دراسة مقارنة بين كل من قنوات ‘الجزيرة’ و’العربية’ و’الحرة’

حجم الخط
0

يكثر الحديث بين الإعلاميين والمهتمين بالإعلام عن تغطيات القنوات الإخبارية للأحداث الساخنة في منطقتنا العربية ويقارنون بينها باستمرار، كموضوع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. عند تتبع آراء المهتمين بهذه التغطيات، يُلاحظ أن آراءهم غير مبنية على أسس واحصائيات علمية، بل على أهواء ومواقف شخصية تناسب انتماءاتهم السياسية والفكرية ومصالحهم الذاتية.
لقد بحثت في موضوع التغطية الإعلامية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي في رسالتي للدكتوراه التي حملت العنوان التالي: ‘التغطية الإعلامية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي في النشرات الإخبارية الرئيسية لكل من قناة الجزيرة ‘حصاد اليوم’ وقناة العربية ‘أخبار السادسة’ وقناة الحرة ‘العالم اليوم’. الدراسة اعتمدت على جميع التقارير التي’بُثت عن الصراع الفلسطيني الاسرائيلي في القنوات الثلاث طوال أشهر أيار/مايو وحزيران/يونيو وتموز/يوليو من عام 2005.
في هذا المقال سأعرض نتائج التحليل الكمي النوعي الخاصة بظهور الجهات الفاعلة في الصراع، من فلسطينيين وإسرائيليين ووسطاء دوليين، في كل من المقابلات الإخبارية والتقارير الإخبارية المصورة والتصريحات السياسية، كما ظهرت في الفترة الزمنية موضوع الدراسة، مركزاً على الجهات الفاعلة الفلسطينية بصورة خاصة.
الجهات الفاعلة في المقابلات الإخبارية:
وهي المقابلات التي تجريها القنوات الإخبارية الثلاث في نشرات أخبارها الرئيسية مع سياسيين وخبراء ومحللين سياسيين وصحافيين وغيرهم للتعمق في خبر ما. في فترة الدراسة أجرت قناة الجزيرة الإخبارية 52 مقابلة مع فلسطينيين و13 مقابلة مع إسرائيليين و11 مقابلة مع وسطاء دوليين و7 مقابلات إخبارية فقط مع مراسليها. أما العربية فأجرت 36 مقابلة مع فلسطينيين و7 مقابلات مع إسرائيليين و7 مقابلات مع وسطاء دوليين و12 مقابلة مع مراسليها. في حين أجرت قناة الحرة 7 مقابلات إخبارية مع فلسطينيين و5 مع إسرائيليين و3 مقابلات مع وسطاء دوليين و17 مقابلة إخبارية مع مراسليها في الضفة الغربية وقطاع غزة.
الملاحظ هنا أن قناتي الحرة والعربية تجريان مقابلات مع مراسليها أكثر من قناة الجزيرة. أن تجري قناتي العربية والحرة مقابلات مع مراسليها يعني’أنها تسعى لتقديم معلومات إخبارية موضوعية عن الحدث لمشاهديها. أما إقبال قناة الجزيرة على إجراء مقابلات إخبارية مع غير مراسليها، يؤشر إلى أن القناة تسعى للحصول على وجهات نظر عن الحدث وتفسيرات له. وهذا أمر يخلق نوعاً من الاستقطاب السياسي لدى المشاهدين. إذ من الممكن أن يقبل المشاهد وجهة نظر المراسل باعتباره محايداً وموضوعياً، أما الآراء التي تُعبّر عنها أطراف سياسية في صراع ما، فتخلق نوعاً من الاستقطاب السياسي والحزبي وتسمح بشق صفوف المشاهدين. ومن هنا تُصبح القناة نفسها محل جدل.
لو أخذنا ظهور الفلسطينيين وحدهم في المقابلات الإخبارية، سنجد أن الجزيرة أجرت 86′ من مقابلاتها الإخبارية مع سياسيين و4′ مع محللين سياسيين و10′ مع فئات مجتمعية أخرى. أما قناة العربية فأجرت 72′ من مقابلاتها الإخبارية مع سياسيين و14′ مع محللين سياسيين و14′ مع فئات مجتمعية أخرى. أما قناة الحرة فأجرت 86′ من مقابلاتها الإخبارية مع سياسيين و14′ مع محللين سياسيين ولم تُجرِ مقابلات إخبارية مع فئات أخرى.
الملاحظ هنا أن الجزيرة لا تعطي مجالاً للمحللين السياسيين الذين هم في العادة محللون محايدون كما تعطي كل من قناتي العربية والحرة مجالاً لهم. عدم منح قناة الجزيرة مجالاً أوسع للمحللين السياسيين المحايدين، يخل في توازن التغطية الإعلامية، إذ يقع معظم ثقل التغطية على آراء الخصوم السياسيين المتضاربة، من دون وجود آراء محايدة وموضوعية بحجم وثقل مناسبين توازن آراء السياسيين. ما يجعل المشاهد يظن أن القناة تركز على اختلاف الآراء وأنها تسعى لإذكاء الخلافات بين الخصوم السياسيين.
لو وزعنا السياسيين الفلسطينيين في المقابلات الإخبارية على أحزابهم السياسية، لوجدنا أن الجزيرة تجري 59′ من مقابلاتها الإخبارية مع سياسيي حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، و11′ مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، و4′ مع حركة الجهاد الإسلامي، و4′ مع المبادرة الفلسطينية، و2′ مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، و6′ مع سياسيين مستقلين. أما قناة العربية فتجري 46′ من مقابلاتها الإخبارية مع حركة فتح، و16′ مع حركة حماس، و3′ مع الجبهة الشعبية، و6′ مع سياسيين فلسطينيين مستقلين. في حين تجري قناة الحرة 43′ من مقابلاتها الإخبارية مع حركة فتح، و29′ مع الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، و14′ مع سياسيين فلسطينيين مستقلين.
أي أن قناة الجزيرة أجرت مقابلات إخبارية مع خمس حركات فلسطينية من مجموع ست حركات (الحركة الوحيدة التي لم تُجرٍ معها قناة الجزيرة مقابلات هي الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين). وقناة العربية أجرت مقابلات إخبارية مع ثلاث حركات من أصل ست، لم تكن حركة الجهاد الإسلامي منها. أما قناة الحرة فأجرت مقابلات إخبارية مع حركتين سياسيتين فلسطينيتين فقط من أصل ست، لم تكن حركتا حماس والجهاد منها. أي أن قناة الجزيرة تلتزم هنا ببُعد مهم من أبعاد جودة الأخبار، وهو بُعد تنوع آراء أطراف الصراع.
يبدو أن مجرد سماح قناة الجزيرة لممثلي الحركات الإسلامية بالظهور في مقابلات نشرات أخبارها، في الوقت الذي تتجنب فيه قنوات أخرى ذلك، يجعلها تبدو مختلفة عن غيرها، ويتصوّر المشاهد أنها تدعم الحركات والأحزاب السياسية الإسلامية، في حين أن النتائج تُثبت أن الحركات العلمانية (كحركة فتح الفلسطينية مثلاً) تظهر في نشرات قناة الجزيرة أكثر من الحركات الإسلامية وبفارق كبير. فإن كان العلمانيون يطالبون قناة الجزيرة بالتوازن، يعني أن على الجزيرة زيادة عدد مرات ظهور سياسيي حركة حماس بنسبة 24′ مما هو عليه الحال الآن، حتى تتعادل مع حركة فتح العلمانية، وقس هذا الأمر على جميع الحركات الإسلامية في البلاد العربية.
كذلك من الملاحظ أيضاً أن نسبة ظهور سياسيي حركة حماس الإسلامية في قناة العربية أكثر من نسبة ظهورهم في قناة الجزيرة. إذ أن نسبتهم في قناة العربية تبلغ 16′ أما في قناة الجزيرة 11′ فقط. وكذلك المدة الزمنية التي منحتها قناة العربية لسياسيي حركة حماس أطول من المدة الزمنية التي منحتها قناة الجزيرة لهم، إذ منحت قناة العربية 15′ من مجموع مدة مقابلاتها لحركة حماس، أما الجزيرة فمنحتها 13′ فقط. على الرغم من ذلك لا أحد يتهم قناة العربية بالتحيز للحركات الإسلامية في فلسطين بعكس قناة الجزيرة.
