دونالد ترامب: أمريكا وأنا أولا

حجم الخط
0

واشنطن: “يعتقد البعض أنني عبقري حقيقي”، مع الاستفزازات والإهانات والتغريدات الساخرة كتب دونالد ترامب فصلا استثنائيا بالكامل من تاريخ الولايات المتحدة.

وذلك الى حد أنه يخوض الانتخابات الرئاسية الأمريكية في 3 تشرين الثاني/نوفمبر لتولي ولاية ثانية، كما وكأنها استفتاء فعلي على شخصه وعلى أسلوب رئاسته غير المسبوق تماما.

هذا الرئيس الاستعراضي الذي كان سببا في مضاعفة مخاوف وانقسامات أمريكا، رفض على الدوام بعد وصوله الى البيت الأبيض لعب دور شخص يوّحد الأمريكيين ما يشكل قطيعة واضحة مع أسلافه.

حتى في ذروة انتشار وباء كوفيد-19 الذي تسبب بوفاة أكثر من 227 الف شخص في الولايات المتحدة، وفيما كانت أمريكا تسعى الى صوت ثابت ومطمئن، رفض بعناد التصرف بسلوك رئاسي ولم يبد أي تعاطف.

على مدى أربعة أعوام شهد الأمريكيون- سواء كانوا متحمسين أو خائفين، عرضا غير مسبوق لرئيس وصل الى السلطة بطريقة مدوية ولم يضع لنفسه أي رادع.

النزعة الاستبدادية أو الانهيار الاقتصادي اللذان توقعهما البعض في 8 تشرين الثاني/نوفمبر 2016 يوم انتخابه المفاجئ، لم يحصلا.

فقد أثبتت المؤسسات، ولو أديرت في أحيان بشكل سيء، صلابتها فيما بدا عدد من المؤشرات- في مقدمها أرقام التوظيف- في وضع جيد قبل ان تظهر الاثار المدمرة لانتشار فيروس كورونا المستجد.

 “أستمتع بذلك”

لكن وسط رئاسة شهدت عدة فضائح تتناقض تماما مع رئاسة باراك أوباما، ضرب ترامب المعروف بأنه يعشق مخالفة القواعد والاستفزاز، بالقوانين والأعراف عرض الحائط، وهز المؤسسات وزعزع تحالفات أمريكا.

فقد هاجم قضاة وموظفين رسميين وأعضاء منتخبين وأجج التوترات العرقية في البلاد، كما أبدى إعجابه بقادة سلطويين من فلاديمير بوتين وصولا الى الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون واوقف بشكل مفاجئ التعبئة في سبيل المناخ.

ولا تزال هذه العبارة التي قالها خلال مقابلة لمجلة “بلاي بوي” في 1990 تنطبق عليه اليوم “العرض هو (ترامب) والبطاقات نفقت تماما. أستمتع بذلك وسأستمر في الاستمتاع”.

والرئيس الخامس والاربعون للولايات المتحدة واجه ايضا اجراء إقالة في الكونغرس سيبقى وصمة على رئاسته.

ولم يؤثر الديكور المهيب في المكتب البيضاوي ولا صور أسلافه المعلقة في ممرات البيت الأبيض على شخصية رجل الأعمال النيويوركي.

توسيع الهوة

الملياردير الأمريكي الذي يقوم باداء رائع على منصات الحملات الانتخابية تمكن من النجاح في رهان تنصيب نفسه في موقع الناطق باسم أمريكا “المنسيين” او “الجديرين بالشفقة” بحسب تعبير منافسته الديموقراطية عام 2016 هيلاري كلينتون.

عرف ترامب كيف يلعب على وتر مخاوف أميركيين- غالبيتهم من البيض ومتقدمين في السن عموما- كانوا يشعرون بانهم “محتقرون” من قبل “النخب” على الساحل الشرقي للولايات المتحدة ونجوم هوليوود على الساحل الغربي.

هذا المحب للهامبرغر والدايت كوك، الذي عرفه الأمريكيون أساسا من خلال برنامج تلفزيون الواقع “ذي ابرينتس”، يطلب قاعدة بسيطة بدون هوادة: أن يحل في المكان بالكامل وبأي ثمن.

وبسبب استخفافه بالعلم وتصريحاته غير المطابقة للواقع بشكل كامل، اضطر فريق تقصي الحقائق من صحيفة “واشنطن بوست” الى خلق فئة جديدة للتثبت من المعلومات الخاطئة التي تتكرر أكثر من 20 مرة.

ومن جناحه الشهير في البيت الابيض “ويست وينغ”، عمد رجل الأعمال السابق الى توسيع الهوة بين أمريكيتين: الحمراء (الجمهوريون) والزرقاء (الديموقراطيون).

بعيدا عن إطلاق دعوات جامعة كما أسلافه، استخدم ترامب ورقة مخاوف الأمريكيين .

ولوح عند إعلان ترشحه في 2015، بشبح المهاجرين غير الشرعيين واصفا إياهم “بالمغتصبين”، ونصب نفسه في حملة 2020 الضامن الوحيد “للقانون والأمن” في مواجهة تهديد “اليسار الراديكالي”.

وفي بلد يعشق اللحظات المؤثرة التي تعبر عن الوحدة الوطنية، لم يعتمد ترامب الا نادرا لهجة تبلسم الجراح حتى بعد حدوث كارثة طبيعية او عمليات إطلاق نار دموية.

استخدم هجماته العنيفة على وسائل الإعلام التي يصفها بانها “كاذبة” و”فاسدة” و”عدوة الشعب”، لكي يؤلب قسما من الشعب ضد القسم الآخر.

لكن ترامب يبقى الرئيس الوحيد في التاريخ الذي لم يصل هامش شعبيته الى نسبة 50% خلال توليه مهامه.

سياسة الانسحاب

يتفق مؤيدوه ومعارضوه على نقطة واحدة: هي ان ترامب وفى بوعوده الانتخابية.

كما أعلن سابقا، انسحب ترامب من معاهدات أو اتفاقات تم التفاوض بشأنها مطولا، في مقدمتها اتفاق باريس حول المناخ الذي وقعت عليه معظم دول العالم للحد من الاحترار المناخي.

لكن هذا الوفاء بتعهداته ووعوده الانتخابية جاء عبر عمليات اعتبرت هدامة.

وحول مبادراته هذه، يبدو الحكم على النتيجة متفاوتة. فعبر انسحابه من الملف النووي الايراني قام بتمزيق الاتفاق الذي تفاوض عليه سلفه لفترة طويلة وصعد الضغط على ايران وصولا الى تصفية الجنرال النافذ قاسم سليماني لكن بدون تقديم استراتيجية فعلية.

وخطته الكبرى للسلام في الشرق الاوسط التي أوكلها الى صهره ومستشاره جاريد كوشنر، لم تؤد الى نتائج بعد. لكن بامكانه القول انه تمكن من تحريك الخطوط في المنطقة عبر رعايته اتفاقات تطبيع بين اسرائيل وثلاث دول عربية: الامارات والبحرين والسودان.

ويبقى مقتل زعيم تنظيم الدولة الاسلامية أبو بكر البغدادي في تشرين الاول/اكتوبر 2019 خلال عملية أمريكية في سوريا، المحطة الأقوى في رئاسته.

لكن تحركه الاكثر جرأة والذي فاجأ فيه العالم وخوله أن يحلم بنيل جائزة نوبل للسلام، لم يأت بالنتائج المرجوة.

فقد انتهت القمتان مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون وزيارة ترامب التاريخية الى المنطقة المنزوعة السلاح بين الكوريتين و”الرسائل الرائعة” بينهما، بدون تحقيق أي نتيجة ملموسة. فالنظام الكوري الشمالي لم يقدم أي تنازل بشأن مسالة نزع الاسلحة النووية.

في الأجواء الجيوسياسية المعقدة والمتقلبة في القرن ال21، هاجم ترامب شخصيا رئيس وزراء كندا جاستن ترودو والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل ورئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي.

ولم يأت التحذير الأشد من خصومه السياسيين بل من وزير دفاعه جيمس ماتيس. ففي كتاب الاستقالة، قال ماتيس موجها كلامه إلى الرئيس الأمريكي، إن قاعدة بسيطة للدبلوماسية هي ضرورة “معاملة الحلفاء باحترام”.

 “قومية غير منطقية”

في سيناريو سياسي غير مسبوق لم يتوقعه أي محافظ، أقدم دونالد ترامب بقدرته على إشعال مشاعر قاعدته الناخبة، على تحجيم الحزب الجمهوري الذي كان قلل من أهميته في البداية أو حتى تجاهله.

وقام نواب من الجمهوريين بالتعبير احيانا عن معارضتهم لبعض قرارته مثل موقفه المتساهل بشكل غير عادي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في هلسنكي.

لكن مع مرور الوقت، اتحدوا باستثناء بعض الاصوات المعارضة مثل السناتور جون ماكين الذي حذر قبل وفاته في آب/اغسطس 2018 من نزعة نحو “قومية غير منطقية ومضللة”.

ويعتمد ترامب في الأعمال كما في السياسة، على مبدأ بسيط: معه أو ضده.

وتحدث المدير السابق لمكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) جيمس كومي الذي أقاله الرئيس فجأة، في مذكراته عن رئيس يخضع أوساطه لمعايير ولاء تذكره بموقف زعماء المافيا عندما بدأ حياته المهنية كمدع.

سلسلة فضائح

ولد دونالد جاي ترامب في كوينز نيويورك وتلقى تعليمه في مدرسة عسكرية وانضم إلى شركة العائلة بعد دراسة الأعمال.

على عكس الصورة التي يريد إعطاءها لنفسه، فهو ليس “رجلا عصاميا”. فبعد الحرب العالمية الثانية كان والده فريد ترامب المتحدر من مهاجر ألماني قد بنى امبراطورية في مدينة نيويورك من خلال تشييد مبان للطبقة الوسطى في الأحياء الشعبية.

وعندما كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” في صيف عام 2020 أنه لم يدفع سوى 750 دولارا من الضرائب الفدرالية على الدخل في 2016 وأن العديد من الشركات تكبدت خسائر، تلقت صورته كرجل أعمال ناجح ضربة.

لم يتوقف دونالد ترامب وهو أب لخمسة أبناء ولدوا لثلاث زوجات مختلفات، وجد لعشرة أولاد، عن الإشادة علنا بزوجته ميلانيا، عارضة الأزياء السابقة التي أصبحت “السيدة الأولى الرائعة”.

لكن الكشف عن علاقاته المفترضة خارج إطار الزواج، وخصوصا مع ممثلة الأفلام الإباحية ستورمي دانيالز وتهم الاعتداء الجنسي الموجهة إليه لا تتناسب تماما مع مدحه المتكرر للقيم العائلية في كل لقاء مع المسيحيين الإنجيليين.

لكن ترامب نجا من كل الفضائح مستندا على دائرة عائلية مصغرة لكن أيضا على “غريزة” حاضرة دوما. (أ ف ب)

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية