لندن – “القدس العربي”:أسفرت مراسم قرعة دور مجموعات دوري أبطال أوروبا، عن مواجهات من العيار الثقيل، منها مباريات نارية وأخرى عاطفية بامتياز، لكن الأهم والأكثر إثارة وجماهيرية، سيكون صدام المجموعة السابعة، الذي سيجمع بطل إيطاليا في آخر تسع سنوات بالعملاق الكتالوني برشلونة، في قمة ستعيد إلى الأذهان زمن الكلاسيكو الاستثنائي بين ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو، كأول مواجهة بينهما منذ انتقال صاروخ ماديرا إلى يوفنتوس في صيف 2018.
هدية اليويفا للعالم
سواء كانت للكرات الباردة والساخنة دورا في اختيارات القرعة أم لا، يبقى وقوع اليوفي والبارسا في مجموعة واحدة، جنبا إلى جنب مع دينامو كييف الأوكراني وفرينكفاروش المجري، أفضل مكافأة وهدية لعشاق الكرة الجميلة بوجه عام، وعشاق الدون والبرغوث على وجه الخصوص، إذ أنها ستعيد إحياء الصراع الأزلي بين الاثنين بعد سيطرتهما على الألقاب الفردية المرموقة طيلة السنوات الـ12 الماضية، بحصول الأرجنتيني على الكرة الذهبية 6 مرات مقابل 5 مرات لأيقونة البرتغال، وفي الوقت ذاته، ستعطي رسائل مبكرة للأكثر رغبة وجدية في الحصول على “الكرة الذهبية” وجائزة “الأفضل” في العام المقبل، بعد ظروف جائحة كورونا، التي أفسدت حفلة “البالون دور” هذا العام، وما يعطي إثارة مضاعفة للقمة الإيطالية الكتالونية، أنها من نوعية المباريات التي يصعب الاجتهاد فيها، سواء بتوقع النتيجة أو التكهن بالسيناريو، الذي ستسير عليه المباراتان، وذلك بطبيعة الحال، للظروف المشابهة لكلا الفريقين، بوجود مدرب جديد هنا وهناك، بهدف وضع حجر أساس مشروع مستقبلي، بعد الفشل الذريع لماوريسيو ساري في موسمه العابر مع سيدة إيطاليا العجوز، والأمر ذاته بالنسبة لكيكي سيتيين، الذي أنهى رحلته القصيرة مع البلوغرانا، بفضيحة القرن أمام بايرن ميونيخ. الفارق الوحيد، أن الفريق الإسباني، عانى من أزمات بالجملة خارج الملعب، على خلفية نزاع ميسي مع مجلس الإدارة بقيادة الرئيس جوسيب ماريا بارتوميو، بحثا عن الرحيل الآمن، ورغم فشل المحاولة، لتمسك الإدارة ببقاء الهداف التاريخي، بمقايضته بالشرط الجزائي في عقده، وما حدث بعد ذلك، بخروج ميسي عن صمته في حواره الشهير مع موقع (Goal)، لكن المتغيرات الجديدة، تُعطي مؤشرات الى أن النجم الكبير تراجع خطوة إلى الوراء، والدليل على ذلك، اعتذاره الضمني للمشجعين في أحدث ظهور إعلامي مع صحيفة “سبورت” المقربة من النادي، وهي التصريحات التي لم يتوقف عندها الإعلام، كونها من النوع غير المفضل بالنسبة للصحف والمواقع في عصر “السوشيال ميديا”، أو بالأحرى خالية من الإثارة، على عكس توجه الذوق العام، الذي يبحث دائما عن “التريند”.
رسائل ميسي
في كل الأحوال، فهمنا من ميسي، أنه تقريبا، والله أعلم، نادم أو يشعر بعقدة الضمير، لمجرد أنه تسبب في خلع قلوب المشجعين، بالكشف عن رغبته في الرحيل. بجانب ذلك، طلب من عشاق النادي الالتفاف حول الفريق، ليكون القادم أفضل، فيما يمكن تفسيره أنه قد يعيد النظر في فكرة إنهاء مسيرته في مكان آخر غير “كامب نو”، إذا جرت الأمور كما يتم التخطيط لها مع المدرب رونالد كومان، وذلك تزامنا مع بدء التحقيق في صحة الأصوات المطالبة بعزل الرئيس جوسيب ماريا بارتوميو، وأيضا بعد البداية المقنعة، التي استهلها بقيادة المشروع الشاب لاكتساح فياريال برباعية بلا هوادة في 45 دقيقة، ثم بإسقاط ريال بيتيس خارج القواعد بثلاثية نظيفة، وذلك بعشرة لاعبين منذ طرد الفرنسي كليمونت لينغليه مع بداية الشوط الثاني، كثاني مباراة يخرج منها بشباك نظيفة بدون جدار برلين تير شتيغن المصاب، مع كسر عقدة ملعب “بالاديوس”، ذاك الملعب، الذي لم يخرج منه ميسي وباقي الرفاق بأي انتصار منذ 2015، والشيء المهم، أن الفريق يلعب بشكل جيد، بظهور الملامح الأولى لبصمة مدرب الأراضي المنخفضة سابقا، بما في ذلك، الثقة الواضحة على أداء مفاجأة الموسم أنسو فاتي، الذي سجل بمفرده 3 أهداف في أول مباراتين، ومعه العائد بصورة مختلفة فيليب كوتينيو، وكأنه لاعب جديد يرتدي القميص رقم 14، بتجسيد المصطلح الكروي المعروف “الكثافة” في الثلث الأخير من الملعب كما يقول الكتاب، وإذا أردت عزيزي مشجع البلوغرانا تفسير حالة الانفجار التي يبدو عليها فاتي، فتابع تحركات كوتينيو جيدا، وراقب المساحة التي يجدها الصغير الإسباني، بفضل الحل الفردي الذي يقوم به زميله البرازيلي، المتواجد على مسافة قريبة جدا منه في الرواق الأيسر، ناهيك عن الرعب الذي يصدره ليو للمدافعين في العمق والجانب الأيمن. كذلك فرينكي دي يونغ، بدأ يقدم أوراق اعتماده، بتقديم نسخة مماثلة لما كان عليها مع أياكس أمستردام، ومهندس الوسط سيرجيو بوسكيتس، بدأ الموسم بصورة أعادت إلى الأذهان الصورة التي كان عليها مع الرسام أندرياس إنييستا والمايسترو تشافي هيرنانديز، وهناك رغبة واضحة لدى اللاعبين في تحقيق الفوز، وتوزيع جيد لمهام اللاعبين وشخصية مفعمة بالثقة والطاقة داخل الملعب، فقط ينقص مشروع كومان قطعة مختلفة في مركز الظهير الأيمن وجلاد حقيقي لخلافة السفاح لويس سواريز، ليكون على أتم الاستعداد لأول اختبار من العيار الثقيل أمام الهداف التاريخي للميرينغي ومدربه الجديد بيرلو، منها سيكسب ثقة ودعم الجماهير، فيما ستكون أشبه بالمصالحة الأولى بعد ليلة البايرن الظلماء، ومنها أيضا سيعزز مكانه في منصبه، بصرف النظر عن نتائج الانتخابات الرئاسية، ولم لا، قد يقنع ليو بصرف النظر عن فكرة الرحيل.
ثنائية بيرلو ورونالدو
كما أشرنا أعلاه، ظروف اليوفي لا تختلف كثيرا عن برشلونة، هو الآخر لا يحظى برفاهية الاستقرار الفني، بإسناد المهمة لمدرب خاض مباراته الرسمية الأولى أمام سامبدوريا في افتتاح حملة البحث عن لقب الكالتشيو للموسم العاشر على التوالي، وتبعها بأول اختبار معقد أمام روما في عقر داره “الأولمبيكو”، والمفارقة، أنه استكمل الشوط الثاني بعشرة لاعبين بعد إقصاء أدريان رابيو لحصوله على بطاقتين صفراوين، تماما كما حدث مع كومان في مباراته الأولى مع البارسا خارج “كامب نو”، الفارق، أن بيرلو خرج بنقطة والمدرب الهولندي حقق الفوز، لكن من شاهد أداء البيانكونيري، لاحظ ارتفاع نسق الكرة وبعض الإيجابيات، خاصة في تحركات لاعبي الوسط والمهاجمين، والشيء المطمئن بالنسبة لمشجعي النادي، أن المدرب يحظى باحترام وثقة كريستيانو رونالدو، وهذا يرجع في الأساس لكاريزما بيرلو وتاريخه الأسطوري كلاعب، ما يساعده على احتواء الدون في غرفة خلع الملابس، ويجعله يبدو سعيدا، كما أقر بنفسه بعد توقيعه على هدفين في مرمى الذئاب، منهما هدف بالتخصص بتقنية “التحليق في الهواء”، حتى أنه قال: “الفريق أكثر سعادة مع بيرلو، ونحن ما زلنا في بداية الموسم، والشيء الجيد أن الفريق جيد بدنيا، وأرى مستقبلا رائعا لليوفي مع بيرلو، هناك مدرب جديد، لكنني أرى الفريق متحركا، نحن في وضعية جيدة وأرى مستقبلا جيدا للفريق، ومن المبكر الحكم عليه، لكنني أرى الفريق أفضل نعمل ونحن نضحك، وهذا مهم”.
ومثل هذه التصريحات، لم يدل بها منذ أيامه الخوالي مع زين الدين زيدان في “سانتياغو بيرنابيو”، وفي الوقت ذاته، تعكس الثقة وحالة التناغم المتبادلة بين رونالدو ومدربه، كأنه عثر على زيزو جديد، يملك من الشخصية والهيبة ما يكفي للسيطرة على غرفة خلع الملابس، ولديه الحلول العبقرية لإحداث الفارق بتغييراته وأفكاره داخل المستطيل الأخضر. وبين هذا وذاك، ضرورة استغلال الدون في مركزه المفضل، كمهاجم صريح، مع تعليمات بادخار جهده قدر المستطاع في الركض وسباق السرعات في مناطق بلا أهمية في الملعب، على عكس ما كان عليه مع ساري، حيث كان يعاني الأمرين في مركزه القديم، كجناح أيسر مهاجم، وهو مركز لا يحترم عمره مع اقترابه من عامه الـ36، وقد ظهر الفارق الجوهري بأثر فوري، بنجاح كريستيانو في تسجيل ثلاثة أهداف في أول مباراتين، وهذا أمر لم يفعله سوى مع العظماء سير أليكس فيرغسون وجوزيه مورينيو وكارلو أنشيلوتي أعوام 2008 و2011 و2014، وهي مواسم استثنائية في مسيرته، الأخير ختمه بأفضل سجل في تاريخه، بتسجيل 61 هدفا من مشاركته في 54 مباراة في مختلف مسابقات موسم 2014-2015، كأقوى إشارة إلى ارتياح وانسجام الدون مع أسلوب بيرلو، ورغم أنه من المبكر جدا الحكم على أداء اليوفي مع مدربه الجديد، كما هو الوضع بالنسبة لكومان مع البارسا، إلا أن البداية المبشرة لكلا المدربين، تعطي على الأقل جرعة تفاؤل لأنصار اليوفي والكتالان، على أن تكون مواجهتا “كامب نو” و”يوفنتوس آرينا”، بداية التعارف الحقيقية لكل مدرب مع مشجعي فريقه، ولو أن الإطراء على بطل العالم 2006، لا يمنع حقيقة، أن هناك بعض المشاكل، خصوصا في الشق الدفاعي، يحتاج للعمل عليها، لتفادي مشاهد الانفرادات الكارثية، التي كشفت مساوئ الخط الخلفي في أول 45 دقيقة أمام الذئاب، فهل يعالجها سريعا قبل الاختبار الأوروبي المرتقب ويحصل على أفضل دفعة معنوية في بداية مغامرته التدريبية؟ أم سيكون كومان الرابح الأكبر؟ عموما هذا ما سيقرره رونالدو وميسي في المواجهة المباشرة رقم 36 بينهما في مختلف المسابقات، منها 16 انتصارا للبرغوث مقابل 10 لغريمه و9 تعادلات.
النوستالجيا تحكم
بعيدا عن تجدد الصراع بين ميسي ورونالدو، نلاحظ أن القرعة التي أجريت في مقر الاتحاد الأوروبي بمدينة نيون السويسرية، تفوح منها رائحة “النوستالجيا” بمواجهات عاطفية بامتياز، منهم كذلك المواجهة الكبرى المنتظرة بين اليوفي والبارسا، متمثلة في مشاركة البوسني ميراليم بيانيتش أمام فريقه السابق، ونفس الأمر بالنسبة للبرازيلي آرثر، غير أن رفقاء الأمس في العاصمة الهولندية ماتياس دي ليخت وفرينكي دي يونغ، سيتقاتلان وجها لوجه للمرة الأولى، منذ خروج الاثنين من مصنع المواهب في صيف 2019، بانتقال المدافع إلى يوفنتوس وفنان الوسط إلى برشلونة، أيضا المجموعة الثانية التي تضم ريال مدريد والإنتر وشاختار دونيتسك وبوروسيا مونشنغلادباخ، سيكون لها نصيب كبير من “النوستالجيا”، بتحول صداقة زين الدين زيدان وقائده السابق في يوفنتوس أنطونيو كونتي، إلى عداء لمدة 90 دقيقة في “جوسيبي مياتزا” ومثلها في “ألفريدو دي ستيفانو”، لطموح زيزو في إثبات جديته في العودة للهيمنة على أوروبا بدون كريستيانو رونالدو، بعد معانقة ذات الأذنين 3 مرات متتالية، فيما يتطلع ملك الغرينتا في تحسين سجله على المستوى الأوروبي، بعد خسارة نهائي اليوربا ليغ قبل شهور قليلة، الذي كان أفضل إنجاز أوروبي بالنسبة له، منذ تمرسه على المشاريع الكبرى عام 2011. وفي المواجهة ذاتها العاطفية ظاهريا، سيكون المغربي أشرف حكيمي على موعد مع مواجهة فريقه القديم، بعد بيعه للأفاعي هذا الصيف، رغم تألقه اللافت مع بوروسيا دورتموند على مدار موسمي إعارته في “سيغنال أيدونا بارك”. بينما ستكون المجموعة الثامنة التي تضم باريس سان جيرمان ومانشستر يونايتد ولايبزيج وباشاك شهير، شاهدة على مواجهة عدائية جديدة، بين أنخيل دي ماريا ومشجعي الشياطين الحمر، في ثاني صدام، بعد الحرب الباردة بينهما في الموسم قبل الماضي، عندما تفنن اللاعب في استفزاز جمهور ناديه السابق في قلب “أولد ترافورد”، ليلة الفوز على كتيبة أولي غونار سولشاير بهدفين نظيفين في ذهاب دور الـ16 لدوري الأبطال، وذلك قبل أن يرد الفريق الإنكليزي بفوز لا يتكرر كثيرا في العمر بنتيجة 3-1 في “حديقة الأمراء”، الأمر الذي يُنذر بتجدد المناوشات بين راقص التانغو وجمهور اليونايتد، لا سيما بعد استقرار اليويفا على إعادة الجماهير بنسبة معينة.
هناك أيضا مدافع بايرن ميونيخ لوكاس هيرنانديز، هو الآخر سيصطدم بفريقه السابق أتلتيكو مدريد في المجموعة الأولى، التي تضم معهما ريد بول سالزبورغ ولوكوموتيف موسكو، في أول لقاء ضد رفاقه القدامى، منذ انتقاله من “واندا متروبوليتانو” إلى “آليانز آرينا” الصيف الماضي مقابل 90 مليون يورو، كذلك سيكون مهاجم لاتسيو تشيرو إيموبيلي على موعد خاص مع زملائه السابقين في بوروسيا دورتموند، بعدما أوقعتهما القرعة في المجموعة السادسة جنبا إلى جنب مع زينيت سان بطرسبرغ وكلوب بروج، كما تضم القائمة الحارس السنغالي إدوارد ميندي، الذي سيقوده القدر، لمواجهة فريقه السابق رين بعد أسابيع قليلة من عملية انتقاله إلى تشلسي، بوجود الفريقين في المجموعة الخامسة المعقدة برفقة بطل اليوروبا ليغ إشبيلية وكراسنودار، بينما لا توجد هذه الظاهرة في المجموعتين المتبقيتين، وهما الثالثة التي تضم بورتو ومانشستر سيتي وأولمبياكوس ومارسيليا والمجموعة الرابعة الحديدية التي تجمع ليفربول وأياكس وأتالانتا ورابعهم الوافد الجديد على دوري الأبطال ميتييلاند الدنماركي. مشاهدة ممتعة للجميع ولنا عودة للنقاش في أمور مختلفة مع ضربة بداية البطولة يومي 20 و21 من الشهر الجاري.