لندن ـ ‘القدس العربي’ في الساحة التي هتف فيها الليبراليون والاسلاميون، يحمل الليبراليون الان صورة رجل يعتبرون بطلا قوميا قام بعزل اول رئيس منتخب، محمد مرسي من الاخوان المسلمين، فيما تقوم البرامج الحوارية الليبرالية بالهجوم على الاخوان وتعتبرهم خطرا اجنبيا، وتصور اعضاء الحركة بـ ‘بالمخلوقات السادية والعنيفة بشكل متطرف’ ولا يصلحون للحياة السياسية، فيما حمل احد دعاة حقوق الانسان قادة الاخوان المسلمين ‘القذرين’ مسؤولية وفاة اكثر من 50 شخصا من مؤيديهم في عملية قتل جماعي قامت بها قوات الامن والشرطة’.
ووصفت صحيفة ‘نيويورك تايمز’ حسا من الحماسة الوطنية المفرطة التي انتشرت في مصر بعد الاطاحة بنظام محمد مرسي وتشمل هذه القطاعات الليبرالية واليسارية التي قضت سنوات في معارضة الحكومات التي دعمها الجيش. ومن بين الاصوات التي لا تلقى تشجيعا من بينهم بدأت تحذر مما تسميه ‘الفاشية’، حيث تزداد الحماسة في الشارع للجيش الذي يقوم بتعزيز سلطته على الحكم في الوقت الذي يهلل فيه الشعب للقمع الممارس على الاخوان المسلمين. ولكن الغالبية العظمى من الليبراليين واليساريين قد انضموا الى مظاهر الابتهاج على الاطاحة بالاخوان المسلمين رافضين اي معارضة. ونقلت الصحيفة عن باحثة في الجامعة الامريكية في القاهرة قولها ‘ ننتقل الان من اليمين الشوفيني الملتحي الى اليمين الشوفيني ناعم اللحية’. وتقول الصحيفة ان معظم المصريين يشعرون بفرحتين غامرتين ، اولاهما نهاية حكم الاخوان الذين يقولون انه كان عاجزا ومتغطرس، وفرحة على قدرتهم الاطاحة برؤسائهم.
ولاحظت الصحيفة ان اصوات اليسار التي يتوقع ان ترفع اصواتها محذرة من حكم العسكر والاطاحة برئيس منتخب بطريقة شرعية فانهم عوضا عن ذلك يعربدون فرحا ويرون في تدخل العسكر على انه نجاة بلد غالبيته مسلمة من التحول نحو اليمين. وقالت الصحيفة ان الكثيرين على جانب اليسار لا يزالون يخوضون معركة لفظية ويحاولون اقناع العالم وربما انفسهم ان ما حدث لم يكن ‘انقلابا’ بل ‘ثورة’، فما قام به الجيش هو تطبيق لارادة الشعب. وتشير الى ان البعض داخله الشك من تصرفات الحكم الجديد ومنهم عمرو حمزاوي الذي فاز بمقعد في البرلمان الذي حل، حيث كان اول من شجب اغلاق القنوات المؤسسات الاعلامية التابعة للاخوان وجماعات اسلامية اخرى واعتقال العاملين فيها اضافة لاعتقال الجيش للرئيس المعزول مرسي. وفي عمود اسبوعي اعترض الحمزاوي على ما رآه من ‘فرح وحقد وعقاب وانتقام للاخوان المسلمين’، ووصف تدخل الجيش بعد عملية القتل الجماعي بانها عملية ‘فاشية تحت مسمى خاطىء من الديمقراطية والليبرالية’، ووصف المثقفين الذين وقفوا صامتين بانهم ‘طيور الظلام في المرحلة الحالية’. ولكنه تعرض لحملة شرسة من اليسار والليبراليين الذين شجبوه واتهموه بالدفاع عن الاسلاميين. فقد وصف خالد منتصر الاسلاميين بانهم اسوأ من المجرمين والسايكوباث او المرضى النفسيين وهم عصيون على الاصلاح او العلاج، وقال ان خيانتهم وارهابهم وتآمرهم هو وشم واضح. وقال انهم لا يعرفون معنى ‘الوطن’ بل يعرفون فقط ‘الخلافة’واسم جماعتهم.
واشارت الصحيفة الى الناشط احمد ماهر من جماعة السادس من ابريل الذي دعم الانقلاب اولا، ثم انتقد تصرفاته بعد مذبحة الحرس الجمهوري. وبدلا من تفهم موقفه قام زملاؤه في الحركة بحملة ضده في الاعلام وجمعوا تصريحاته التي قالوا انها تساءلت عن ‘الانقلاب’.
فقدان الذاكرة
وتقول الصحيفة ان الشعب ومعهم الليبراليون مصابون الآن بفقدان الذاكرة ونسوا تصرفات العسكر عندما كانوا في السلطة من فحص العذرية الى قتل المسيحيين الاقباط المتظاهرين امام ماسبيرو. ويدافع الاخوان المسلمون انهم لم يحرضوا ويدعموا العنف منذ الاحتلال البريطاني. واتهموا الاعلام المصري باثارة المجتمع المصري ضدهم وانه قام بحملة منذ اشهر، من خلال نشر الشائعات عن خطط حكومة مرسي لبيع قناة السويس او التخلي عن سيناء.
