الاستنتاج. ويظهر أن نسبة المستطلعين قالوا بأن الأمر الذي يحبونه بدرجة أقل في الحياة في شرقي القدس هو الوضع الاقتصادي وغلاء المعيشة، الذي ارتفع من 3.9 إلى 6.1 في المئة في الأعوام 2010 – 2023، أو ارتفاع يبلغ 56.41 في المئة. يقدم الاستطلاع أيضاً دعماً ما للاستنتاج الثاني، حيث نسبة المستطلعين الذين قالوا بأنهم “يقلقون جداً” من “فقدان القدرة على الوصول إلى تعليم مناسب لابنهم”، ارتفعت من 31.6 في المئة في 2010 إلى 34 في المئة في 2022.
الدوريات السنوية الإحصائية للقدس التي ينشرها معهد القدس لأبحاث السياسات، تقدم بيانات عن التشغيل والفقر في شرقي القدس وتساهم في تقدير الوضع الاقتصادي هناك. بنظرة أولى، تشير بيانات الدوريات السنوية الإحصائية إلى حدوث تحسن في مجال التشغيل في شرقي القدس. يتبين من هذه البيانات أن نسبة البطالة في أوساط العرب في القدس في بداية العقد السابق تراوحت بين 10 – 12 في المئة. هذه النسبة في انخفاض منذ ذلك الحين بشكل مستمر، سواء في أوساط اليهود أو في أوساط الفلسطينيين، كما يبدو نتيجة لوباء كورونا.
من بين الدول التي تعد فيها نسبة الفقر الأعلى في العالم حتى العام 2023 نجد جنوب السودان في المكان الأول، 82.3 في المئة، وغواتيمالا في المكان العاشر، 59.3 في المئة. في الولايات المتحدة 11.6 في المئة من السكان يعيشون في فقر. وللمقارنة، في الفترة بين 2011 – 2020 حوالي 79.9 في المئة من الأطفال الفلسطينيين في القدس يعيشون في فقر. وبلغت في أوساط البالغين المنفصلين عن الأطفال وعن الشيوخ في هذه البيانات 72.8 في المئة، في حين تبلغ في أوساط العائلات 70 في المئة. يشار إلى أنه قد حدث انخفاض حقيقي في كل واحدة من هذه الفئات في هذه الفترة. نسبة الفقر في أوساط الأولاد انخفضت من 86 في المئة في 2011 إلى 70.3 في المئة في 2020، وانخفضت في أوساط البالغين من 81 في المئة إلى 61.4 في المئة. وفي أوساط العائلات من 75 في المئة إلى 57.3 في المئة. ولكن حتى بعد التحسن، فإن الفلسطينيين في شرقي القدس هم بين المجموعات السكانية الفقيرة في العالم.
الوضع الاقتصادي المتدني للفلسطينيين في القدس كما يتضح من البيانات السنوية الإحصائية ومن المكتب المركزي للإحصاء، تؤكده أيضاً بيانات الباروميتر العربي، ويعكس النتائج التي عرضت في استطلاع مركز (بي.سي.بي.اس.آر) التي يتضح منها أن المستطلعين يقلقون جداً من الوضع الاقتصادي. خلال الفترة بين 2010 – 2021، عندما سئلوا عن “ما هو التحدي الأهم الذي يقف أمام فلسطين الآن”، في أربع جولات استطلاع من خمس، أجاب معظم الفلسطينيين في شرقي القدس بأن التحدي هو الوضع الاقتصادي (في 2022 أجابوا بأن التحدي هو الأمن والاستقرار). متوسط يبلغ 34.33 في المئة أشاروا إلى هذا التحدي خلال كل الفترة حسب الباروميتر العربي، أي بين الأعوام 2009 – 2022.