الجهات الفاعلة في التقارير الإخبارية:
وهي الجهات التي تقتبس القنوات الثلاث أقوالاً لها في تقاريرها الإخبارية. في فترة الدراسة تم إحصاء 911 اقتباساً لأطراف الصراع من فلسطينيين وإسرائيليين ووسطاء دوليين في التقارير الإخبارية. كان نصيب قناة الجزيرة منها 225 اقتباساً، وقناة العربية 236 اقتباساً، أما قناة الحرة فكان نصيبها 400 اقتباس صوتي.
إن ارتفاع عدد الاقتباسات الصوتية لدى قناتي العربية والحرة مرتبط بارتفاع عدد التقارير الإخبارية المصورة لديهما، خاصة ارتفاع عدد تقارير المراسلين مقارنة بالجزيرة، إذ بلغت نسبتها لدى قناتي العربية والحرة 22′ لكل واحدة منهما، في حين بلغت نسبتها 14′ فقط لدى قناة الجزيرة. إن قلة التقارير الإخبارية للمراسلين وزيادة المقابلات الإخبارية لدى قناة الجزيرة، يسمح بتقليل المعلومات الإخبارية المحايدة لصالح الآراء السياسية المثيرة للجدل، مما يخلق نوعاً من الاستقطاب السياسي لدى جمهور المشاهدين.
لو أخذنا السياسيين الفلسطينيين وحدهم لدراسة ظهورهم في التقارير الإخبارية، لوجدنا أن القنوات الثلاث قد بثت ما مجموعه 383 اقتباساً صوتياً لهم. كان نصيب قناة الجزيرة منها 70 اقتباساً، وقناة العربية 105 اقتباسات، وقناة الحرة 208 اقتباسات.
في قناة الجزيرة كان نصيب حركة فتح 55′ من مجموع اقتباساتها للسياسيين الفلسطينيين، أما حركتا حماس والجهاد الإسلامي 9′ لكل واحدة منهما، و6′ للجبهة الشعبية، و3′ لكل من المبادرة الفلسطينية والجبهة الديمقراطية وحركة فدا الفلسطينية، أما السياسيون المستقلون فكان نصيبهم 12′.
في قناة العربية كان نصيب حركة فتح 64’، و10′ لحركة حماس، في حين نالت كل من حركة الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية 4’، الجبهة الديمقراطية 6’، حركة فدا 2’، والمستقلون 10’، في حين لم تنل المبادرة الفلسطينية أي نسبة.
في قناة الحرة كان نصيب حركة فتح 61’، وحركة حماس 9’، والجهاد الإسلامي 6’، أما الجبهة الشعبية والمبادرة الفلسطينية فنالت كل واحدة منهما 4’، والجبهة الديمقراطية وفدا 1’، أما المستقلون فكان نصيبهم 14′.
من الواضح هنا أيضاً أن حركة فتح تتصدر جميع الحركات الفلسطينية وبفارق كبير. ومن الملاحظ أن نسبة اقتباسات سياسيي حماس في قناة الجزيرة أقل من نسبتها في قناة العربية وتتعادل في نسبتها مع قناة الحرة. وهذا دليل آخر على أن قناة الجزيرة لا تحابي حركة حماس الاسلامية على حساب حركة فتح العلمانية.
الجهات الفاعلة في التصريحات السياسية
المقصود بالتصريحات السياسية هي التصريحات التي يُدلي بها سياسيون مهمون وتكون خبراً مستقلاً بذاته. لو وزعنا التصريحات السياسية على أطراف الصراع الثلاثة، لوجدنا أن قناة الجزيرة قد بثت من مجموع تصريحاتها 30 تصريحاً للفلسطينيين (71′)، و8 للإسرائيليين (19′) و4 للوسطاء الدوليين (10′). أما قناة العربية فبثت 14 تصريحاً للفلسطينيين (64′) من مجموع تصريحاتها، و6 للإسرائيليين (27′)، و2 للوسطاء الدوليين (10′). في حين بثت قناة الحرة 13 تصريحاً للفلسطينيين (42′) و10 للإسرائيليين (32′) و8 للوسطاء الدوليين (26′).
من هذه الاحصائية يتضح أن قناة الجزيرة لا تحابي الاسرائيليين على حساب الفلسطينيين، بل إن نسبة ورود تصريحات السياسيين الإسرائيليين في كل من قناتي العربية (27′) والحرة (32′) أكثر بكثير من ورودها في قناة الجزيرة (19′).
لو أخذنا تصريحات الفلسطينيين وحدهم لوجدنا أن قناة الجزيرة بثت 17 تصريحاً لسياسيي حركة فتح، و10 تصريحات لحركة حماس، وتصريحين لحركة الجهاد الاسلامي. أما قناة العربية فبثت 12 تصريحاً لحركة فتح، وتصريحا واحد لكل من حركتي حماس والجهاد الإسلامي، في حين لم تبث قناة الحرة إلا 13 تصريحاً لسياسيي حركة فتح، أما الحركات الإسلامية فلم تحظ لدى الحرة بأي تصريح.
من الواضح هنا أن عدم توازن القنوات الأخرى بين الحركات الفلسطينية في تغطيتها الإعلامية، يُظهر قناة الجزيرة التي تسعى للتوازن بينها وكأنها منحازة للحركات الإسلامية. مع العلم أن التوازن شرط أساسي من شروط المهنية وجودة الأخبار.
يمكن تلخيص كل ما سبق بالنقاط التالية:
إن إجراء قناة الجزيرة مقابلات إخبارية مع السياسيين أكثر من مراسليها، يفتح باباً للاستقطاب السياسي لدى المشاهدين، وبالتالي يشعر المشاهد أن القناة مثيرة للجدل.
عدم منح قناة الجزيرة مجالاً أوسع للمحللين السياسيين المحايدين، يجعل المشاهد يظن أن القناة تركز على اختلاف الآراء وأنها تسعى لإذكاء الخلافات بين الخصوم السياسيين.
سعي الجزيرة للتنوع في آراء الأطراف المتنازعة في قضية ما بعكس القنوات الأخرى يخلق منها قناة مثيرة للجدل، مع العلم أن بُعد التنوع في التغطية الإعلامية من أهم أبعاد جودة الأخبار.
تجنب المحطات الأخــــرى الحديث مع المعارضة الإسلامية في بعض أشكال عرضها الإخبارية، يُظهر الجزيرة وكأنها منحازة إلى التيارات الإسلامية.
إن قلة التقارير الإخبارية للمراسلين يسمح بتقليل المعلومات الإخبارية المحايدة لصالح الآراء السياسية المثيرة للجدل، مما يخلق نوعاً من الاستقطاب السياسي لدى جمهور المشاهدين. مع أن قصد الجزيرة من ذلك إفساح مجال أكبر لأطراف الصراع للتعبير عن آرائهم، ولا تقصد إذكاء النعرات السياسية والحزبية.
النتائج تبين أن قناة العربية تتحدث أكثر إلى سياسيي حركة حماس وتمنحهم وقتاً أطول في نشرات أخبارها من قناة الجزيرة. وعلى الرغم من ذلك تُتهم الجزيرة بالتحيز لحركة حماس بعكس قناة العربية.
قناة الجزيرة لا تحابي الاسرائيليين على حساب الفلسطينيين، بل إن نسبة ورود تصريحات السياسيين الإسرائيليين في كل من قناتي العربية والحرة أكثر بكثير من ورودها في قناة الجزيرة.
عدم توازن القنوات الأخرى بين الحركات الفلسطينية في تغطيتها الإعلامية، يُظهر قناة الجزيرة وكأنها منحازة للحركات الإسلامية. مع العلم أن التوازن في نشرات الأخبار شرط أساسي من شروط المهنية وجودة الأخبار.
إن التزام قناة الجزيرة بالمهنية وحرصها على جودة أخبارها من حيث إبرازها لتنوع الآراء، وتعدد ظهور أطراف الصراع في تغطيتها الإعلامية لقضية ما، وسعيها للتوازن بينها، يخلق منها قناة مثيرة للجدل. فهل يطالب منتقدو قناة الجزيرة بأن تكون القناة غير مهنية ولا متوازنة وخالية من تنوع الآراء، حتى تُرضي رغباتهم؟

‘ كاتب فلسطيني

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية