دول المنطقة ستقرر مستقبل سوريا لكن الدور الحاسم لروسيا وأمريكا

إبراهيم درويش
حجم الخط
0

لندن – “القدس العربي”:

كتب المعلق في صحيفة “واشنطن بوست” ديفيد إغناطيوس قائلا إن إعادة سوريا إلى المسار الطبيعي ستكون مهمة ضخمة بعد أكثر من عقد من النزاع.

وقال إن الانهيار السريع والمفاجئ لنظام الأسد، أدى لانهيار إمبراطورية إيران بالوكالة في الشرق الأوسط في سوريا ولبنان وغزة. لكن ملء الفراغ في السلطة في جميع أنحاء الشرق الأوسط واستبداله بحكم مستقر سيكون تحديا عاجلا ومعقدا.

وقال إن العجلة دارت، فقبل 14 شهرا كانت إسرائيل مذعورة وخائفة، عندما اخترق مقاتلو حماس السياج الأمني من غزة إلى جنوب إسرائيل. إلا أن أعداءها إما ماتوا أو فروا. وكانت عملية متشنجة، غنية بالوعود ولكنها ربما تحمل بذور سم من عدم الاستقرار والاضطرابات الإقليمية.

فقد فر الأسد من دمشق إلى موسكو يوم الأحد، تاركا عاصمته تحت سيطرة جماعة جهادية مدعومة من تركيا اسمها هيئة تحرير الشام.

فر الأسد من دمشق إلى موسكو يوم الأحد، تاركا عاصمته تحت سيطرة جماعة جهادية مدعومة من تركيا اسمها هيئة تحرير الشام

ويقول الكاتب إن مصادر عربية أخبرته يوم الأحد أن هيئة تحرير الشام كانت تؤمن مقر المخابرات السورية في دمشق وتحاول احتواء العنف في العاصمة. ولكن مع تحرير آلاف السوريين فجأة من سنوات التعذيب التي قضوها في سجون الأسد، سيكون هناك شوق للانتقام.

وتحاول القوى الإقليمية العربية تثبيت عملية الانتقال. وقبل ذلك كانت هذه وبقيادة الإمارات العربية المتحدة، تحاول إقناع الأسد منذ أشهر بالانفصال عن إيران والعودة للحظيرة العربية. ولكن الأسد تردد لفترة طويلة وتخلى عنه حلفاؤه السابقون في نهاية المطاف.

و”في النهاية، لم يقاتل الجيش السوري، ولم تظهر إيران وروسيا”، كما لاحظ ضابط سابق في وكالة المخابرات المركزية بخبرة طويلة في المنطقة.

وقال الرئيس جو بايدن يوم الأحد “لقد سقط النظام أخيرا”، وبالنسبة للولايات المتحدة، فإن الإطاحة بالطاغية المدعوم من موسكو وطهران هي “خطوة استراتيجية ضخمة في الاتجاه الصحيح”، كما قال أحد مسؤولي الإدارة.

 فقد كانت الولايات المتحدة تعمل على الإطاحة بالأسد وعبر وسائل علنية وسرية، منذ عام 2011. ومع ذلك، كما حذر بايدن وهو محق، فإن هذا يجلب “لحظة من المخاطرة وعدم اليقين” للمنطقة.

وبحسب مسؤول أمريكي فإن الفوضى في دمشق، خفت عندما قررت هيئة تحرير الشام السماح لحكومة رئيس الوزراء العمل كحكومة انتقالية وبحماية منها.

وتنوي الجماعة الحفاظ على الحكومة الحالية بما فيها الجيش، وهو ما سيسهل عملية الانتقال السياسي. ويقول إغناطيوس إن قطر التي كانت داعما سريا لهيئة تحرير الشام، يبدو أنها تقود الجهود العربية لبناء حكومة انتقالية برعاية الأمم المتحدة. وفي بيان قطري يوم الأحد جاء: “هناك حاجة لحماية المؤسسات الوطنية ووحدة الدولة لمنع انزلاقها نحو الفوضى”.

 ودعت قطر لتطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي الداعية لحكومة جديدة تضم عناصر من النظام السابق والمعارضة. ولكن سوريا الآن هي فسيفساء عنف، حيث تسيطر الجماعات المدعومة من تركيا على غرب سوريا حتى دمشق، وتسيطر الميليشيات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة على الشمال الشرقي فيما يسيطر على الجنوب الميليشيات المدعومة من الأردن.

