دعوة صارخة إلى الرؤساء اللبنانيين الثلاثة: لا تتلهوا بتفسير الدستور بل نفذوا أحكامه

حجم الخط
1

ليس أدل على الأزمة المزمنة والمتجددة التي يعانيها لبنان، من المنازعات والمزايدات والصفقات، التي سبقت ورافقت وأعقبت مناقشة مشروع الموازنة العامة لعام 2019 في مجلس النواب والتدبير ـ بل الشرط ــ الذي صدر عن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، لضمان توقيعه قانون الموازنة العامة، وهو توجيه رسالة إلى رئيس مجلس النواب، طالباً قيام المجلس بتفسير المادة 95 من الدستور، لجهة إلغاء قاعدة التمثيل الطائفي، وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني باستثناء وظائف الفئة الأولى.
في غمرة الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية المستفحلة، يوحي توجّه رئيس الجمهورية لتفسير المادة 95 من الدستور، كأنما المخرج من الأزمة المستعصية بات في إعادة تنظيم قواعد الطائفية السياسية، وليس إلغاءها، في حين أن المادة عينها تنصّ على ما هو أهم من مسألة مراعاة مقتضيات الوفاق الوطني. ذلك أنها تدعو مجلس النواب إلى «اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية، وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية، تضم بالإضافة إلى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء، شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية مهمتها دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية، وتقديمها إلى مجلسي النواب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية».

البقاء في حال الطائفية والفساد والحروب الأهلية موتٌ بطيء فيما الانطلاق للتغيير الديمقراطي ارتقاء لحياة حضارية جديدة

الرؤساء الثلاثة يعلمون أن مختلف العهود والحكومات منذ إقرار الدستور سنة 1926 وإنجاز الإستقلال سنة 1943، ولغاية الوقت الحاضر تهاونت في تنفيذ أحكامه، بل قامت بمخالفتها لدوافع وأعذار شتى، فهل معالجة هذه المشكلة المزمنة تكون بالتلهي بتفسير أحكام الدستور؟ أم بالمسارعة إلى تنفيذها بحكمة وعدالة؟ أزاء عجز أهل النظام السياسي عن سدّ فجوات هيكله المتداعي، وترهل الشبكة السياسية المتحكمة، وفقدانها مسوّغات شرعيتها، وتدني فعاليتها، كما فقدان القوى الوطنية والتقدمية حيويتها وجدّيتها، واحتدام الصراع بين المحور الصهيوامريكي من جهة، ومحور المقاومة العربية المدعوم من إيران وروسيا من جهة أخرى، دعا السيد حسن نصرالله إلى عقد مؤتمر تأسيسي لمعالجة الأزمة، وإيجاد مخرج وطني منها. لكن أهل النظام وآخرون سارعوا إلى اعتبار دعوة السيد نصرالله تمهيداً لحصر السلطة في اركان الطوائف الثلاث الكبرى، الأمر الذي حمله على طيّها. كذلك كان حال دعوةٍ أطلقتها قوى وطنية وتقدمية لعقد مؤتمر وطني للإصلاح الديمقراطي، ولمقاومة «إسرائيل» والتقسيم والطائفية والفساد. فقد تجاهلها أهل النظام وأمعنوا في اعتماد مسارهم الطوائفي المركانتيلي الفاسد.
نريد اليوم أن نتحلّى بمزيد من الصبر والأمل، بدعوة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى أن يبادر، بالتفاهم مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، إلى تطوير موجب إنشاء الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية المنصوص عليه في المادة 95 من الدستور إلى تدبير استثنائي أفعل تستوجبه الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، يقضي بأن يدعو الرؤساء الثلاثة مجتمعينَ ومستلهمينَ مُرتجى المادة 95 من الدستور (إلغاء الطائفية السياسية) إلى عقد مؤتمر وطني تأسيسي مؤلّف من مئة شخصية وطنية، تكون عضويته وأهدافه وفق الأسس الآتية:
(أ) أربعون عضواً من الكتل البرلمانية التي يضمّ كلٌ منها أربعة أعضاء على الأقل، يمثلون واقعياً وافتراضياً نسبة الـ49% من المواطنين الذين شاركوا في الانتخابات الأخيرة، بحسب بيان وزارة الداخلية في حينه.
(ب) خمسون عضواً من الأحزاب والنقابات وتشكيلات المجتمع المدني، يمثلون نسبة الـ51% من المواطنين الذين قاطعوا الانتخابات النيابية الأخيرة.
(جـ) تُسمّي قيادات الكتل البرلمانية والأحزاب والهيئات المشار إليها آنفاً ممثليها بالتوافق في ما بينها، وإذا تعذّر عليها التوافق ترفعُ اقتراحات بأسماء أعضائها الجديرين بتمثيلها كي يقوم الرؤساء الثلاثة باختيار العدد المطلوب من بينهم.
(د) عشرة أعضاء يتوافق الرؤساء الثلاثة على تسميتهم ويراعون في اختيارهم تمثيل المناطق والقطاعات التي تعذّر تمثيلها في الفئتين المار ذكرهما.
(هـ) تتمّ عملية تكوين الهيئة العامة للمؤتمر الوطني التأسيسي في مهلة شهر واحد من تاريخ انطلاق تنفيذها، على أن يدعو الرؤساء الثلاثة فور انتهائها إلى عقد المؤتمرالوطني التأسيسي بالأعضاء، الذين تمّت تسميتهم شرط ألاّ يقل عددهم عن خمسين من مجموع أعضائه المئة.
(و) يعقد المؤتمر الوطني التأسيسي جلسات متواصلة لإنجاز مهامه في مهلة لا تتجاوز الثلاثة أشهر.
(ز) يهدف المجلس الوطني التأسيسي في عمله إلى تحقيق المبادئ والإصلاحات الآتية:
أولاً: الخروج من نظام الطائفية السياسية الفاسد والشروع ببناء الدولة المدنية الديمقراطية.
ثانياً: اعتبار قوانين الانتخاب المتعاقبة منذ الاستقلال غير دستورية، وإن اعتماد قانون انتخابي يضمن صحة التمثيل الشعبي وعدالته، شرطٌ ومدخلٌ لبناء الدولة المدنية الديمقراطية، ومنطلقٌ لإقرار سائر القوانين والإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المطلوبة.
ثالثاً: إقرار قانون للانتخاب يراعي مبادئ مقدّمة الدستور وأحكامه، ولاسيما المادتين 22 و27 منه، على الأسس الآتية:
1ـ اعتماد النسبية في دائرة انتخابية وطنية واحدة.
2 ـ يكون مجلس النواب مؤلفاً من 130 نائباً، مئة منهم يُنتخبون بموجب لوائح مرشحين مناصفةً بين المسيحيين والمسلمين، من دون التوزيع المذهبي للمقاعد، ويُنتخب الثلاثون الباقون وفق التوزيع المذهبي، على أن يكون لكل ناخبٍ صوت واحد.
3 ـ يجتمع كل النواب المنتخبين في هيئة مشترعة واحدة ويقومون بإقرار قانونين:
الأول يقضي باعتبار النواب المئة المنتخبين على أساس المناصفة، بلا توزيع مذهبي للمقاعد، قوامَ مجلس النواب المنصوص عليه في المادة 22 من الدستور، واعتبار الثلاثين نائباً المنتخبين على أساس التوزيع المذهبي، قوامَ مجلس الشيوخ، وفق المادة عينها.
الثاني يقضي بتحديد صلاحيات مجلس الشيوخ باعتماد المواضيع المعتبرة أساسية في الفقرة 5 من المادة 65 ـ دستور.
رابعاً : يُعرض مشروع قانون الانتخاب الديمقراطي الجديد على استفتاء شعبي عام، ويُعتبر قانوناً شرعياً مستوجباً التنفيذ، كما يعتبر مجلس النواب القائم منحلاً بموجبه، إذا ما نال موافقة لا أقل من خمسين في المئة من أصوات المواطنين المشاركين.
خامساً : يتوافق الرؤساء الثلاثة، بعد استشارة أعضاء المجلس الوطني التأسيسي، على تأليف حكومة وطنية جامعة لإجراء الانتخابات وفق أحكام قانون الانتخاب الجديد، وإنتاج مفاعيله الدستورية والقانونية.
ماذا لو تعذّر، لســبب أو لآخر، سلوك هذا المسار التغييري النهضوي الديمقراطي؟ أرى أن القوى الحيّة عموماً والقوى الوطنية والتقدمية خصوصاُ، المراد إئتلافها في جبهة وطنية عريضة، مدعــــوة إلى اعتماد خيار العصيان المدني، ومباشرة تنفيذ متطلباته ضد مؤسسات النظام الطائفي الفاسد، والقائمــــين بإدارته، وتصعيد الضغط الشعبي لغاية تسليم المسؤولين ذوي الصلة بتنفيذ برنامج التغيير الديمقراطي، بمبادئه وأسسه وإجراءاته المشار إليها آنفاً. إن البقاء في حال الطائفية والفساد والحروب الأهلية موتٌ بطيء ومحتّم، فيما الانطلاق إلى التغيّر والتغيــير الديمقراطي النهضوي ارتقاء إلى حياة حضارية جديدة وابداعية، وقد آن الأوان.

٭ كاتب لبناني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سوري:

    محور المقاومة طبيب للمجتمعات و الدول و يعالج كل المشاكل بوصفة واحدة !!!

إشترك في قائمتنا البريدية