بخصوص المخاوف الاقتصادية للعرب في شرقي القدس – كما يبدو أيضاً لعدم كفاية ساعات عملهم– يبدو أن طبيعة تشغيلهم غير مجدية تماماً رغم النسبة المرتفعة نسبياً للتعليم العالي في أوساط هؤلاء السكان. وحسب البيانات السنوية الاحصائية وبيانات المكتب المركزي للإحصاء، فإنه خلال الأعوام 2012 – 2021 كان متوسط نسبة الحاصلين على اللقب الأول في قوة العمل في أوساط العرب في شرقي القدس 63.3 في المئة، ومتوسط نسبة للحاصلين على اللقب الثاني هو 72.9 في المئة. المعدلات الموازية في أوساط السكان اليهود في القدس كانت 88.9 و90.9 في المئة على التوالي. حسب هذه البيانات، يتوقع أن السكان اليهود في القدس سيعملون في وظائف أعلى مع راتب أكبر – هكذا هو الأمر. مع ذلك، إذا أخذنا في الحسبان النسبة العالية نسبياً للحاصلين على تعليم عال في أوساط سكان شرقي القدس، فإن الفجوة بينهم وبين اليهود الإسرائيليين بخصوص الوظائف الرفيعة ومرتفعة الدخل لما يجب أن تكون واسعة كما هي. مثلاً، في الأعوام 2017 – 2021 كان متوسط نسبة سكان القدس اليهود الذين عملوا في الهايتيك 8 في المئة، في حين متوسط نسبتهم في أوساط العرب كان 0.9 في المئة فقط. إضافة إلى ذلك، سجل في أوساط اليهود زيادة 12 في المئة في هذه الفترة مقارنة مع السنة الماضية في التشغيل في قطاع الهايتيك، في حين انخفضت في أوساط العرب في شرقي القدس. بشكل مشابه، متوسط نسبة اليهود الذين تم تشغيلهم في سلك الأكاديميا في الأعوام 2012 – 2021 كان 37.2 في المئة، في حين أن الفلسطينيين في شرقي القدس تم تشغيلهم في الأكاديميا بنسبة 15.8 في المئة. في المقابل، وفي الفترة نفسها، فإن نسبة الفلسطينيين العرب في شرقي القدس الذين عملوا في أعمال لا تحتاج إلى كفاءة خاصة، كانت بالمتوسط 18 في المئة، في حين أنها بلغت في أوساط اليهود 7.1 في المئة.
للإجمال، تدل البيانات على أن الكثيرين في أوساط الفلسطينيين في شرقي القدس المشاركين في قوة العمل، يكتفون بأعمال أقل سمواً وبراتب أقل رغم المعدل المرتفع للحاصلين على تعليم عال في أوساط السكان.
سيكون من الخطأ القول إن البيانات تعرض صورة مخيبة للأمل تماماً للوضع الاقتصادي في شرقي القدس. فالبيانات تشير بوضوح إلى انخفاض في نسبة البطالة وإلى انخفاض في نسبة الفقر المرتفع في هذه المنطقة من المدينة. ولكن رغم التحسين، فما زال الناس قلقين جداً من الوضع الاقتصادي، وبقيت نسبة الفقر مرتفعة، هذا بالأساس بسبب عاملين: الأول، أزمة السكن في الأحياء العربية في شرقي القدس، الذي ينبع من توسيع الأحياء اليهودية في المدينة، ثم جدار الفصل الذي يواصل جباية الثمن؛ بمعنى ارتفاع الأسعار وتقليل المساحات. والسبب الثاني هو أنه رغم تقدم ما في مجال التعليم والتعليم العالي في شرقي القدس إلا أن هناك دلائل على أن السكان لم يترجموا تقدمهم في هذا المجال إلى مكاسب اقتصادية في سوق العمل بنجاح. ويحوم في الأفق تهديد جدي، وهو تقليص التمويل للدفع قدماً بالتعليم العالي للعرب في شرقي القدس على خلفية معارضة وزير المالية سموتريتش للأموال المخصصة لمواصلة وتوسيع الخطة 3790. إضافة إلى ذلك، فإن تقليصاً محتملاً لهذا التمويل هو أمر مقلق في ضوء الإنجازات الواعدة، لا سيما في مجال التعليم العالي للعرب في شرقي القدس في الأعوام 2018 – 2023، والمرتبطة بتمويل الخطة 3790.
ديرك ليف
نظرة عليا 9/8/2023