الناصرة- “القدس العربي”:
يحذر معهد دراسات الأمن القومي، التابع لجامعة تل أبيب من احتمال تردّي العلاقات التحالفية الإستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، ويقدم سلة توصيات لحكومة الاحتلال فيها لمنع تدهورها.
قال “المعهد” إن الخلافات بين الولايات المتحدة وإسرائيل تتعمّق، ولا يبدو، حتّى بعد اللقاء بين الرئيس هرتسوغ والرئيس بايدن في البيت الأبيض، والمُحادثة الهاتفية بين الأخير ورئيس الحكومة نتنياهو، في 17 تموز/ يوليو، أن الإدارة الأمريكية في صدد إبداء ليونة في رسائلها بشأن قلقها العميق من سياسات حكومة الاحتلال، في سياق الدفع قدماً بالتشريعات القانونية، وكذلك السياسات في الساحة الفلسطينية. وينبه إلى أنه، حتّى الآن، على الرغم من الوعد بعقد لقاء في الولايات المتحدة بين بايدن ونتنياهو في الأشهر القريبة، فإنه يبدو أن عقده، ونتائجه طبعاً، كلّها أمور ستتأثّر بالتطوّرات في إسرائيل.
دراسة: من دون قيم مشتركة مع الولايات المتحدة لا توجد مصالح مشتركة، ولا علاقات خاصة.
ويضيف المعهد: “بعد حواراته مع القيادة الإسرائيليّة، رأى الرئيس بايدن مُباشرة أنّه من المهم التوضيح، عبر المحلّل في صحيفة “نيويورك تايمز”، توم فريدمان، أن “حركة الاحتجاجات المستمرة (في نظره) تعكس قوّة الديمقراطية الإسرائيلية التي تقع في صلب العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل”. وبحسبه، فإنه “يجب الوصول إلى إجماع في الموضوعات السياسية التي توجد خلافات بشأنها، ويجب أخذ الوقت اللازم، مؤكداً على أن هذا ضروري عندما يدور الحديث حول تغييرات جدّية”. وفي هذا السياق، شدّد بايدن قائلاً: “أوصي القيادة الإسرائيليّة ألا تتسرّع، أنا أعتقد أن النتيجة الأفضل ستكون عبر التوصل إلى أوسع اتفاق ممكن”.
كما ينبّه المعهد إلى أنه حتّى قبل ذلك، قال الرئيس بايدن، خلال مقابلة صحافية تطرّق فيها إلى حكومة الاحتلال، إنها في نظره “إحدى أكثر الحكومات تطرفاً”، وإن بعض الوزراء في الحكومة هم “جزء من المشكلة”، وخصوصاً في كُل ما يخص القضية الفلسطينية. وفي هذا السياق، عاد بايدن مكرّراً طلبه من إسرائيل، خلال محادثته مع رئيس حكومتها نتنياهو، أن تتخذ خطوات تحفظ إمكان حل الدولتَين، وتضمن الاستقرار الأمني ميدانياً”.
ويرى معهد دراسات الأمن القومي أن هناك إسقاطات ودلالات لهذه الحالة، أهمها أنه من دون قيم مشتركة مع الولايات المتحدة لا توجد مصالح مشتركة، ولا علاقات خاصة.
ويقول إن الولايات المتحدة قوّة عظمى تعمل وفقاً لمصالحها فقط، وتكمن أهمية إسرائيل بالنسبة لها في مجالَين مركزيَين؛ التكنولوجيا، والقوّة الأمنية. مرجحاً أنه ستكون أهمية إسرائيل في هذَين المجالَين ذات معنى فقط في حال بقيت ملتزمة بالقيم المشتركة التي تُعرّف هذه العلاقات الخاصة.
ويحذر المعهد من الإسقاطات:
“إنْ تغيّرت إسرائيل وابتعدت عن القيم “الديموقراطية” للولايات المتحدة، فستتعارض تقويتها في هذه المجالات مع المصلحة الأمريكية، التي يبدو أنها تستطيع إقامة علاقات واسعة مع دول لا يجمعها أي شيء بما يخص حقوق الإنسان، والديمقراطية، والليبرالية، والاقتصاد الرأسمالي. لكن هذا صحيح فقط في حال كان لهذه الدول موارد أو أرصدة ضرورية للأمن القومي الأمريكي أو الاقتصاد الأمريكي.
لا تملك إسرائيل أي موارد طبيعية نادرة، كما أن موقعها الجغرافي غير ضروري للولايات المتحدة، وهي ليست جزءاً من أي حلف دفاعي، كما أن رأس مالها البشري التكنولوجي، على الرغم من أهميته، فهو ليس حكراً لها”.
ويرى المعهد أنه، للمرّة الأولى في التاريخ بين الدولتَين، الولايات المتحدة قلقة على إسرائيل كدولة ديمقراطية، ويقول إن التوتّرات في منظومة “العلاقات الخاصة” بينهما ليست بالأمر الجديد، إلاّ إن التشكيك في وجود مرساة أساسية للعلاقات هو أمر لم نشهده سابقاً. ويؤكد على أن العلاقات مع الولايات المتحدة هي ما يصنع الفرق بين إسرائيل كقوّة إقليمية وكونها دولة صغيرة ذات قدرات محدودة.
وعن ذلك يضيف: “تستطيع إسرائيل الصمود حتى لو تم تقليص الدعم الأمريكي لها، ويمكنها البقاء. لكن هذا سيؤثّر، بصورة كبيرة، في قوّتها الأمنية، ورفاهها الاقتصادي، وجودة حياة مواطنيها. وهُنا يجب الإشارة إلى أننا لسنا قريبين من حالة، سيتم فيها نزع الدعم الأمريكي الشامل عن إسرائيل، لكن الاتجاه المستمر وطويل الأمد سلبي جداً. هذا لا يرتبط فقط بسياسات إسرائيل، بل أيضاً بالتغييرات الداخلية في المجتمع والسياسة الأمريكية”.
الولايات المتحدة قوّة عظمى تعمل وفقاً لمصالحها فقط، وتكمن أهمية إسرائيل بالنسبة لها في مجالَين مركزيَين؛ التكنولوجيا، والقوّة الأمنية.
وفي الجانب المتعلق بالانعكاسات على الصراع الكبير ينبه المعهد إلى أن الإدارة الأمريكية تعارض بشدّة الإصلاحات القضائية وسياسات إسرائيل في الضفة الغربية. موضحاً أن المواقف ليست جديدة، أمّا اللغة الحادة وخطورة الرسائل، فبلى: تقوم الإدارة بكلّ ما يمكن بهدف التشديد على معارضتها ما تقوم به الحكومة في سياق الإصلاحات القضائية والسياسات في الضفة الغربية، التي هي، في نظر الإدارة، تضع حل الدولتَين في خطر.
ويتابع: “الولايات المتحدة محبطة من موقف إسرائيل بشأن الصين، ومن سياساتها في سياق الحرب الروسية– الأوكرانية. يشتّت التوتّر في إسرائيل تركيز الإدارة على القضايا الموجودة على رأس سلم أولوياتها في مجال السياسة الخارجية؛ وعلى رأسها الصين والحرب الروسية- الأوكرانية. وفي ما يتعلق بالصين، هُناك إحباط مستمر ومتصاعد من سياسة إسرائيل، ومن أنها في نظر الإدارة، لا تعترف تماماً بالقلق الأمريكي في هذا المجال”.
وفي الشأن الفلسطيني، يقول المعهد أيضاً إنه على صعيد السياسة الأمريكية الداخلية؛ الناخبون الديمقراطيون يدعمون الفلسطينيين أكثر وإسرائيل أقل. وعن ذلك يتابع: “تشير استطلاعات الرأي التي أُجريت مؤخراً إلى أن أغلبية الناخبين الديمقراطيين يدعمون الفلسطينيين الآن. هذه المواقف تتطابق مع تصريحات المسؤولين الديمقراطيين منذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة، سنة 2020، إذ كانت هُناك مطالبات بربط المساعدات الأمريكية العسكرية لإسرائيل بسياساتها في الضفة الغربية المحتلة. هذه المواقف تحصل على اهتمام متصاعد، حتّى لو لم تكن الموقف الموجه للحزب الديمقراطي.
وضمن القراءة لواقع العلاقات الثنائية، يقول المعهد إن الولايات المتحدة تصبح أقل تديُّناً، بينما إسرائيل تصبح أكثر تديُّناً: هذا هو الاتجاه الواضح في المجتمع الأمريكي، إذ هُناك ارتفاع مستمر في أعداد الجمهور الذي يعرّف ذاته بأنه ملحد، أمّا الاتجاه في إسرائيل، فهو عكس ذلك.
ويرى أيضاً أن يهود الولايات المتحدة يبتعدون عن إسرائيل، وذلك أساساً بسبب سياسة إقصاء تيّارات غير أورثوذكسية من “المعسكر”، ويقول إن رفض إسرائيل الاعتراف بالتيّارات الإصلاحية والمحافِظة، التي تشكّل جزءاً كبيراً من يهود الولايات المتحدة، يعزّز شعور الاغتراب عن إسرائيل. ويرى أن الحديث يدور حول تيّارات تعرّف ذاتها كليبرالية تتشارك الرؤية نفسها مع الإدارة، وتشاركها قلقها أيضاً إزاء كُل ما يخص الصراع الإسرائيلي– الفلسطيني.
دراسة: الولايات المتحدة تصبح أقل تديُّناً، بينما إسرائيل تصبح أكثر تديُّناً.
ويقدم معهد دراسات الأمن القومي سلة توصيات سياسية:
“يجب على حكومة إسرائيل أن توقف مسار التشريع الأحادي الجانب، وأن تعمل على الوصول إلى اتفاق وطني واسع. لهذا الموضوع علاقة مباشرة بتقليل حدّة التوتّر، أو تخفيفها في العلاقات مع أمريكا. ستمتنع الإدارة الأمريكية عن التدخّل المباشر الفعّال فيما يحدث من تغييرات في النظام القضائي في إسرائيل، في حال حدثت باتفاق بين المعسكرات المتعددة في إسرائيل”.
ويكرر المعهد موقفه بأنه يجب على هذا الاتفاق أن يعكس مواقف المعسكرات من جانبَي الخارطة السياسية، وأنه يجب عدم الوصول إلى وضع يحسم فيه أحد الطرفَين، إنما تقليل التوتّر بصورة مشتركة. كما يوصي بالامتناع عن خطوات أحادية الجانب تخرق الوضع القائم ميدانياً ومبادرة فاعلة إسرائيلية في الساحة الفلسطينية. ويقول، محذراً، إن الاستمرار في السياسات الحالية سيؤدي بالأمريكيين، في نهاية المطاف، إلى الاعتراف بحل الدولة الواحدة، حتّى لو لم يحدث هذا في الأعوام القريبة. من غير المؤكد أن تحول إسرائيل مستقبلاً إلى “دولة جميع مواطنيها” سيتطابق مع الطموحات القومية لأغلبية مواطني إسرائيل الذين يعتبرون أنفسهم صهيونيين”. كما يشير المعهد إلى قلب طريقة العمل؛ تقريب التيّارات اليهودية المتعددة بدلاً من إبعادها: إن استمرار الاتجاه الحالي يترك وراءه أضراراً صعبة تتمثل بتسريع الانقسام داخل اليهودية، وعدم المبالاة في أواسط القيادة الشابة لليهود في الولايات المتحدة. إن أبناء جيل الألفية الثانية الذين وُلدوا لعائلات مختلطة، وكبروا بانتماء إلى الشعب اليهودي، سيتوقّفون عن التزامهم الصهيونية وأصولهم اليهودية. بذلك، يمكن أن نخسر النخبة القادمة في الولايات المتحدة”.
ويخلص المعهد للقول إنه عندما يتم تفعيل قوّة عسكرية كبيرة، يجب القيام بذلك بالتنسيق مع الولايات المتحدة، لافتاً إلى أن هذه التوصية مهمة أساساً بسبب التهديدَين المركزيَين على أمن إسرائيل القومي؛ التهديد الإيراني والتهديد الفلسطيني. في الحالتَين، لن تحل القوة العسكرية وحدها المشكلة، ويمكن فقط أن تُفاقمها. هذا بالإضافة إلى أنه، في الحالتَين، فإن انعدام التنسيق مع الولايات المتحدة له إسقاطات خطِرة على صعيد الإنجاز العسكري وعلى صعيد استقرار النتيجة بعد نهاية المعركة”.