الناصرة ـ «القدس العربي»: تؤكد إسرائيل على لسان ساستها وجيشها أن «درع الشمال» ليست عملية موضعية، وأنها متواصلة طالما اقتضت الحاجة لذلك. وفي المقابل وجهت أوساط مختلفة فيها انتقادات لرئيس حكومتها بنيامين نتنياهو باستغلالها لتحقيق علاقات عامة، فيما اعتبرت أوساط أخرى أن سلوك إسرائيل بهذا المضمار يعكس خوفها وتراجع قوة ردعها، داعين لعملية واسعة في لبنان «لاقتلاع الشوكة» من جذورها، في إشارة لحزب الله وتهديد الصواريخ.
وكرر نتنياهو أمس قوله إن عملية تدمير الأنفاق على الحدود اللبنانية ليست عملية موضعية، ومن المتوقع أن تستمر طالما تطلب الأمر. وقال أيضا إنها ستتواصل حتى تحقق أهدافها، واصفا إياها بـ «عملية واسعة ومستمرة». وأضاف «على مدى سنوات، استثمر حزب الله وحماس مبالغ ضخمة لبناء الأنفاق. نحن نقوم بتفكيك هذا السلاح».
كما قدّر قائد جيش الاحتلال غادي إيزنكوت أن العملية ستستغرق عدة أسابيع. وعن ذلك قال «تم إطلاق العملية قبل أن يصبح تهديد الأنفاق تهديدًا فوريًا ومباشرًا لسكان الشمال ومعسكرات الجيش الإسرائيلي.»
وتابع «لدينا مخططات حزب الله ويمكن لسكان الشمال الشعور بالأمان. لقد أشركنا رؤساء السلطات المحلية قبل بدء العملية. ودعوتهم لمواصلة الحياة الروتينية «. وقال الجيش في وقت سابق إنه تم تشخيص «نفق إرهابي» عابر للحدود في المنطقة الواقعة جنوب كفار كلا، مضيفًا أن الجنود يقومون بخطوات هندسية وتنفيذية لتحييد النفق. وأوضح أنه لا يشكل تهديدًا مباشرًا لسكان المنطقة، موضحا أن طول النفق يبلغ حوالي 200 متر، من بينها 40 مترا داخل الجليل.
حافة الحرب
وقد أحدث الكشف عن النفق جدلا متصاعدا في إسرائيل حول توقيته وطريقة الرد عليه، وحول إمكانية مهاجمة لبنان وحزب الله وإزالة تهديد الصواريخ الدقيقة التي تهدد إسرائيل من هناك. وقال الجنرال بالاحتياط عميرام لفين، قائد سابق للواء الشمال في الجيش، إن الوقت قد حان لحل المشكلة من جذورها وذلك من خلال عملية واسعة تستهدف لبنان وحزب الله معا.
ويتفق معه رئيس الجناح الأمني- السياسي في وزارة الأمن سابقا الجنرال بالاحتياط عاموس غلعاد الذي يقول إن صورة إسرائيل التي تنعكس من هذه التطورات خطيرة، وفيها تبدو مرتدعة من مواجهة حزب الله رغم انتهاكه لسيادتها في حفر الأنفاق العسكرية هذه.
وهذا هو موقف المحلل العسكري في القناة العاشرة ألون بن دافيد الذي يقول إن إسرائيل تكتفي بمعالجة الموضوع هندسيا من الجليل فقط ولا تجرؤ على مهاجمة حزب الله، لافتا إلى أن تسمية ما تقوم به إسرائيل «عملية» جاء ليغطي قصورها في هذا الخصوص.
في المقابل اعتبر الوزير تساحي هنغبي في حديث لإذاعة الجيش أن اجتياح لبنان مجرد هراء لأن التجربة تدلل على أن الحرب مكلفة جدا ولا بد من أخذ تبعاتها بالحسبان. وردا على سؤال حول التسليم بالتهديد الاستراتيجي في جنوب لبنان قال «إسرائيل تعيش بسلام مع تهديدات مماثلة في إيران وسوريا ومن قبلها في العراق ويمكن لها أن تعايش هذه الحالة مع لبنان».
كما دافع وزير الأمن الأسبق عضو الكنيست عمير بيرتس (المعسكر الصهيوني) عن قائد الجيش الذي هوجم واتهم بالضعف لعدم اتخاذه قرارا بمهاجمة حزب الله وعدم مهاجمته حماس من قبل. وكشف في هذا السياق أمس أن «أنفاق حزب الله» هي التي دفعت أيزنكوت وبدعم نتنياهو للتوصية أمام الحكومة بعدم التصعيد والامتناع عن مهاجمة غزة، مما تسبب باستقالة وزير الأمن ليبرمان في الشهر الماضي.
ونقلت صحيفة «هآرتس» عن مصدر في الجهاز الأمني الإسرائيلي تقديره أن عمليات الجيش الإسرائيلي ضد أنفاق حزب الله لن تؤدي إلى تصعيد، لكن إصابة نشطاء المنظمة أو أنشطتها في المناطق المتنازع عليها قد تقود إسرائيل إلى حافة الحرب.
يشار إلى أنه بعد الانسحاب الإسرائيلي من لبنان، بقيت على طول الحدود 13 نقطة لم يتم ترتيب السيطرة عليها، ويعتبرها لبنان وحزب الله تابعة للبنان. وقال ايضا إنه من شأن اختراق الجيش الإسرائيلي لهذه المناطق أو القيام بعمل فيها أن يستغل كذريعة من قبل حزب الله للرد والعمل ضد إسرائيل.
ووفقًا للتقديرات، قد يكون الرد موضعيا ضد القوات الموجودة في المنطقة، ولكنه قد يكون أيضًا أكثر شمولًا.
وفقاً لتقديرات الاستخبارات، فإن دافع حزب الله للدخول في جولة من القتال ضد إسرائيل محدود، ويرجع ذلك جزئياً إلى الوضع الاقتصادي والسياسي للمنظمة في أعقاب مشاركته المكلفة في الحرب الأهلية في سوريا.
كما تقدر الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أنه خلال القتال في سوريا، خسر حزب الله حوالى 2000 من مقاتليه وأصيب 10 آلاف آخرون أي ما يعادل حوالي ثلث قوته القتالية. وحسب الاستخبارات العسكرية أدى العدد الكبير من الضحايا إلى انتقادات قاسية لحزب الله داخل لبنان، أيضا من جانب عائلات القتلى والجرحى، الذين ادعوا أن زعيم حزب الله حسن نصر الله وإيران قادا حزب الله إلى حرب ليست له.
وضمن الجدل الداخلي المتصاعد عشية انتخابات عامة في الأفق، هاجم مسؤول إسرائيلي مُطّلع على تفاصيل العملية العسكرية «درع الشمال» آيزنكوت، على خلفية قراره بالقيام بهذه العملية حاليا، وذلك «على ضوء حقيقة أنه لم تكن هناك أية حاجة ملحة لتنفيذ هذه العملية في الوقت الحالي». وتابع مشككا بتوقيتها واعتباراتها أن «هذه ليست عملية عسكرية، وإنما حملة علاقات عامة».
ونقل موقع صحيفة «معاريف» عن المسؤول نفسه قوله إن «ما يتم فعله غالبا هو ضخ الإسمنت إلى داخل النفق. وفي الجيش الإسرائيلي أجروا حسابات، بحيث يتم ضخ الإسمنت بكمية مدروسة كي لا تتجاوز الحدود، وعندها يدعي حزب الله أننا نخرق السيادة، وذلك رغم الوضوح بأن حزب الله هو الذي يخرق سيادتنا».
