دروس إسرائيلية

جاء في بيان لوزارة الخارجية الأمريكية في الأول من هذا الشهر أن تصريحات وزير المالية الإسرائيلي بشأن محو قرية حوارة من الوجود «مقزّزة وتدعو للعنف». ودعت نتنياهو إلى إدانة تلك التصريحات. قال ذلك الوزير بعد ضغوط شديدة عليه إنها كانت» زلة لسان». في الواقع، تمرّ إسرائيل في منعطف مهمّ، مع حكومة يمينية متطرّفة جداً، بما يسميه بعض الإسرائيليين المعارضين، انقلاباً على الأسس التي قامت عليها الدولة في عام 1948، وتمرّر قانوناً يحدّ من صلاحيات المحكمة العليا، التي كانت تعويضاً عن عدم وجود دستور إسرائيلي، يوقف كلّ مَن يبتعد عن الأسس المذكورة.
واجه المعارضون ذلك التوجّه بحركة احتجاجات واسعة النطاق، يجتمع فيها حوالي مئة ألف متظاهر بشكلّ متكرّر. ويُشار إلى أن جهاز «الموساد» أقرّ لمنتسبيه بحقهم في المشاركة في تلك التظاهرات، في حين منع رونين بار منتسبي جهاز «الشاباك» الذي يرأسه من المشاركة فيها، بعد أن اعتبر أن «البلاد تقترب من درجة الغليان وتعرّض استقرار البلاد للخطر». في حين انضم الرئيس السابق لجهاز «الشاباك» يوفال ديسكين، اليوم الأربعاء 14 مارس، إلى المحتجين على التعديلات في جهاز القضاء، وهاجم الحكومة بقسوة خلال كلمة ألقاها في تل أبيب. وذكرت هيئة البث الرسمية الإسرائيلية، أن ديسكين حذّر في كلمته من حرب أهلية وشيكة، وقال «نحن على مسافة أسابيع قليلة، وقد نصل بعد ذلك إلى حرب أهلية».
هذان الجهازان الأخيران هما حجرا زاوية في تلك الدولة من حيث هي جهاز عنف وضابط له، يكملان الجيش والشرطة، إضافة إلى كون المحكمة العليا مرتكزاً قانونياً لها. كلّ ذلك الآن في مهبّ الريح، مع وجود حكومة يمينية متطرّفة، تحتوي على بعض الذين يمكن القول عنهم بسهولة إنهم إرهابيون.

تمرّ إسرائيل في منعطف مهمّ، مع حكومة يمينية متطرّفة جداً، بما يسميه بعض الإسرائيليين المعارضين، انقلاباً على الأسس التي قامت عليها الدولة عام 48

وزير المالية بتسلئيل سيموتريتش، يسكن في مستوطنة كدوميم، ونائب من حزب الصهيونية الدينية الشريك في تجمّع «البيت اليهودي»، الذي حلّ ثامنا في الانتخابات الأخيرة، هو كذلك مدير «جمعية رغافيم» اليمينية المتطرفة والعنصرية، التي تلاحق الفلسطينيين في مناطق 48 و67، خاصة في مجال الاراضي والبناء، وتحث السلطات، على استصدار أوامر هدم بيوت عربية، بحجة البناء غير المرخص. ويبرز نشاط هذه الحركة العنصرية في منطقتي النقب والمثلث. وقد كان سيموتريتش من قيادة حركة التمرد على خطة إخلاء مستوطنات قطاع غزة، وجرى اعتقاله خلال عملية الإخلاء في أغسطس 2005، بعد العثور في بيته على 700 لتر من الوقود، بهدف القيام بأعمال تخريبية. استطاع اليمين المتطرْف ـ المنفلت – أن يحقق نجاحاً باهراً في الانتخابات الأخيرة ويحصل على أربعة عشر مقعداً في الكنيست، ثمّ يشارك بقوة في الحكومة وبمراكز استراتيجية كوزارة الأمن القومي والمالية، مع تمركز جانبي في وزارة الدفاع أيضاً. اعتمد النجاح المذكور على أصوات المستوطنين في الضفة الغربية، خصوصاً من سكان تلك المستوطنات «غير الشرعية» التي تتأسّس من خلال «وضع اليد»، ثم فرض الأمر الواقع. هؤلاء هم رأس الحربة الذين يهدفون إلى طرد الفلسطينيين أو قتلهم، وهم الذين أشعلوا النار مؤخّراً. أبرز قيادي فيهم وفي كتلة الصهيونية الدينية هو بن غفير وزير الأمن القومي، الذي يسيطر على أجهزة الأمن والشرطة، خصوصاً في الوقت الحالي. تعرفه منصّات الأخبار جيداً، لأنه كان وراء اقتحامات باب العامود أو المسجد الأقصى أو الشيخ جرّاح أو أم الفحم أو الخليل. بن غفير مولود لأب يهودي مهاجرين من العراق، أعفاه الجيش الإسرائيلي من الخدمة منذ مراهقته بسبب تطرفه وتحريضه العنيف، ورفضت نقابة المحامين لسنوات عضويته بسبب سجله الجنائي الطويل، ثمّ أصبح معروفاً بدفاعه عن المتهمين بقتل الفلسطينيين ومهاجمتهم، وعضويته من قبل بحركة» كاخ» التي أسسها مائير كاهانا، والتي يعتبرها القانون الإسرائيلي ذاته إرهابية. وحالياً يتابع الاستفزاز يومياً بحماية منصبه الرسمي، ومركزه المهيمن على الشرطة وميليشيات المستوطنين الأشدّ عنفاً وتطرّفاً. أثار بن غفير أزمة حيّ الجراح حين أعلن عن نيته نصب خيمة فيه على أرض فلسطينية، ويثير الغضب حالياً في حوارة.. ودائماً في المسجد الأقصى.
يُقال إن هنالك 165 ألف قطعة سلاح بين أيدي المستوطنين، وبينها 148 ألف رخصة باقتناء السلاح. وتمّ منذ 2014، مع حكومة سابقة لنتنياهو، ووزير متطرف آخر للأمن الداخلي، إقرار تسهيل وزيادة تسليح المستوطنين، الأمر الذي بلغ مستويات قياسية مؤخّراً، مع عمليات فلسطينية بليغة الأثر والإثارة، ولو كان معظمها رداً على مجازر إسرائيلية. إذن، هنالك حالة في الضفة الغربية على الأقل، تشبه الحالة السورية، إذا وضعنا غزة جانباً مؤقتاً باعتبار وضعها أكثر استقراراً، كمحافظة إدلب التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام – النصرة سابقاً. يمكن أن يغلّف الحالة في المثالين هيمنة ميليشيات مسلحة – أو معادلاتها- متنوعة الانتماء تتعايش مع جيش وشرطة وأجهزة أمن أخرى يسيطر على قراراتها قادة تلك الميليشيات، ولا تخضع لأيّ معيار عادي أو قانوني وطبعاً دستوري. تعمل هذه الميليشيات بدوافع دينية/ قومية تنطلق من عصبية قصيرة الطريق بين الإيمان والقتل، وتهدف إلى تحقيق السيطرة الكاملة وتفريغ المجال من أي» عدو» أو «متساهل». بعبارة أخرى أيضاً، تهدف إلى تحقيق» الانسجام» في البنية الاجتماعية «الوطنية». لا يرى قادة الحكومة في إسرائيل والسلطة في سوريا طريقاً أمامهم غير زيادة التوتّر. خارج ذلك السياق المتصاعد، سيرجع نتنياهو مثلاً إلى محاكمات الفساد ويدخل السجن وينتهي مستقبله السياسي والشخصي، وسيتعرّض بشار الأسد لمحاكمات مريرة على ثَبَتٍ ضخم من التهم بالمسؤولية عن القتل تحت التعذيب وعن القصف بالبراميل العمياء وبالأسلحة الكيماوية، إضافة إلى مراجعة حساباته وحسابات بلده معه، مما قد يعمّق الكارثة، إضافة إلى ذلك، هنالك هدف التغيير الديموغرافي، وهو الأمر الذي اتّضح جيداً في سوريا في السنوات السابقة، وما زالت مفاعيله سارية من جهة إحلال إيراني بالانتساب أو النفوذ مكان السكّان «الأصليين». بدورها، ترفع تلك التنظيمات الإرهابية المحمية علناً شعار طرد الفلسطينيين من «أرض إسرائيل»، وتعمل بوتائر عالية على ذلك مؤخّراً في الضفة الغربية، من دون أن تستثني أراضي 48 نفسها. أحياناً لا تكتفي بذلك، بل تشجّع على تسهيل إعادة هجرة «الخونة» من المتساهلين الإسرائيليين، أو الداعين لتسوية معقولة مع الفلسطينيين.
على ذلك المسار اتخذت حكومة نتنياهو- مثلاً- في أواسط فبراير الماضي قرارات بالمضي في بناء مستوطنات جديدة في الضفة، وتوسيع المستوطنات المقبلة، بما لا يقل عن 9409 وحدات سكنية، وفي الوقت نفسه زيادة هدم البيوت الفلسطينية في القدس الشرقية والمناطق «ج» من الضفة، رغم الانتقادات الحادة التي صدرت في واشنطن والعواصم العربية والغربية. وبالتوازي مع ذلك أُقرّ التعاطي مع الغضب الفلسطيني بمزيد من القوة والبطش، ونقلت 3 سرايا في قوات الاحتياط التابعة لوحدة حرس الحدود إلى القدس الشرقية، كما أُرسل 70% من الوحدات القتالية في الجيش إلى الضفة. وتستمرّ في الوقت نفسه السياسات البغيضة، التي تعتمد تجريف الأراضي وتخريب البساتين وحرق الأشجار وسرقة المحاصيل، وتهديم البيوت بأعداد متزايدة، والاعتداء والقتل أحياناً، مع الاستفزاز المُتعمَّد باقتحامات متكررة للمسجد الأقصى وكل الرموز المقدّسة لدى السكان العرب، تحريضاً للعقلية المتطرّفة على الجانب الآخر واستفزازاً لعصبيتها وآلياتها… لدينا نحن السوريين خبرة متراكمة في هذا المجال أيضاً. وعلى ما يبدو، وقد قيل، إن كلّ شيء مترابط مع كلّ شيء!
كاتب سوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية