لا يتقيد الكاتب المغربي بوعزة التايك في نصوصه بجنس أدبي معين، فكتاباته مزيد من السرد والشعر والمقالة والخاطرة. ويعتمد على الاختزال والتكثيف، مثلما يتجلى في كتابه الجديد الصادر حديثا تحت عنوان «دموع تراقصني»، عن دار أبي رقراق للطباعة والنشر بالرباط.
كتابة شذرية، سلسة في مبناها، عميقة في معناها، تنضح بأبعاد قومية وإنسانية جلية. وعلى الرغم من تعدد نصوص الكتاب الذي بين أيدينا (أكثر من 200 نص) فإن ثمة خيطا رفيعا ناظما لها جميعها، يجسده فيضان مشاعر الكاتب، كما لو أننا بصدد سيرة منكشفة يلتقي فيها الذاتي بالموضوعي.
نصوص ناطقة بالهم القومي، تفيض عشقا لفلسطين وللعراق، وتمجد الحرية والانعتاق، وتنبذ الظلم والديكتاتورية والاستبداد. يطلعنا بوعزة التايك على بئر أسراره، حين يكتب على ظهر غلاف الكتاب: «دموعي تسيل منذ ستين عاما، على حبيبتي فلسطين. فمتى سينتهي فصل الدموع والحزن ليبدأ فصل دموع الفرح بعد تحرير واستقلال فلسطين؟».
مشاهد حية أشبه ما تكون بلقطات من سيناريو يصورها لنا المؤلف:
ـ مرة نكون أمام مشهد المرأة الفلسطينية المتكئة على جذع شجرة، بعدما هدم الصهاينة بيتها واعتقلوا زوجها ومنعوها من إرضاع صغيرها…
ـ ومرة ثانية يقدم لنا مشهدا لطفل فلسطيني جيء به إلى حائط المبكى تحت أنظار الكاميرات، وأُمر بالبكاء حتى لا يتهم بمعاداة السامية، فأخذ يبكي من الضحك…
ـ وفي زمان ومكان مغايرين، يطالعنا سائح إسرائيلي يتجول بين الأهرام. وهناك نكاد نسمع نحيب أبي الهول من صنيع السادات تجاه مصر.
وبين دفتي الكتاب ومشاهده، تحضر أسماء وشخصيات متعددة: ناجي العلي، سناء محيدلي، أبو إياد، أبو جهاد، محمد جمال الدرة، محمود درويش… كما يستحضر الكاتب «عائلة» الإجرام: بن غوريون، شامير، رابين، شارون، بيريز، غولدا مايير… وغيرهم. وعلى الرغم من مسحة الحزن والسخرية السوداء الطاغية على النصوص، فإن بصيص أمل ينبجس من بين ثناياها، بصيص يجسده الإصرار على العودة ـ يوما ـ إلى القرية: «سنعود إلى قريتنا، وسنزيل الأشواك من حقولنا، وسنزرعها أزهارا وسنابل، سنعيد بناء أعشاش اللقالق والحمائم، وسنحمل شيوخنا على أكتافنا، وسنحكي لهم الحكايات التي لقنوها لنا».
وبذلك، فالكتاب ـ كما وصفته وكالة المغرب العربي للأنباء ـ نفحات ساخرة من معين الألم في تشخيص واقع العالم العربي وفضح لسوداوية حال الاستبداد والمستبد وسيرة ممتدة من سقوط العراق الى الصوت المتعالي في ساحة التحرير.
يكشف بوعزة التايك في مقدمة إصداره الجديد عن سر علاقته الأولى بالكتابة، فيقول: «أنا الموقع أسفله وأعلاه، أعترف أن تنهدات أطفال العراق لحظة تنفيذ حكم الإعدام في أحلام عصافير العامرية، كانت الشوكة التي لسعت سويداء ملكتي وفتحت لي أبواب الكتابة وأنا في سن الخامسة والأربعين. أعترف أنني لم أتبرع ولو بفلس مريض لشراء الدواء لعروس الطفل العراقي التي انشطر قلب وردتها يوم زفافها لأمير النحل. أنا الموقع أسفل حذاء الرئيس الأمريكي، أعترف أني أشتم الوقاحة الأمريكية كلما خرجت الأمم المتحدة بقرار ضد طفل عراقي بال موجها فوهة مدفعه صوب البيت الأبيض. أنا الموقع أسفل الموقف العربي، أعترف أني شاركت في مسيرة مليونية بالرباط سنة 1992 لمساندة الشعب العراقي، وأحرقت إحدى نجوم العلم الأمريكي».
من بين عناوين هذا الإصدار: «دراكولا الجديد»، «الشعب القصيدة»، «لا تخافي يا أمي»، «الرصاص المختار»، «محكمة»، «يريد حليبا أحمر»، «ليلة الموت»، «بلاد العرب أوطاني»، «محمد جمال الدرة»، «ورود لا تموت»، «ما يريده الشعب»، و «قلبان في ميدان التحرير».
سبق لبوعزة التايك أن نشر كتابا بعنوان «أنياب في جسد الأحلام» وآخر تحت عنوان «قلب مدنس» باللغة الفرنسية.
*كاتب من المغرب
[email protected]
الطاهر الطويل
تلم لنا يدك وقامك وعقلك المفكر المبدع هكذا الرجولة والحس العربي لك ولامثالك من كتاب وصحافيين شرفاء
لا يسعنيهنا كفلسطيني عروبي الا ان اقول في هذه الايام والمجازر التي تحدث للفلسطينين وبقية الشعب العربيالا ان اقول يا للعار والخزي لكتاب واعلام النظام العربي المهزومين