كما قال إن ايزنكوت لم يرغب في إنهاء مهام منصبه (في منتصف الشهر المقبل) على خلفية تقرير بريك (الذي قال إن الجيش ليس جاهزا للحرب) وأراد نغمة نهائية أخرى. وتابع متسائلا بسخرية «لقد رأيت التضييفات التي وزعوها عند حدود الشمال اليوم. هل هكذا تبدو عملية عسكرية؟».
وقال المسؤول المذكور إن آيزنكوت هو الذي دفع باتجاه تنفيذ العملية اليوم، رغم تقديرات ضباط كبار في الجيش الإسرائيلي بأنه لا مكان لتنفيذها. وكشف عن اعتقاد البعض بأن تنفيذ هذه العملية خطأ لأن بحوزتك معلومات (حول الأنفاق) وعندما تشن عملية كهذه فإنك تفقد الأفضلية الاستخباراتية التي كانت لديك».
صرف الأنظار عن غزة
وقالت تقارير إعلامية إسرائيلية، أمس، إن الجيش الإسرائيلي استعرض أمام المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية تقريرا حول اكتشاف أنفاق حزب الله، في تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت. وقال المسؤول عن ذلك إن «رئيس هيئة الأركان العامة نجح في إثارة هلع الجميع في الجيش بأنه يجب القيام بهذه العملية في الوقت الحالي، ويبدو أنه أثار هلعا في المجلس الوزاري المصغر أيضا». كذلك كشف أن أغلبية وزراء المجلس الوزاري اقتنعت خلال اجتماعه في الشهر الماضي بأنه لا حاجة لشن عدوان على غزة والدخول في حرب مع حماس، خلافا لرأي وزير الأمن السابق، أفيغدور ليبرمان. وقال المسؤول إن للعملية الجارية عند الحدود مع لبنان الآن هدفا واحدا: «الحديث يدور عن عملية صرف أنظار عما سيحدث في الأيام القريبة، وهو نقل 15 مليون دولار أخرى إلى حماس. وقد بدأوا يعملون مقابل بنك البريد حول كيفية تنفيذ ذلك، لكن العملية اليوم تصرف الأنظار عنه».
يشار إلى أن رؤساء السلطات المحلية في الجليل، حذروا في السنوات الأخيرة كبار قادة الجيش الإسرائيلي من أنهم سمعوا أصواتًا تنبعث من الأرض، لكن الجيش الإسرائيلي قال مرارًا وتكرارًا إنه لا توجد أنفاق على الحدود الشمالية. ومع ذلك، يدعي الجيش الآن أنه عرف منذ فترة طويلة عن نوايا حزب الله لحفر الأنفاق، ولكن من غير الواضح في أي مرحلة تم اكتشاف الأنفاق التي يجري تدميرها الآن. وفي مقابلة مع إذاعة الجيش، قال الناطق بلسان جيش الاحتلال مانليس إن الجيش نفى وجود أنفاق في المناطق التي تم الإبلاغ عن سماع ضجيج فيها ينبعث من حفريات تحت الأرض.
وهذا هو موقف رئيس كتلة المعسكر الصهيوني، النائب يوئيل حسون، الذي دعا إلى عقد اجتماع عاجل للجنة شؤون الخارجية والأمن، بحضور رئيس الوزراء ووزير الأمن بنيامين نتنياهو. وقال حسون متهما إن «عملية الجرافات الهندسية في الأراضي الإسرائيلية لا تترك لدينا أي شك بشأن التوقيت والعرض». وتابع «العرض للجمهور يُقدم كحملة هجومية من أجل تبرير بقاء نفتالي بينت ووزير التعليم ورئيس حزب البيت اليهودي، في الحكومة، والهدف من التوقيت هو إلهاء الجمهور عن توصيات الشرطة (بشأن محاكمة نتنياهو). إنهم يستهترون بالجيش الإسرائيلي ومصالح إسرائيل الأمنية، ويستهترون بشكل خاص بسكان الشمال».