لندن – “القدس العربي”: بلغت الإثارة ذروتها في الجولة الثالثة لدور مجموعات دوري أبطال أوروبا، بكم غير مسبوق من الأهداف، خصوصا في اليوم الافتتاحي للجولة، الذي شهد 30 هدفا في 8 مباريات، بمعدل نحو 4 أهداف في المباراة الواحدة، بجانب ذلك، نجح بعض الأندية الكبيرة في تصحيح أوضاعه وإنعاش فرصه في تخطي دور المجموعات بعد البداية المتواضعة في أول جولتين.
الهروب من المجهول
اتجهت الأنظار نحو ملعب “تيليكوم آرينا” في العاصمة التركية الثانية اسطنبول مساء الثلاثاء الماضي، لمتابعة ومراقبة ما سيفعله بطل القارة 3 مرات في آخر 4 سنوات أمام مضيفه العنيد غالطة سراي، في مباراة اعتبرها الإعلام الإسباني، وخصوصا المدريدي، بمثابة الفرصة الأخيرة لزيدان، ووضح ذلك من خلال الهجمة الشرسة التي أطلقها كبار الإعلاميين المقربين من فلورنتينو بيريز مثل مقدم برنامج “الشيرينغيتو” ورئيس تحرير صحيفة “آس” على المدرب الفرنسي، فيما اعتبرت إشارات واضحة لاقتراب نهاية ولاية زيزو الثانية مع النادي، ولاحظنا كيف بالغت الصحف المحسوبة على “اللوس بلانكوس” في إبراز أرقام المدرب السلبية في ولايته الثانية بعد الهزيمة أمام مايوركا بهدف نظيف في عطلة نهاية الأسبوع، التي أهدت الغريم الأزلي برشلونة صدارة الليغا بعد اكتساح إيبار بثلاثية بلا هوادة في اليوم ذاته. الشاهد، أن الرأي العام استعد لخبر إقالة المدرب إذا عاد من تركيا بنتيجة مخيبة للآمال، لكن من حُسن الحظ، أن الحارس البلجيكي تيبو كورتوا قدم أروع مبارياته على الإطلاق مع النادي الملكي منذ قدومه من تشلسي في صيف 2018، بنجاحه في إنقاذ ما لا يقل عن 3 أهداف محققة في الشوط الأول، كانت كفيلة بوضع زيزو ورجاله في وضع لا يحسدون عليه، إلا أن تألقه اللافت أبقى على فرص الريال لخطف النقاط الثلاث، وهو ما حدث بفضل التوظيف الرائع للغالاكتيكو الجديد إيدين هازارد، بوضع الكرة بين قدميه بالقرب من مربع العمليات، وليس كجناح كلاسيكي في أقصى الجهة اليسرى. ومن الإيجابيات الأخرى في المباراة، ظهور الشاب فيدريكو فالفيردي بمستوى مبشر مرة أخرى، كلاعب وسط مدافع بجانب كاسيميرو على دائرة المنتصف، ما أعطى صلابة لمنطقة العمق، مقارنة بالوضع عندما يلعب توني كروس بجانب البرازيلي على الدائرة وأمامهما لوكا مودريتش، حيث يظهر الوسط أقل حركة وعدوانية، لتقدم الكرواتي في السن وضعف الألماني في الأدوار الدفاعية.
لكن في وجود فالفيردي بدا الوسط أكثر حدة وحركة، وانعكس ذلك على الدور الجديد لكروس بوضعه كرأس مثلث أمام الشاب الإسباني وكاسيميرو، لربط الوسط بثلاثي الهجوم، وحسنا فعل بمساعدة هازارد على تفجير طاقته، باختيار الوقت المناسب بتمرير الكرة له في أقرب مكان لخط منطقة الجزاء، لم نشاهد البلجيكي يطلب الكرة في منتصف الملعب كما كان يستنزف طاقته في مراوغات وانطلاقات لا قيمة لها في أماكن بعيدة عن البقعة السحرية في الملعب، ويُحسب كذلك للقائد سيرخيو راموس ورفاقه المدافعين صمودهم أمام ضغط الفريق التركي في الدقائق الأخيرة، بصرف النظر عن نتائج غالطة سراي السلبية في مبارياته الأخيرة، نظرا للضغوط الهائلة التي تعرض لها الملكي قبل المباراة، والتي جعلت راموس يقول في المؤتمر الصحافي: “نحن مع زيدان حتى الموت”، وهي كلمات تعكس مدى أهمية المباراة بالنسبة لمشروع زيدان، لذا يمكن القول بأن الانتصار في حد ذاته، بمثابة “طوق نجاة” للفريق، فمنها حافظ على سمعته بالقفز للمركز الثاني في المجموعة بالوصول للنقطة الرابعة بفارق خمس نقاط عن باريس سان جيرمان، الذي اكتسح كلوب بروج بخماسية، منها “هاتريك” للمدمر العائد من الإصابة كيليان مبابي، بالإضافة إلى ذلك، أسكب الفوز الأوروبي القليل من الماء البارد على الشائعات التي تراهن على رحيله في المستقبل القريب، لكن النقطة السلبية المستمرة مع الفريق منذ رحيل كريستيانو رونالدو، افتقار العملة النادرة القادرة على استغلال أنصاف الفرص. ولنا أن نتخيل لو أتيح نصف هذا الكم الهائل من الفرص للدون، أقل شيء، كان ممكن أن تكون النتيجة 6-1، وهذا صداع لن يتخلص منه لا زيدان ولا الريال في المستقبل القريب وربما البعيد، لصعوبة العثور على كنز مثل كريستيانو.
انقلاب في المجموعة الحديدية
صحيح أن الصدارة لم تتغير في مجموعة الموت السادسة، باحتفاظ برشلونة بها بعد الفوز الشاق على سلافيا براغ بهدفين لهدف، لكن الجديد أن أفاعي أنطونيو كونتي عادوا لدائرة المنافسة على مقعد مؤهل للأدوار الإقصائية، بترويض أسود بوروسيا دورتموند في استاد “جوسيبي مياتزا” في مدينة ميلانو بثنائية لاوتارو مارتينيز وأنطونيو كاندريفا، ليقفز الإنتر إلى المركز الثاني بأربع نقاط بفارق الأهداف عن البوروسيا دورتموند وثلاث نقاط عن أصدقاء البرغوث، وذلك بعد البداية المتعثرة بجمع نقطة واحدة في أول جولتين مثل الجار الجنوبي ريال مدريد، لتنقلب أوضاع المجموعة مع بداية الدور الثاني، وبالنظر كيف حدث ذلك، سنجد أن الفريق الإيطالي ظهر بنسخة مدربه، بتأمين دفاعي بثلاثة في الخط الخلفي كعادته، مع صبر وهدوء على الكرة في وسط الملعب، يكون أشبه بالهدوء الذي يسبق العاصفة في دفاع أسود الفيستيفاليا، حتى لغة الأرقام تقول إن الحارس سمير هاندانوفيتش تعرض لـ5 تسديدات، وهو أقل عدد من التسديدات على الفريق منذ نسخة 2003-2004، ولولا تألق الحارس رومان بوركي في أكثر من مشهد، مثل تصديه لركلة جزاء لاوتارو لانتهى اللقاء بنتيجة كبيرة وليس هدفين نظيفين، وبتأثير أكبر من بوركي، لعب الألماني أندريه تير شتيغن دور المنقذ في مباراة البارسا أمام سلافيا براغ، خاصة في الشوط الأول، بالحفاظ على نظافة شباكه في 3 اختبارات صعبة جدا على أي حارس، منها تصديه لكرة سددها بيتر أولاينكا من على خط منطقة الست ياردات، ليأتي دور ميسي بإضافة براغ لقائمة ضحاياه الـ33 في البطولة، معادلاً نفس رقم كريستيانو رونالدو وراؤول غونزاليز، ومع استمرار الضغط، انتهى صمود الجدار الألماني في الشوط الثاني، ثم بالموهبة الفطرية قتل السفاح لويس سواريز المباراة بهدف من ربع فرصة، في واحدة من أصعب وأسوأ مباريات الكتالان في البطولة، بشهادة جُل اللاعبين في حديثهم مع وسائل الإعلام بعد المباراة، لكنها أظهرت النسخة التقليدية لبرشلونة فالفيردي. تألق غير عادي من تير شتيغن وخطف النقاط من المنافس بلمحة إبداعية من ميسي أو لويس سواريز، حتى أنطوان غريزمان، ظهر بصورة لا تقارن بما كان عليه في عطلة نهاية الأسبوع أمام إيبار. أما الدفاع، فحدث ولا حرج عن هشاشته في وجود الرباعي سيميدو وبيكيه ولونغليه وخوردي ألبا، ومع هذه الحالة، كان الوسط في واد والهجوم في واد، ما سهل على لاعبي سلافيا الاختراق من العمق والأطراف بسبب المساحات الكبيرة أمام رباعي الدفاع المهتز بطبيعته، وهذا ناقوس خطر لإمكانية تكرار نفس سيناريو السنوات الماضية، بالخروج من البطولة في أول مباراة لا يصنع ميسي فيها الفارق على غرار ريمونتادا روما وكابوس “الرابع وأوريغي”، لكن في أسوأ الحالات، يمكن القول بأنه بنسبة تزيد على 90% لا خوف على مكان “البلو غرانا” في الأدوار الإقصائية، حتى لو استمر بهذه النسخة الباهتة جدا، والفضل أولاً لليو وثانيا تألق تير شتيغن.