وفي سياق مشابه اشارت صحيفة ‘التايمز’ البريطانية الى حركة ‘تمرد’ التي قادت عمليات التحشيد ضد مرسي، حيث التقى قادتها مع ضباط الجيش المتقاعدين الذين حملوا معهم رسالة من الجيش مفادها ‘انضموا الينا وسندعمكم’. ويعتقد ان الضباط المتقاعدين قدموا للشباب نصائح حول طريقة التخطيط للانقلاب. وفي الوقت الذي يعترف فيه قادة تمرد بحدوث هذه اللقاءات الا انهم يؤكدون انها كانت من اجل التأكد على سلامة التظاهرات.
موحدون في كره امريكا
وكان ويليام بيرنز، نائب وزير الخارجية الامريكية قد حل ضيفا على القاهرة حيث اجتمع مع الرئيس المؤقت عدلي منصور ونائبه للشؤون الخارجية محمد البرادعي ورئيس الوزراء المكلف حازم الببلاوي وحذر في مؤتمر صحافي من المخاطر على ما اسماها فرصة مصر الثانية، حيث تساءل عن اعتقال ممثلين لتيارات كبيرة في مصر، واثره الحوار والمشاركة في العملية السياسية، وقال انه من الصعب رؤية كيف سيخرج المصريون من هذه الازمة حتى يقوم شعبها بالاتفاق على طريق سلمي. ودعا بيرنز الطرفين باتخاذ الخطوات من اجل التصالح. ولم يذكر بيرنز اسم مرسي ابدا ولا جماعته ولم يكرر المطلب الامريكي باطلاق سراحه. ولم يحظ بيرنز باي ترحيب من اطراف المعادلة المصرية لا من الناشطين في حركة تمرد الذين رفضوا دعوة لحضور حوار في فندق من فنادق القاهرة وبحضور السفيرة الامريكية في القاهرة آن باترسون حيث اتهم بيان للحركة امريكا بدعم اسرائيل والاخوان المسلمين. وبنفس الوقت رفض ولا من حزب النور الذي رفض مقابلته حيث اتهم مسؤول في الحزب مريكا بالتدخل في الشؤون الداخلية لمصر، فيما سرب الاعلام المصري تصريحات نقلها عن عسكريين مصريين قولهم ان بيرنز كان على ما يبدو مصرا على اهمية استمرار تدفق الدعم الامريكي للجيش المصري.
ولاحظت صحيفة ‘واشنطن بوست’ ان تصريحات بيرنز في القاهرة تعبر عن تحول في المواقف الامريكية من تحذير الجنرالات المصريين من عزل رئيس منتخب في انتخابات حرة نحو دعم للنظام الجديد في مصر.
واعتبرت الصحف البريطانية زيارة بيرنز الى مصر الاولى بعد الانقلاب، ونقلت تأكيدات الخارجية قبل سفر المسؤول الى القاهرة على ان الهدف منها هو التأكيد على وقوف واشنطن مع خيارات الشعب المصري وعلى عملية انتقالية تشمل كل الاطراف السياسية. واشارت صحيفة ‘اندبندنت’ الى تصريحات بيرنز التي قال فيها ان الولايات المتحدة ترفض دعم اي جانب في الاضطرابات السياسية في مصر، وقال اليستر بيتش ان الرجل الثاني في الخارجية الامريكية كان يأمل في لقاء قادة ورموز في جماعات لعبت دورا في الاطاحة بمرسي لكنهم رفضوا لقاءه، حيث اتهموا امريكا بدعم الاخوان المسلمين. وقال التقرير ان المشاعر المعادية لامريكا عادت للظهور.
فشل امريكي
وقالت صحيفة ‘ديلي تلغراف’ ان محاولات الولايات المتحدة حل الازمة في مصر قد فشلت. وقالت ان ممثلين عن بيرنز اتصلوا مع مسؤولين في حزب الحرية والعدالة، الجناح السياسي للاخوان المسلمين يطلبون مقابلة معهم اثناء زيارة بيرنز للقاهرة، لكن المحاولة فشلت بعد ان اعتبر كل طرف ان اللقاء محفوف في المخاطر في المكان الذي اختاره. وقال جهاد الحداد المتحدث باسم الحزب ان الاقتراح فشل بعد رفض بيرنز زيارة موقع الاحتجاجات التي يقوم بها الاخوان في مسجد رابعة العدوية وما حولها. وقال الحداد ان ‘رجاله قالوا ان هناك خطورة عليه للقدوم هنا’، واضاف الحداد ان بيرنز ‘لو جاء لوجد كل قطاعات الشعب المصري يحتجون هنا، وليس الاخوان المسلمين، وبعد اوامر الاعتقال التي صدرت بحق قادة كبار في الاخوان المسلمين فانه من الصعوبة ترتيب لقاءات خارج المكان والا لتم اعتقالنا’. وترى صحيفة ‘التايمز’ ان بيرنزالذي طار الى مصر على امل ان يوحد المصريين المنقسمين على انفسهم، وجد المعسكرين متحدين في كره امريكا.
واشارت الى غضب الاخوان المسلمين على الموقف الامريكي الرافض لتوصيف تدخل الجيش بالانقلاب لان هذا التوصيف يعني قطع المساعدات الامريكية للجيش المصري السنوية 1.3 مليار دولار، لكن الولايات المتحدة لا تريد قطع الدعم مع انها اعلنت عن قيامها بمراجعة للدعم، فمن جهة ترى فيه وسيلة للتأثير على الاوضاع في مصر، ومن جهة اخرى تساعد الجيش المصري على التصدي للتهديدات على اسرائيل. وترى في تطورات الاحداث في سيناء علامة على ضرورة استمرار الدعم. فالوضع الامني تراجع بشكل كبير في سيناء منذ عزل مرسي.
مال النفط والربيع العربي
في مقال كتبه مايكل بيل في ‘الفايننشال تايمز’ تحت عنوان ‘دول البترودولار المتفائلة ترسل رسائل في التسامح لمصر’. وعلق في بداية المقال على تصريحات وزير الدولة للشؤون الخارجية الاماراتي انور محمد قرقاش الذي نشره موقع ‘فورين بوليسي’، والذي قال فيه ان الشعب المصرى أوضح أن الإسلاميين لا يمكنهم قمع الإرادة الشعبية ورغبتهم فى الاعتدال والتسامح، وأشار إلى أن الثورة المصرية الثانية فرصة للمعتدلين فى المنطقة الذى ينبغى عليهم استعادة زمام المبادرة. وذلك في تعليقه على الاحداث التي ادت الى عزل محمد مرسي.
واشار الكاتب ان هذا الكلام يمكن ان يكون مأخوذا من خطاب ليبرالي امبريالي صادر من لندن او واشنطن، لكن مؤلفه هو وزير في الامارات العربية المتحدة، الدولة التي عادة ما تتجنب النظر اليها باعتبارها تتدخل في شؤون الاخرين، ودولة لا تثق بالاحتجاجات التي تحظرها. وقد تم دعم كلام الوزير بالفعل حيث تعهدت الامارات والسعودية والكويت بمبلغ 12 ملياردولار للنظام الجديد ومنع الاقتصاد المصري من الانهيار. وقال الكاتب ان الموقف الخليجي من مصر هو دليل واضح عن الثقة السياسية التي عادت اليها بعد ان وجدت نفسها في المكان الخطأ بعد الانتفاضات التي اندلعت حولها خلال العامين والنصف الماضيين. واضاف الكاتب ان المسؤولين في دول شبه الجزيرة العربية انتهزوا فرصة الاطاحة بنظام محمد مرسي حيث رأت فيها نقطة حشد لثورتها المضادة التي تقوم باستغلال القلق في الشرق الاوسط الذي يعيش موتا ودمارا وحالة من اللايقين الناجمة عن الاضطرابات السياسية.
مفهوم خطير
ومع ذلك يقول الكاتب ان تصوير دول الخليج لنفسها على انها الجالبة للاستقرار والامن الاقتصادي وفاعلية التكنوقراط امر خطير يجعلها عرضة لنفس الاتهامات التي وجهت للغرب من ناحية التدخل في شؤون الاخرين وممارسة المعايير المزدوجة. واشار الكاتب الى وابل الوعود المالية التي قدمتها دول الخليج لمصر باعتبارها فعلا سياسيا واقتصاديا تلا الاطاحة بمرسي.
وذهبت الامارات ابعد من هذا كي توضح معالم تفكيرها الاستراتيجي من خلال مقال قرقاش الذي وضح فيه المخاطر التي تواجه الشرق الاوسط ‘العنف، وصعود غير محبذ للطائفية، والدور غير الواضح لجماعات الاسلام السياسي، وزيادة التدخلات الاجنبية من قبل الاعداء الاقليميين، والازمة الاقتصادية المتفاقمة’.
ومع ان حلوله التي قدمها تشمل على اجراءات من مثل خلق فرص عمل واعطاء فرصة لكل بلد تحديد مسارها الا انه دعا الدول الى دعم ‘الاصوات المعتدلة’ وانشاء ‘مؤسسات قوية وفاعلة’ لمنع المتطرفين من’ استغلال الفراغ السياسي للوصول الى السلطة وتعزيز اللاستقرار’. ويعلق الكاتب ان مشكلة هذا النقاش المغرق في العقلانية هي ان حكام دول الخليج انفسهم يردون على الربيع العربي بسياسات خليطة من تقديم الصدقات والقمع، وهذا القمع يتراوح من قمع وحشي كما حدث مع الانتفاضة في البحرين الى سجن الناشطين. كما ان هناك اختلافا واضحا بين دول الخليج والخارج حول ما يمكن تعريفه وتسميته بـ ‘التطرف’ وكذا المؤسسات ذات المصداقية.