على مدى شهور طويلة، وعلى وجه التحديد منذ شهر شباط/فبراير 2011 حين قام (مجهولون) باختطاف ثلاثة من الضباط المصريين، بالإضافة إلى أمين شرطة، أثناء قيامهم بمأمورية عمل فى سيناء، على مدى تلك الشهور والسيدة دعاء رشاد، زوجة الرائد محمد الجوهري أحد هؤلاء الضباط لا تكف عبر وسائل الإعلام المختلفة، عن توجيه الدعاء والنداءات المتكررة إلى سائر المسؤولين السياسيين والعسكريين والأمنيين، لاتخاذ أية خطوة من شأنها أن تعيد المختطفين إلى ذويهم أو ـ على الأقل ـ أن تكشف بشكل حاسم عن مصيرهم الذي مازال إلى الآن مجهولا ومحاطا بالعديد من الشبهات والشكوك وعلامات الاستفهام، التي لم تجد إلى الآن من يجيب عنها إجابة قاطعة تشفي قلوب أسر المختطفين، وتشفي قبل ذلك قلوب سائر المصريين، باعتبار أن هؤلاء الضباط ومعهم أمين الشرطة هم أولا وأخيرا جزء من أبناء الوطن الذين أصبحوا جميعا يشعرون بأن أمنهم وأمانهم قد بات يتباعد يوما بعد يوم…الغريب في الأمر أن هناك مصادر معينة قامت وما زالت تقوم بإبلاغ السيدة دعاء بمعلومات أقل ما يمكن وصفها أنها مفزعة لكل المصريين، مؤداها أن الضباط المختطفين، هم حاليا في قبضة حماس وتحت هيمنتها، كما تحاول تلك المصادر أن توحي بأن اختطافهم واحتجازهم قد تم بالتنسيق مع جماعة الإخوان المسلمين، المهيمنة حاليا على القرار السياسي في مصر، أو على الأقل فإن احتجازهم حاليا يجري بعلم وبمباركة من هذه الجماعة! حيث ان هناك ارتباطا وثيقا، كما تقول تلك المصادر، التي لم تفصح عنها السيدة دعاء، هناك ارتباط بين واقعة اختطاف هؤلاء الضباط وواقعة تهريب سجناء جماعة الإخوان، وكذلك سجناء حماس من سجن وادي النطرون إبان ثورة يناير 2011، وأن السبب في عدم تحمس القيادة السياسية الحالية للإفراج عنهم، هو حرصها على عدم انكشاف دور حماس في واقعة اقتحام السجون المصرية، وهو الدور الذي أتيح للضباط المختطفين أن يكتشفوا، أثناء مهمتهم في سيناء، قرائن قاطعة عليه (فيما تقول به تلك المصادر أو تحاول أن توحي به) . وبطبيعة الحال فإن أحدا لا يستطيع أن يقطع بصحة هذه المعلومات كلها أو بعضها مما تم تسريبه إلى السيدة دعاء، وهل هي في مجملها مزيج من الحقيقة والخيال؟ أم أنها بأكملها حقائق خالصة؟ أم أنها كلها كذب خالص؟ ولا أحد كذلك يستطيع أن يجزم بحقيقة الدوافع التي دفعت بتلك المصادر إلى إبلاغ السيدة دعاء بما أبلغتها إياه، ولا بطبيعة انتماءات تلك المصادر، وهل هي مصادر مصرية حريصة على كرامة مصر ومصائر أبنائها؟ أم أنها مصادر فلسطينية تنتمي إلى جهات متصادمة مع حماس، ولا يعنيها إلا تشويه صورة حماس وشيطنتها في عيون المصريين؟ أم أنها تنتمى إلى جهات وقوى معينة لها حساباتها الخاصة مع جماعة الإخوان أو مع غيرها، ولا يعنيها إلا تصفية تلك الحسابات؟ أم أنها مزيج من ذلك كله؟… أيا ما كانت طبيعة تلك المصادر وأيا ما كان انتماؤها وأيا ما كانت دوافعها، فإن الروايات التي تطرحها أو تحاول أن توحي بها، هذه الروايات تبدو للكثيرين، ممن أتيح لهم أن يستمعوا إليها في القنوات الفضائية، تبدو في مجملها فرضيات قابلة للتصديق بغض النظر عن كونها (بأكملها، أو على الأقل في جزء منها) صادقة ومطابقة للحقيقة بالفعل أم لا.. وعلى هذا فلا سبيل فيما نتصور إلى استجلاء الحقيقة إلا باتخاذ خطوة حاسمة من جانب القيادات المسؤولة، هذه الخطوة الحاسمة تتمثل في حدها الأقصى في إعادة المختطفين إلى وطنهم وإلى ذويهم، إذا كان هذا ممكنا، فإذا لم يكن في الإمكان تحقيق ذلك، فإن الخطوة الحاسمة المطلوبة تتمثل في حدها الأدنى في إعلان رسمي يعرض على الرأي العام بكل شفافية ووضوح كل ما هو متاح من المعلومات لدى جميع الجهات الأمنية والإستخبارية حول هذه الواقعة، التي لا نبالغ إذا قلنا إن السكوت عنها يمثل ذروة من ذرى الانكسار لكرامة الوطن، والاستهانة بمصائر أبنائه، شأنها في ذلك شأن التكتم على نتائج التحقيقات في واقعة مصرع ستة عشر جنديا مصريا في رفح في شهر اب/أغسطس الماضي، مع ملاحظة أن المعلومات التي أدلت بها السيدة دعاء رشاد إلى القنوات الفضائية، التي وجهت الدعوة إلى سائر القيادات للرد عليها رسميا، هذه المعلومات تربط بين هاتين الواقعتين المفزعتين، وبين وقائع أخرى أشد إيلاما وأكثر إفزاعا… إن السكوت عن الرد المفصل والمقنع على ذلك كله لم يعد مقبولا بحال من الأحوال، فما دعاء السيدة دعاء إلى كل المسؤولين، الذي ما فتئت ـ أعانها الله على محنتها ـ ما فتئت تردده منذ فبراير 2011 وحتى الآن، ما هو في الحقيقة إلا دعاء من كل مواطن يهمه مصير هذا الوطن ومصير كل المصريين.