دعوات متزايدة لتغييره.. نتائج الانتخابات في إسرائيل تكشف عن نظامها السياسي المأزوم

وديع عواودة
حجم الخط
0

الناصرة – “القدس العربي”:
يستعرض تقرير للمركز الفلسطيني للشؤون الإسرائيلية (مدار) معالم النظام السياسي المعتمد في دولة الاحتلال والخاص بتشكيل الحكومات، منوها للحالة المعقدة الناشئة في ظل حالة التعادل التي أفرزتها الانتخابات الـ22 للكنيست.
وفي ختام المشاورات التي يجريها رئيس إسرائيل رؤوفين ريفلين مع ممثلي جميع الكتل البرلمانية الجديدة سيوصي بعد أيام بالشخص الذي يراه جديرا بالتكليف لتشكيل الائتلاف الحاكم الجديد.
وبموجب “قانون أساس: الحكومة”، يمنح رئيس الدولة عضوَ الكنيست المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة (وهو صاحب الحظوظ الأوفر في تشكيل الحكومة غالبا) مهلة مدتها 28 يوما لإنجاز المهمة، قابلة للتمديد بـ14 يوما إضافية، إذا لم يفلح في نهايتها بتشكيل حكومة جديدة يمكن لرئيس الدولة أن يلقي المهمة على عضو كنيست آخر تتاح له المهلة الزمنية ذاتها من غير تمديد. وإن نجح كان به، وإلا فيصار إلى إعادة الانتخابات من جديد.
تعتمد إسرائيل نظام الديمقراطية البرلمانية الذي لا ينتخب فيه المواطنون رئيس حكومتهم في انتخابات مباشرة (اعتمدت إسرائيل هذا النظام لفترة قصيرة جدا بين الأعوام 1996 و2001 حيث جرى خلالها اعتماد قانون الانتخاب المباشر لمنصب رئيس الحكومة)، بل تتحدد هويته (رئيس الحكومة) وفق موازين القوى الحزبية في الكنيست. ونظرا لأن أيا من الأحزاب لم يفز، لوحده، بأغلبية المقاعد في الكنيست في أية انتخابات في إسرائيل منذ تأسيسها، فليس في وسع نتائج الانتخابات أن تشكل مؤشرا دقيقا دائما إلى هوية رئيس الحكومة الجديد وتشكيلتها الجديدة.
ويضع القانون الإسرائيلي بين يدي رئيس الدولة صلاحية اختيار الشخص (عضو الكنيست) وتكليفه بمهمة تشكيل الحكومة الجديدة عقب الانتخابات البرلمانية، بعد أن يقدم رئيس لجنة الانتخابات المركزية إليه، رسميا، النتائج النهائية والرسمية للانتخابات. ولا يفعل رئيس دولة الاحتلال هذا إلا بعد إجراء مشاورات مع جميع الكتل البرلمانية التي فازت بتمثيل في الكنيست الجديد الذي تم انتخابه. وخلال هذه المشاورات، يستكشف رئيس الدولة موقف الكتل المختلفة بخصوص المرشح الذي تراه كل منها الأنسب لتشكيل الحكومة الجديدة. وفي ختام هذه المشاورات، يكوّن رئيس الدولة رأيا بصدد عضو الكنيست صاحب الحظوظ الأكبر في النجاح في تشكيل حكومة جديدة، وهو الذي يقوم بإلقاء المهمة عليه. ويتمتع رئيس الدولة في هذا السياق بمساحة واسعة من حرية الرأي والتقييم. وينص “قانون أساس” على أنه “من أجل تشكيل حكومة جديدة، يلقي رئيس الدولة، بعد التشاور مع ممثلي الكتل في الكنيست، مهمة تشكيل الحكومة على عضو في الكنيست أعلن موافقته وقبوله”.
وقد درجت العادة في إسرائيل على تكليف رئيس الدولة، غالبا، رئيسَ الكتلة الأكبر في الكنيست بمهمة تشكيل الحكومة الجديدة، أي الكتلة التي حصلت على العدد الأكبر من أعضاء الكنيست في الانتخابات. وعلى الرغم من أن العادة قد درجت على ذلك، إلا أن هذا ليس إلزاميا، في أي نص قانوني. ذلك أن المبدأ الموجّه في اعتبارات رئيس الدولة وقراره هنا هو الجواب عن السؤال التالي: مَن هو عضو الكنيست صاحب الحظوظ الأكبر والأوفر في تشكيل الحكومة الجديدة؟
ففي انتخابات للكنيست الـ18، التي جرت في عام 2009، مثلا، فاز حزب كديما بمقعد واحد أكثر من حزب الليكود (28 عضوا مقابل 27). واستنادا إلى ذلك، دعت رئيسة كديما آنذاك، تسيبي ليفني، رئيس الدولة في حينه شيمون بيريز، إلى إلقاء مهمة تشكيل الحكومة الجديدة عليها هي، لكن بيريز قرر تكليف رئيس الليكود، بنيامين نتنياهو بالمهمة بعدما تبين له -في ختام مشاوراته مع ممثلي الكتل البرلمانية المختلفة- أن الأخير يحظى بدعم عدد أكبر من أعضاء الكنيست، ولذا فهو صاحب الحظوظ الأوفر في إنجاز المهمة.
وينوه “مدار” أنه كما في إسرائيل، كذلك هي الحال في غالبية الدول التي تعتمد الديمقراطية البرلمانية، يتولى رئيس الدولة -وهو في العادة رئيس أو ملك يشغل منصبا رمزيا لا تنفيذياـ  صلاحية القرار بشأن هوية الشخص الذي ستناط به مهمة تشكيل حكومة جديدة. وهذا خلافا لنموذج آخر لنظام سياسي لا يتولى فيه رئيس الدولة صلاحية تعيين المكلف بتشكيل حكومة جديدة، بل يقر القانون، بصورة واضحة وصريحة، منح رئيس الحزب الأكبر (صاحب الكتلة الأكبر في البرلمان) الفرصة الأولى لتشكيل حكومة جديدة.

المفاوضات الائتلافية
ويشير “مدار” إلى أن القبول بالتكليف لا يشكل ضمانة لنجاح المكلّف في إنجاز مهمته، وخلال المهلة الزمنية المحددة. لافتا إلى أن فور تكليفه بالمهمة رسميا، يشرع المكلف في إجراء “مفاوضات ائتلافية” مع الكتل المختلفة المرشحة للانضمام إلى الحكومة الجديدة، بغية بلورة وبناء ائتلاف حكومي يستند إلى أغلبية برلمانية من بين أعضاء الكنيست. وغالبا ما ينجح الشخص المكلف بإنجاز مهمته خلال المهلة الزمنية التي حددها له رئيس الدولة (كما يحددها القانون)، رغم وجود حالات أخرى لم تكلل مساعي المكلفين بالنجاح، كما حدث بعد انتخابات نيسان الماضي. كذلك في عام 1990، وبعد سقوط حكومة إسحاق شامير في تصويت نزع الثقة عنها في الكنيست، ألقى رئيس الدولة، حاييم هيرتسوغ، على شيمون بيريز مهمة تشكيل حكومة جديدة.

لكن المفاوضات الائتلافية التي أجراها بيريز مُنيت بالفشل وأخفق في مهمته هذه. وحيال ذلك، ألقى رئيس الدولة على شامير مهمة تشكيل الحكومة الجديدة، فأفلح هذا الأخير في تشكيل حكومة يمينية. وفي عام 2008، في أعقاب تقديم رئيس الحكومة، إيهود أولمرت، استقالته إلى رئيس الدولة، شيمون بيريز، ألقى الأخير على تسيبي ليفني (التي انتخبت آنذاك لخلافة أولمرت في رئاسة حزب كديما) مهمة تشكيل حكومة جديدة، غير أن المفاوضات الائتلافية التي أجرتها ليفني لم تبلغ النتيجة المرجوة وكان إخفاقها السبب المباشر في تبكير موعد الانتخابات للكنيست الـ18.
ومع تكليف رئيس الدولة ريفلين عضو الكنيست المعنيّ بتشكيل الحكومة الجديدة تتاح له مهلة زمنية من 28 يوما لإنجاز المهمة. وإذا لم تكف المهلة الأولى، يمكنه أن يطلب من رئيس الدولة تمديدها فيستجيب هذا للطلب وفقا للقانون، فيمنحه مهلة إضافية مدتها 14 يوما. وإذا ما انتهت المهلة الإضافية، أيضا، من غير إنجاز المهمة، يكون رئيس الدولة حرا في إلقاء المهمة على عضو آخر من أعضاء الكنيست تتاح له مهلة زمنية مدتها 28 يوما فقط، غير قابلة للتمديد.
وتتراوح المدة الزمنية التي تستغرقها عملية ومساعي تشكيل حكومة جديدة في إسرائيل، عادة، ما بين 20 يوما في الحد الأدنى و100 يوم في الحد الأقصى. ويوضح “مدار” أنه لا تتميز إسرائيل بطول المدة الزمنية التي تستغرقها سيرورة تشكيل الحكومة بشكل خاص، قياسا بما يحصل في دول أخرى، كما في بلجيكا مثلا، التي تسجل الرقم القياسي في هذا المجال. وفي دولة الاحتلال كانت مهمة تشكيل الحكومات الجديدة خلال العقدين الأولين من عمر الدولة تستغرق وقتا أطول مما تستغرقه اليوم.

كم كتلة برلمانية في الائتلاف الحكومي؟
ويقول “مدار” إن حاجة أية حكومة جديدة إلى ثقة الكنيست لتصبح حكومة شرعية تستطيع مزاولة أعمالها وممارسة صلاحياتها القانونية، إلى جانب حقيقة أن أي حزب لم يفز بأغلبية برلمانية لوحده، على الإطلاق، تفسران حقيقة أن جميع الحكومات التي قامت في إسرائيل منذ تأسيسها وحتى اليوم هي “حكومات ائتلافية”، أي تتكون من ائتلاف عدة أحزاب معا، من بين الأحزاب الممثلة في الكنيست.
وقد تراوح عدد الكتل البرلمانية (الأحزاب) التي شاركت في الائتلافات الحكومية المتعاقبة على مر السنوات ما بين 3 – 9 كتل.
أما الرقم القياسي من حيث عدد الكتل البرلمانية المشاركة في ائتلاف حكومي فقد بلغ 9 كتل، وسجلته “حكومة الوحدة الوطنية” التي أقيمت في عام 1984 وضمت، إضافة إلى كتلتي الحزبين الكبيرين العمل والليكود، كتل الأحزاب التالية: المفدال، شاس، أغودات يسرائيل، ياحد، شينوي، موراشاه وأومتس. وضمت الحكومة التي شكلها أريئيل شارون في عام 2001، مثلا، سبع كتل هي: الليكود، حزب العمل، شاس، الاتحاد القومي ـ إسرائيل بيتنا، يهدوت هتوراه، يسرائيل بعلياه، وعام إيحاد. أما حكومة إسحاق رابين التي أقامها بعد انتخابات عام 1992، فقد ضمت ثلاث كتل فقط: حزب العمل، ميرتس، وشاس.
ويمكن القول إنه باستثناء حالتين فقط (في العامين 1992 و2003)، كانت كتلة رئيس الحكومة، دائما، في وضعية الأقلية في داخل الائتلاف الحكومي. وهذا الأمر ناتج عن ضعف قوة كتل السلطة (الكتل التي يشكل عضو منها الحكومة) خلال العقدين الأخيرين، مما يدفع باحثين محليين للدعوة لتغيير النظام السياسي بحيث يكون رئيس أكبر حزب بعد نتائج الانتخابات هو المكلف بشكل فوري بتشكيل حكومة، وهذا يؤدي لزيادة قوة الأحزاب الكبيرة.

وبينما كان رئيس الحكومة يتمتع في الماضي بدعم كتلة برلمانية كبيرة يبلغ تعداد أعضائها 40 أو حتى 50 عضو كنيست، فإننا نرى أن الواقع اليوم مختلف تماما. فقد كانت المرة الأخيرة التي تمتع فيها رئيس الحكومة بكتلة برلمانية كبيرة خلفه في عام 2003، حينما قاد أريئيل شارون حزب الليكود إلى انتصار كبير فاز خلاله بـ38 مقعدا في الكنيست.
والمعنى السياسي ـ الحزبي لمثل هذا الوضع واضح تماما، كما نراه خلال العقدين الأخيرين على نحو خاص: رئيس الحكومة الذي تقف خلفه كتلة برلمانية صغيرة يجد نفسه مضطرا كل الوقت إلى المناورة بين الشركاء الآخرين في الائتلاف الحكومي، مما يعزز قدرتهم على الابتزاز والمساومة، وهو ما يؤدي -في المقابل- إلى إضعاف قدرته على السيطرة والحكم والمحافظة على ائتلاف ثابت وقوي.
وعلى الرغم أنه من السابق لأوانه أن نحدد منذ الآن عدد الكتل البرلمانية التي ستكون شريكة في الائتلاف الحكومي الجديد الذي سيقام قريبا، إلا أن نتائج الانتخابات الأخيرة تدل على أن تجميع 61 عضو كنيست على الأقل (مؤيدين للحكومة الجديدة لتتمكن من نيل ثقة الكنيست) يحتاج إلى خمس كتل على الأقل، إلا في حال تشكيل “حكومة وحدة وطنية” كما هو مطروح اليوم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية