برلين ـ «القدس العربي»: دعت الحكومة الألمانية إلى التهدئة، في أعقاب عملية اغتيال الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، في غارة شنتها القوات الأمريكية على مطار بغداد الدولي، مساء الخميس، أسفرت عن مقتله ومقتل أبو مهدي المهندس، نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي الشيعية العراقية القوية، وآخرين.
وخلال مؤتمر صحافي، قالت نائبة المتحدث باسم الحكومة الألمانية، أولريكه ديمر: «المهم الآن هو التهدئة». وأوضحت المتحدثة الحكومية أن ألمانيا ستعمل على نزع فتيل التوتر بعد مقتل الجنرال سليماني. وتجنبت أولريكه ديمر توجيه نقد مباشر لتصرف الحكومة الأمريكية. وقالت إن الخطوة الأمريكية جاءت رداً على «استفزازات إيرانية»، مشيرة إلى أن التحرك الأمريكي رد فعل على سلسلة من الاستفزازات العسكرية التي تتحمل مسؤوليتها إيران». وقالت: «نتابع أيضاً بقلق بالغ أنشطة إيران في المنطقة. نقف أمام تصعيد خطير»، مضيفة أن ألمانيا ستعمل على نزع فتيل التوتر». وتابعت بالقول إن «الصراعات الإقليمية لا يمكن حلها إلا عبر الطرق الدبلوماسية فقط، ونحن نتبادل الرأي في هذا الشأن مع حلفائنا».
وحذرت مجلة شبيغل الألمانية أن مقتل سليماني قد يشعل أتون الحرب في المنطقة، وهو ما على أوروبا أن تأخذه بالحسبان. وقالت المجلة: «أصبح الوضع خطيراً جداً الآن، وخاصة في العراق، وهناك خطر كبير من أن تهاجم الميليشيات الشيعية هناك، بقيادة كتائب القدس الجنود الأمريكيين المتبقين، والبالغ عددهم 5000 جندي، ولن يتمكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من سحب قواته بشكل فوري». واعتبرت المجلة أن العملية الأمريكية بمثابة إعلان حرب في المنطقة، ومن الضروري لأوروبا أن تدرس خطوتها المقبلة. وكتبت شبيغل موضحة: «الأمر خطير أيضاً لألمانيا».
ونقلت المجلة عن مصادر في الجيش الألماني، أن واشنطن أرسلت رسائل لحلفائها في العراق بعد مقتل سليماني، تحذرهم من مغبة تعرضهم أيضاً إلى الاستهداف من قبل «الكتائب الشيعية التابعة لإيران». وأكدت المجلة أن الجيش الألماني أعلن عن عدم وجود أية تحركات عسكرية ألمانية خارج الثكنات، مؤكدة وجود عشرات الجنود الألمان ضمن التحالف الدولي المناهض لتنظيم داعش.
وكان حزب الخضر الألماني قد طالب بتعليق جميع أنشطة الجيش الألماني في العراق حالياً، وطالب نوريبور، متحدث الشؤون الخارجية بكتلة الخضر في البرلمان الألماني، الحكومة الألمانية باستخدام كافة «الوسائل الدبلوماسية لضمان أمن الجنود الألمان هناك».
وأضاف أوميد نوريبور أن مقتل سليماني هو «انزلاق سريع في تصعيد عسكري ضخم»، متابعاً أن «سليماني كان وجه سياسة طهران في المنطقة، وموته سيفهمه الجانب الإيراني على أنه فقد لماء الوجه وإعلان حرب أمريكي».
وأكدت القناة الألمانية التلفزيونية الإخبارية الأولى أن «واشنطن لا تملك استراتيجية واضحة في التعامل مع العراق، وأوضحت أن الولايات المتحدة الأمريكية غير قادرة على قراءة خارطة العراق، وهي لا تملك أية استراتيجية للعلاقات المستقبلية. وأشارت إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لا يعرف شخصياً أي سياسي له وزنه هناك. كما أن الإدارة الأمريكية لا تعرف كيف يمكن أن تجابه بفاعلية التأثير الكبير لإيران في العراق».
موسكو: آخر الآمال بحل المشكلة النووية الإيرانية قد نُسفت
إلى ذلك، حذر هايو فونكه، الخبير الألماني بشؤون الشرق الأوسط، من تصاعد خطر الحرب في المنطقة. وقال لوسائل إعلام ألمانية إن برلين مطالبَة بالعمل على وقف التصعيد المحتمل بين إيران والحكومة الأمريكية. وأضاف فونكه أن «الأمر مرهون بالأشهر المقبلة، والحكومة الألمانية مطالبَة على نحو مختلف تماما عن كل المطالبات التي وُجِّهَتْ إليها حتى الآن، ولا ينبغي عليها أن تصمت». وحذر فونكه من أن «خطر الحرب تفاقم بشكل هائل».
أعلن وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، أنه يجري اتصالات مع إيران والحكومة الأمريكية من أجل التوصل إلى تهدئة. وقال السياسي المنتمي إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي، أمس الجمعة، إن «العملية العسكرية الأمريكية أعقبت سلسلة من الاستفزازات الخطيرة لإيران، لكن بسبب العملية لم تعد المسألة أسهل في إنهاء التوترات». وحذّر الوزير الألماني من أن تداعيات الغارة «بالنسبة للمنطقة يصعب التنبؤ بها»، مضيفاً: «قلت هذا بوضوح» لوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في اتصال هاتفي.
وقال ماس إن المهم الآن هو تجنب حدوث تصعيد جديد من شأنه أن يشعل النيران في المنطقة برمتها، «ولهذا، نستخدم قنواتنا الدبلوماسية مع الدول في المنطقة ومع إيران أيضاً». وذكر ماس أنه تحدث أيضاً مع جوزيب بوريل الممثل الأعلى للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي. واختتم ماس تصريحاته قائلاً: «منذ صباح اليوم ونحن في اتصالات مكثفة مع الشركاء البريطانيين والفرنسيين وأوروبيين آخرين حول أفضل السبل للدفع نحو تهدئة الموقف».
الموقف الفرنسي
إلى ذلك، قال مكتب الرئيس الفرنسي، إيمانيويل ماكرون، في بيان، إنه أجرى اتصالاً هاتفياً مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، أمس الجمعة، لمناقشة الوضع في العراق، حسبما أفادت وكالة بلومبرج. واتفق الزعيمان على دوام التواصل في الأيام المقبلة لتجنب حدوث «تصعيد خطير وجديد للتوترات». ودعا الرئيسان جميع الأطراف إلى ممارسة ضبط النفس. وأكد ماكرون التزام فرنسا بسيادة العراق والأمن والاستقرار الإقليمي، ودعا إيران إلى العودة بسرعة إلى الوفاء بالتزاماتها النووية والامتناع عن أي استفزاز. وشدد على أن الأولوية تظل تتمثل في محاربة «الإرهاب الإسلامي».
وحثّت فرنسا، أمس الجمعة، مواطنيها على توخي «الحذر» في العديد من دول الشرق الأوسط، بما في ذلك العراق، «في أعقاب الأحداث الأخيرة» في هذا البلد، و«تصاعد التوتر في المنطقة». وذكرت وزارة الخارجية في موقعها على الإنترنت: «إن التوترات المتصاعدة في المنطقة والتطورات الأخيرة تتطلب منا توخي أقصى درجات الحذر عند السفر من أو إلى العراق». ونبهت الوزارة إلى أنه «يوصى بالابتعاد عن أي تجمع أو حشد، والتزام أقصى درجات اليقظة والحذر والتكتم، خاصة عند التنقل والامتناع عن التقاط الصور في الأماكن العامة». وذكرت الخارجية بأنه يستحسن تأجيل أي تنقل في إيران لتجنب «خطر ممارسات الاعتقال والاحتجاز التعسفيين من قبل أجهزة الأمن والمخابرات الإيرانية».
الموقف البريطاني
ذكر وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب، أنه يتعين على كافة الأطراف «خفض تصعيد» التوترات عقب الغارة الأمريكية. وقال راب: «لطالما لاحظنا التهديد العدائي الذي يشكله فيلق القدس الإيراني بقيادة قاسم سليمان». وتابع: «عقب وفاته، نحث كل الأطراف على خفض التصعيد.. المزيد من الصراع لن يكون في مصلحتنا».
الموقف الروسي
إلى جانب مكالمة بوتين وماكرون، ذكرت وزارة الخارجية الروسية، أمس الجمعة، أن مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني بضربة أمريكية في العراق من شأنه تصعيد التوترات في الشرق الأوسط. ونقلت وكالتا «ريا نوفوستي» و«تاس» عن الوزارة، أن مقتل سليماني «خطوة مغامرة ستفاقم التوترات في أنحاء المنطقة». وأضافت الوزارة: «سليماني خدم قضية حماية مصالح إيران القومية بإخلاص. تعازينا الصادقة للشعب الإيراني». وقال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الروسي كونستانتين كوساشيف، إن قتل سليماني خطأ سيرتد على واشنطن. واعتبر في تصريحات نشرها على صفحته على «فيسبوك»، إن «ضربات انتقامية ستلي بالتأكيد»، مضيفاً أن إسرائيل تشعر أيضاً بالقلق على الأرجح. واعتبر أن مقتل سليماني ينذر بانتهاء أي فرصة لإنقاذ الاتفاق النووي، كاتباً: «الآمال الأخيرة بحل المشكلة النووية الإيرانية قد نُسفت».