غزة – “القدس العربي”:
على وقع فعاليات “العصيان” التي يقوم بها الأسرى الإداريون في هذا الوقت، رفضا لإجراءات أجهزة الأمن وإدارة سجون الاحتلال، أصدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، ورقة علمية، تناولت البحث في ملف الأسرى، وتحديدا مستقبل مقاومة الاعتقال الإداري، ووضعت عدة توصيات، من أبرزها تقنين الإضرابات الفردية، والانتقال في الخارج من الفعل التضامني في إسناد الأسرى إلى “الفعل الكفاحي الجاد” الذي يُربك سلطات الاحتلال.
وحملت الورقة عنوان “مستقبل مقاومة الاعتقال الإداري بين الإضرابات الجماعية والفردية، في ضوء استشهاد الشيخ خضر عدنان”، وهي من إعداد الدكتور نهاد محمد الشيخ خليل، الأستاذ المتخصص في الشأن الفلسطيني، وتناولت الورقة أربعة محاور، أولها تشخيص واقع مقاومة الاعتقال الإداري من خلال استخلاص تجارب معارك الأمعاء الخاوية على المستوى الجماعي، وكذلك الإضرابات الفردية، والثاني يحدد السيناريوهات المحتملة، أما الثالث فيبحث خيارات الاحتلال، ويناقش الرابع خيارات الفلسطينيين.
حيث رأى الباحث أن استشهاد القائد الوطني خضر عدنان داخل السجن يفرض على الباحثين محاولة استشراف إلى أين تتجه الأمور المتعلقة بمقاومة الاعتقال الإداري، بالإضافة إلى فحص الخيارات المتاحة أمام الفاعلين.
توظيف الاعتقال الإداري
وأشارت الورقة إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يوظِّف الاعتقال الإداري كأداة لاستنزاف الحركة الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية، خاصة فصائل المقاومة، والكوادر الناشطة في دعم المقاومة. وقد كلّف الاعتقال الإداري الكثير من الكوادر الناشطة سنوات طويلة من أعمارهم، وأحدث حالة من الاستنزاف وعدم الاستقرار للفصائل وللعمل التنظيمي في الضفة الغربية، وقد حرص الاحتلال في السنوات الماضية على ألاّ يتم الإفراج عن الأسرى المضربين إلا قبيل أن تتدهور حالتهم الصحية إلى حدّ الوفاة. وفي المقابل أخذ المعتقلون الإداريون على عاتقهم الاستمرار في مقاومة الاعتقال الإداري، وقد حققوا عدداً من النجاحات، لكن الاحتلال استجمع خبراته، وتابع تصعيد الاعتقال الإداري، متجاهلاً الاحتجاجات والإضرابات، ووصل تجاهل الاحتلال لهذه الإضرابات إلى ذروته باستشهاد الشيخ خضر عدنان.
وحددت ورقة السياسات أربعة سيناريوهات لأساليب مقاومة الاعتقال الإداري بعد استشهاد خضر عدنان، ويتمثل الأول في احتمال حفاظ “إسرائيل” على سياستها السابقة في إنهاك أجساد الأسرى المضربين عن الطعام، والإفراج عنهم بعد أيام طويلة ومرهقة من الإضراب. ويذهب السيناريو الثاني إلى احتمال تصعيد إسرائيل لسياستها ضدّ إضرابات الأسرى الإداريين الفردية، في حين يشير السيناريو الثالث إلى احتمال إحجام الأسرى الإداريين عن الإقدام على الإضراب الفردي، في ضوء قدرة الاحتلال على احتواء آثار هذه الإضرابات لدى الرأي العام المحلي والدولي، أما السيناريو الرابع والأخير، فيتمثّل في احتمال تطوير الفصائل والجمهور الفلسطيني ومؤسسات حقوق الإنسان وجمعيات الأسرى لرؤى وخطط نضالية تضامنية قادرة على التأثير.
وتوقعت الورقة أن يتبنى الاحتلال سياسة متشددة بشكل عام، غير أنها تحمل هامشاً من المرونة النسبية بحسب تقدير الأوضاع، وتجمع بين المد والجزر في التعامل مع محاولة إخضاع الأسرى الإداريين، ويُرجح ألا يستجيب لإضرابات الأسرى الفردية إلا إذا حدثت تطورات دراماتيكية في موضوع الإضرابات والتضامن معها، بحيث يصل جهاز المخابرات الشاباك إلى تقدير موقف بضرورة وقف التصعيد، وبالتالي قد يضطر بنيامين نتنياهو إلى التدخل وضبط درجة التشدد لدى بن غفير، ولو بشكل تكتيكي.
وعن خيارات الاحتلال في التعامل مع مقاومة الاعتقال الإداري، فقد حددت الورقة ثلاثة خيارات، أولها أن يعمد الاحتلال إلى كسر إرادة الأسرى المضربين، ومن ثم رفع كلفة الإقدام على الإضراب، وتقليص العائد من ورائه إلى حدّ الصفر، وهو الخيار المفضل لوزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير الذي يتولى الإشراف على السجون، ويتمثّل الخيار الثاني للاحتلال في تدخل رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وجهاز “الشاباك” في ضبط سياسة الوزير المتطرف ايتمار بن غفير.
أما المرجَّح في تعامل الاحتلال مع مقاومة الاعتقال الإداري فهو الخيار الثالث، حيث توقعت الدراسة أن تراوح المسألة بين مد وجزر، بحيث يذهب بن غفير إلى أقصى مدى، ثم تتدخل رئاسة الوزراء في لحظة معينة، بتوصية من الشاباك، للحد من الآثار السياسية والدبلوماسية والأمنية بشكل لا تتجاوز أضرارُها الفوائد المتوخاة من الممارسات المتشددة.
كما بحثت الورقة في خيارات الفلسطينيين في مواجهة سياسة الاعتقال الإداري والسعي لإسقاطها، وحددتها بثلاث خيارات، يتمثل الخيار الأول في استمرار الحالة الراهنة من إقدام الأسرى الإداريين على الإضراب بشكل فردي، ويدعم هذا الخيار أن الحركة الوطنية الفلسطينية بأطيافها المتعددة لم تنجح تماماً حتى الآن في التعامل مع هذا الملف، وبالرغم من قناعة أغلبية التنظيمات بضعف جدوى الإضرابات الفردية، إلا أنها لا تستطيع إلزام عناصرها بعدم الإقدام على الإضراب الفردي، ويتمثّل الخيار الثاني في اعتبار الحركة الوطنية الفلسطينية أن موضوع الأسرى قضية وطنية ذات أولوية، وأنها قضية نضالية وعنوان للمقاومة، وإدراج مقاومة الاعتقال الإداري في هذا السياق، أما الخيار الثالث، فيعتمد على مدى موافقة السلطة الفلسطينية وقيادة منظمة التحرير على تبني هذه القضية، والمتمثلة في العمل الدبلوماسي والحقوقي نصرةً للأسرى.
خيارات المواجهة
وتوقعت الورقة أن يكون خيار الأسرى وقوى المقاومة في مواجهة سياسة الاعتقال الإداري هو الخيار الأول، والذي يرجح استمرار الحالة الراهنة من إقدام الأسرى الإداريين على الإضراب بشكل فردي، لأن طاقة الفعل لدى المعتقلين الإداريين محدودة، والفصائل والسلطة لا ترى في الإضرابات الفردية أولوية. في حين أشارت الورقة أن الخيار المفضَّل والممكن، لو توفرت الإرادة، فيتمثل في المزج بين الخيارين الثاني والثالث، وفي هذه الحالة يمكن لفعاليات المقاومة أن تُبنى على كل الدروس المستفادة من الإضرابات الجماعية السابقة.
واختتمت الورقة بجملة توصيات، فأوصت الأسرى بتقنين الإضرابات الفردية، من حيث ملاءمة توقيتها لتحشيد الشارع، ومدى إلحاح الحالة التي تنوي خوض الإضراب، بالإضافة إلى التنسيق بين الأسرى الإداريين، وبين الأسرى المحكومين، وبين قيادة الفصائل والسلطة، والعمل وفق خطة محكمة ومتصاعدة، كما أوصت الفصائل الفلسطينية باعتماد إستراتيجية عمل مستدامة وأكثر تنسيقاً، ومجمع عليها من قبل الفصائل، والانتقال من الفعل التضامني في إسناد الأسرى إلى الفعل الكفاحي الجاد الذي يُربك سلطات الاحتلال.
كما أوصت الإعلام باعتبار موضوعات الأسرى بشكل عام، وموضوع الإضرابات بشكل خاص، قضية ذات أولوية قصوى، وبطريقة لا تستنزف مشاعر الناس، بل تساعد على التحشيد، وتدفع باتجاه مشاركة الجماهير في الفعاليات.
كذلك أوصت الورقة المؤسسات الحقوقية بالعمل على إعداد التقارير التي تبين جرائم الاحتلال، وتوزيعها على كل المؤسسات والناشطين على مستوى العالم، ومطالبتهم باتخاذ مواقف حشد ومناصرة لهذه القضية العادلة. ثم أوصت بالتواصل مع الحراكات الفلسطينية ذات الامتداد العالمي وحثها على إبراز جوانب الإجرام في تعامل الاحتلال مع الأسرى، وطالبت أيضا السلطة والقيادة الرسمية الفلسطينية، بالتحرك الجاد في أروقة المؤسسات الدولية من أجل إدانة “إسرائيل”، وفرض عقوبات على انتهاكها لحقوق الأسرى، بالإضافة إلى التوجه إلى محكمة لاهاي، ومطالبتها بتجريم سلوك الاحتلال بحق الأسرى، وحثه على التراجع عنها.