صحوة الإنكليز
الملاحظ في هذه الجولة، الاستفاقة الجماعية للأندية الإنكليزية بنجاح الممثلين الأربعة في تحقيق الفوز للمرة الأولى في جولة واحدة، وكان أكثر الإنكليز سعادة في هذه الجولة توتنهام، فأولاً صالح المدرب ماوريسيو بوتشيتينو ورجاله الجماهير بانتصار كبير على النجم الأحمر الصربي، وصل قوامه لخماسية نكراء، تعويضا على فضيحة سباعية بايرن ميونيخ في المرحلة الماضية، وأيضا لكسر نحس النتائج السلبية، باستعادة نغمة الانتصارات الغائبة منذ آخر فوز حققه الفريق في نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، وكان على حساب ساوثهامبتون في الأسبوع السابع للبريميرليغ، بجانب ذلك، سار على نهج الريال والإنتر بتعزيز فرصه في التأهل للأدوار الإقصائية بتأمين وصافة المجموعة الثانية بأربع نقاط، بفارق نقطة عن ضحيته الصربي وخلف المتصدر بايرن ميونيخ بخمس نقاط. كذلك جاره اللندني تشلسي، حافظ على صحوته بعد البداية المتعثرة بالسقوط أمام الخفافيش، بتحقيق الفوز الثاني على التوالي، وعلى حساب المرشح الأول للصدارة أياكس أمستردام في عقر داره “يوهان كرويف آرينا” بهدف للبديل السوبر ميشي باتشواي، ليتساوى مع قاهر ريال مدريد ويوفنتوس الموسم الماضي في عدد النقاط، لكل منهما 6 نقاط، بعدما فرط فالنسيا في تقدمه أمام ليل في الدقيقة 95، ليبقى في المرتبة الثالثة بأربع نقاط ثم مضيفه الفرنسي في ذيل المجموعة بنقطة يتيمة. أيضا حامل اللقب ليفربول استمر في مطاردة نابولي على صدارة المجموعة الخامسة بافتراس جينك على ملعبه ووسط أنصاره بأربعة أهداف مقابل هدف، بالصورة والنسخة المعروفة عن الريدز عندما يكون صلاح وماني وفيرمينو في يومهم، والمفاجأة السارة كانت في قذائف أليكس أوكسليد تشامبرلين، التي منحت الريدز الأفضلية بهدفين، منهما تسديدة من زمن آخر، أطلقها بوجه قدمه الخارجي من خارج منطقة الجزاء في المكان المستحيل على الحارس، قبل أن يأتي الدور على أسد التيرانغا ليقتل المباراة بالثالث بهدية من صلاح، الذي ختم المهرجان بهدف على طريقة ليو ميسي، بخداع مدافعين اثنين في لعبة واحدة، ثم سدد بيمناه كرة أرضية ضربت في القائم الأيمن وعانقت الشباك. فقط ما أفسد الليلة لقطة اهتزاز شباك الحارس أليسون قبل إطلاق الصافرة بدقيقتين، وذلك في نفس اللحظة التي سجل فيها إنسيني هدف انتصار نابولي على ريد بول سالزبورغ في عقر داره، لتبقى الصدارة في حوزة فقراء الجنوب بسبع نقاط، بفارق نقطة عن أصدقاء صلاح حتى موعد آخر. أما رابع الانكليز مانشستر سيتي، فقد واصل مذابحه في منافسيه، بإذلال أتالانتا الايطالي بخمسة أهداف مقابل هدف، بعد ثلاثية شاختار وثنائية دينامو زغرب النظيفتين، ليصبح تأهل الإعصار السماوي للدور المقبل مجرد مسألة وقت.
نجوم أظهرت ملامح المجموعات
خطفت أسماء بعينها الأضواء من الجميع في هذه الجولة، أبرزهم القطار الفرنسي السريع كيليان مبابي بتدمير كلوب بروج في نصف ساعة، بتسجيل “هاتريك” وصناعة هدف لماورو إيكاردي، لكن الأكثر تأثيرا في نتيجة المباراة، كان القصير الأرجنتيني باولو ديبالا، الذي سحب البساط من تحت أقدام كريستيانو رونالدو في ليلة معاناة سيدة إيطاليا العجوز أمام لوكوموتيف موسكو، بتكفله بتسجيل هدفي التشبث بصدارة المجموعة، بعد فوز أتلتيكو مدريد على باير ليفركوزن بهدف نظيف، موجها صفعة جديدة للمدرب السابق ماسيميليانو أليغري، الذي حرم الفريق من هذا التأثير الكبير في جُل وأهم مباريات الموسم الماضي. لكن على أي حال، ظهرت ملامح المجموعة، باستمرار الصدارة معلقة بين اليوفي والأتلتي حتى صدام “يوفنتوس آرينا”، الذي سيكشف عن هوية متصدر المجموعة. ومن نجوم الجولة، ثنائي توتنهام هاري كاين وهيونغ مين سون، بتناوب الاثنين على تسجيل ثنائية في سهرة اكتساح النجم الأحمر بالخمسة والعودة للمنافسة على مركز مؤهل للدور المقبل، وهو نفس ما فعله منافسهم في المجموعة روبرت ليفاندوسكي في اختبار بايرن ميونيخ ضد أولمبياكوس الصعب، الذي حسمه البايرن بشق الأنفس بنتيجة 3-2، ليؤكد انفراده بصدارة المجموعة بالعلامة الكاملة في الدور الأول، بفارق 5 نقاط عن الوصيف اللندني، كذلك البلجيكي دريس ميرتينز خطف الأضواء بثنائيته في ريد بول سالزبورغ، منها ساهم في أول انتصار لفريقه خارج القواعد في البطولة الأوروبية منذ 3 سنوات، ومنها ضمان الصدارة بفارق نقطة عن ليفربول. كما أنه على المستوى الشخصي، دخل التاريخ من أوسع أبوابه بتجاوز عدد أهداف الأيقونة دييغو أرماندو مارادونا بقميص نابولي، بوصوله لهدفه الشخصي الـ16 بفارق هدف عن أسطورة الأرجنتين، الاستثناء الوحيد الذي لم يؤثر تألقه الفردي على نتيجة فريقه، كان هداف البطولة الظاهرة إيرلينغ هالاند الذي دك شباك فقراء الجنوب مرتين، بعد هدفه في “أنفيلد” في الجولة السابقة، ليرفع رصيده لستة أهداف، على بعد هدف من هداف البطولة ميسلاف أورسيتس مهاجم دينامو زغرب، لكن بالنسبة لفريقه، فتقلصت فرصه في تجاوز المجموعات بتأخره بثلاث نقاط عن الوصيف وأربعة عن المتصدر. فقط المجموعة المجهولة التي لا تحظى بمتابعة كبيرة، والإشارة للمجموعة السابعة، هي الوحيدة التي لم تظهر ملامحها، باستمرار لعبة الكراسي الموسيقية على الصدارة والوصافة، باستقرار الصدارة هذه المرة على لايبزيغ عقب انتصاره على زينت سان بطرسبرغ بهدفين لهدف، ليرفع رصيده لست نقاط، بفارق نقطتين عن ضيفه الروسي، ومثلهما عن ليل بعد هزيمته أمام بنفيكا، الذي عاد للمنافسة بتحقيق أول ثلاث نقاط بعد هزيمته في أول مباراتين، نلاحظ أن الفارق بين الأول والأخير نتيجة مباراة واحدة، ما يعني أنها في الغالب ستبقى معلقة حتى إطلاق صافرة النهاية.