الناصرة ـ ‘القدس العربي’: قالت دراسة جديدة صادرة عن مركز أبحاث الأمن القوميّ الإسرائيليّ، التابع لجامعة تل أبيب إنّ ما يُسّمى بالربيع العربي أحدث حالة جديدة تماماً واختلالات جديدة في الشرق الأوسط.
ولفت مُعّد الدراسة، تسفي ماغين، الخبير في الشؤون الروسيّة، إلى أنّ التغييرات الحاصلة ذات أبعاد (بنائية)، ويبقى من غير الواضح الكيفية الذي سيخرج بها. ولا يبدو أنّ هذه العملية ستنتهي وسوف يكون لها، بلا شك، تداعيات على الاستقرار الدولي في المستقبل المنظور.
وقد تسبب ذلك للقوى العظمى الخوف من رؤية نفوذهم الإقليمي يتراجع، الأمر الذي سيؤثر على الاستقرار العالمي، مشددًا على أنّ روسيا ليست استثناءً في هذا الصدد.
وساق ماغين قائلاً إنّه من الواضح أنّ جذور هذه التصورات تعود إلى صعود القوى الإسلاميّة الذي أعقب انهيار الأنظمة السياسية العلمانية. فالفائز الرئيس هو الكتلة السنية، التي تعتبر في حالة صعود وتخوض صراعاً مريراً ضد المعسكر الشيعي. ويشمل الأخير أعضاء المحور المتداعي المعادي للغرب: إيران وسوريّة وحزب الله في لبنان. ويبدو أنّ حماس في طريقها للخروج، على حد قوله. هذا المعسكر الشيعي، تحت القيادة الإيرانية، عانى من انتكاسة كبيرة في إستراتيجيته على صعيد قيادة النضال الإسلاميّ ضد الغرب، وهو يرزح اليوم تحت ضغط مزدوج من المعسكر السني والغرب. أما الهدف المشترك بينهما فهو إجبار الإيرانيين على التخلي عن برنامجهم النووي ودفع سوريّة إلى الجانب السني، بحسب رأيه.
من ناحية أخرى، فإن الفائزين في الثورة العربية، زاد الخبير الإسرائيليّ في دراسته الجديدة، لا يملكون برنامجًا واضحًا ولا أدوات حكم فعالة، فالحكم الغوغائي لا يزال سائدًا ومهيمنًا في هذه الدول ما بعد الثورة.
مشيرًا إلى أنّ المستقبل غير واضح وغير مستقر، بينما تتزايد المنافسة على زعامة إقليمية جديدة، وقد تتكشف التطورات في المنطقة عن مسائل هي كالتالي: من المحتمل، على المدى القصير، أن يظل الوضع غامضًا وغير مستقر. الاحتمال الثاني، قد تتدهور الحالة، على المدى المتوسط، بسبب صعود القوى الإسلامية (وربما القوى الإسلامية المتطرفة) وتزايد خطر حصول نزاعات في المنطقة. لكن، على المدى الطويل، وهذا برأي ماغين الاحتمال الثالث، أنّه قد يتحسن الوضع بالفعل، وذلك بفضل استمرار العمليات الديمقراطية في دول ما بعد الثورة. وأوضح الباحث الإسرائيليّ إننّا نشهد، في أعقاب الربيع العربي، حقبة جديدة من المنافسة بين القوى الكبرى على النفوذ في المنطقة. أما فيما يتعلق بالجهود الرامية لتعزيز المصالح الروسية الإقليمية والعالمية، فمن الواضح أن السياسة الروسية في الشرق الأوسط تابعة لموقفها الدولي ضد الولايات المتحدة، وهو ما يعكس تطلع روسيا للحفاظ على مجالات نفوذها.
وساق قائلاً إنّه يمكننا أن نرى أن روسيا تسعى إلى سياسة مستقلة وتتنافس مع الغرب لتشكيل النظام المستقبلي للمنطقة. ذلك أنّه باعتقاد روسيا فإنّ الاضطرابات في الشرق الأوسط قد أضعفت الولايات المتحدة، ولكن يبدو أن النشاط الروسي في الشرق الأوسط يتأثر بالحقائق الجديدة وغير المتوقعة في المنطقة كذلك. إذ تجد روسيا نفسها وقد تراجع نفوذها الإقليمي بشكل كبير، ما اضطرها لتغيير مواقفها وتكتيكاتها والبحث عن خيارات جديدة.
وبحسب الدراسة، ترى روسيا بأنها، في الوضع الحالي غير المستقر والذي لا يمكن التنبؤ به، لا تزال ذات صلة، ولاعب سياسي إقليمي وعالمي مؤثر. وعلى هذا النحو، لا تحاول روسيا أن تكون مشمولة في العمليات السياسية في الشرق الأوسط، فحسب، إنما تسعى أيضاً لتشكيل كتلة من الدول الداعمة في المنطقة، استنادا إلى عناصر راديكالية.
من ناحية أخرى، قالت الدراسة الإسرائيليّة، تشعر روسيا بالانزعاج، إذ تجد نفسها في وضع جديد وغير سار، محاصرة في مواجهة صعبة بين كتلتيّ السنة والشيعة. وبعد مرور عامين من إدارة ظهرها للأنظمة المنهارة ودفاعها عن النظام السوري، تجد روسيا نفسها تدعم المعسكر الشيعي المنهار المؤلف من إيران، سوريا وحزب الله، في حين أن المعسكر السني، بحسب الفهم الروسي، مدعوم من قبل الولايات المتحدة في صراعه ضد الشيعة.
وهذا الموقف الروسي يمكن أن يخلق تداعيات سلبية بالنسبة لروسيا إذا ما قام السنة بأعمال متطرفة ضد روسيا. باختصار، شدد الباحث ماغين، يبدو أن إنجازات الربيع العربي قد خلقت تحديات بالنسبة للمجتمع الدولي، وذلك بسبب صعود القوى الإسلامية والنزاع حول الهيمنة الإقليمية. في هذه الظروف، أصبح التنافس بين القوى العظمى حول النفوذ الإقليمي حقيقة واقعة بالفعل.
وبالتالي، في هذا الصدد، وإذا ما تم تفكيك المعسكر المناهض للغرب، يجب على روسيا وضع إستراتيجية تسمح لها بفتح حوار مع المعسكر السني، بغض النظر عن مدى صعوبة ذلك ربما. أما الأمر الأهم فهو إخماد التنافس المتزايد مع الغرب، وإيجاد قاسم مشترك بخصوص الأنشطة المستقبلية في الشرق الأوسط المتغير، وخلصت الدراسة إلى القول إنّه خلافًا ذلك، وإلى جانب الخيارات الجديدة، هناك إمكانية لعواقب خطيرة على الاستقرار العالميّ، على حد تعبيرها.