ويعتقد إغناطيوس أن الولايات المتحدة وروسيا ستلعبان بلا شك دورا دبلوماسيا في تشكيل مستقبل سوريا، لكن اللاعبين الإقليميين هم الذين سيكونون حاسمين. وأشار المسؤول السابق في وكالة المخابرات المركزية إلى أن “هناك وقتا كانت فيه القوى العظمى تقرر ما سيحدث بعد ذلك، ولكن ليس بعد الآن. سواء كان ذلك للأفضل أو الأسوأ، فإن الأمر متروك الآن لإسرائيل وتركيا والسعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن”.

يعتقد إغناطيوس أن الولايات المتحدة وروسيا ستلعبان بلا شك دورا دبلوماسيا في تشكيل مستقبل سوريا، لكن اللاعبين الإقليميين هم الذين سيكونون حاسمين

وفي منشور على وسائل التواصل الاجتماعي يوم السبت، أكد الرئيس المنتخب دونالد ترامب عدم اهتمامه بدور أمريكي في سوريا، وأكد فيه: “هذه ليست معركتنا، لا تتورطوا!”. وفي منشور يوم الأحد، اقترح ترامب أنه بعد التخلي عن الأسد، يجب على الرئيس الروسي فلاديمير بوتن التفاوض على إنهاء المذبحة في أوكرانيا. كتب ترامب: “أنا أعرف فلاديمير جيدا، هذا هو وقته للتحرك. يمكن للصين أن تساعد. العالم ينتظر!”.

 ويقول الكاتب إن التحول الذي شاهدناه على مدى عشرة أيام في سوريا يذكر بأحداث ثلاثة أخرى وكل منها يحمل درسا خاصا به.

 أولا، تذكرنا سرعة زوال الأسد بانهيار الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة في أفغانستان، فقد سقطت العاصمة كابول بعد تسعة أيام فقط من سقوط أول عاصمة إقليمية بيد طالبان. وعندما شعر الجيش بالتخلي عنه وإحباطه، من قبل الولايات المتحدة في حالة أفغانستان، ومن روسيا وإيران في سوريا، يبدأ النظام بالانهيار السريع.

أما عامل الشبه الثاني، فيتعلق بالعملية السريعة لحماس عبر سياج غزة الأمني ونجاحها في اقتحام الكيبوتسات والقواعد العسكرية الإسرائيلية القريبة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، فمثل حماس، كانت هيئة تحرير الشام مدربة ومجهزة تجهيزا جيدا، مع قدرات هجومية سريعة لم يتخيلها المدافعون أبدا. من الواضح أن تركيا لعبت دورا كبيرا في سوريا، كما فعلت قطر بعلاقاتها الطويلة الأمد مع قيادة هيئة تحرير الشام.

عامل الشبه الثالث، هو العراق، والذي يعطي صورة عن الفوضى التي يمكن أن تتبع تغيير النظام. عندما أطاحت الولايات المتحدة بصدام حسين في بغداد عام 2003، أشعلت شرارة صراع عرقي وإقليمي لا يزال مستمرا حتى يومنا هذا.

ويتابع: بالمثل، سحقت إسرائيل القوة العسكرية لحماس في غزة. لكن هذا القطاع أصبح الآن منطقة خارجة عن القانون من قطاع الطرق والعصابات، دون أي تلميح للحكم المستقر. ولكن إحدى النذر المشؤومة ومنذ الانتفاضة السورية، التي بدأت في عام 2011، هي أن الجماعات الجهادية كانت الطرف العسكري الأقوى.

وقد اكتشف الكاتب هذا بشكل مباشر في تشرين الأول/ أكتوبر 2012، عندما تسلل إلى سوريا لتقديم تقرير عن الأيام الأولى للانتفاضة التي انتصرت أخيرا يوم الأحد. فقد كانت ميليشيا معارضة موالية للغرب ظاهريا تقاتل جيش الأسد في اليوم الذي وصلت فيه إلى حلب. ومع تساقط القذائف على بعد بضع مئات من الأمتار، سأل أحد القادة العلمانيين عما إذا كانت جبهة النصرة، فرع القاعدة القوي المعروف باسم جبهة النصرة، تقاتل إلى جانب قواته. قال: بالطبع، مشيرا إلى مقرهم على بعد مبنى واحد، مضيفا “إنهم أفضل المقاتلين”، فهيئة تحرير الشام، التي تقود المعركة التي أطاحت بالأسد للتو، هي من نسل المجموعة التي لمحها قبل 12 عاما.

وكما قال أحد كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية يوم الأحد، فإلى جانب الفرحة التي عمت البيت الأبيض لسقوط الأسد، هناك اعتراف بأننا “نواجه مشكلة تتعلق بمكافحة الإرهاب”. وفي الشرق الأوسط، لا يوجد بصيص أمل لا يخلو من غيوم.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية