سنة 2020 هي آخر سنه لحكم ترامب في البيت الأبيض، وهي السنة التي يجب أن يدفع فيها ترامب فاتورة أعماله وتجاوزاته الخرقاء. حمق الرئيس الأمريكي، كما يجمع عليه الكل لا يدانيه أي حمق طوال تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية. فقد تبين أن سنوات عهدته عبارة عن ركام متواصل من الأزمات والكوارث هو صانعها الرئيسي، بسبب تصرفاته وحيدة الطرف، التي رتبت نتائج وخيمة على أمريكا والعالم. وجَرْدٌ بسيط لما حدث لأمريكا والعالم خلال الثلاث سنوات الماضية، تكشف من جملة ما تكشف، الدمار الأعظم الذي خلّفَتْة السياسة الرعناء.
سنة 2020 هي سنة حَرِجة، لأنها تكثف عصارة الفساد المتولد عن سياسة ترامب، فقد آل الوضع إلى أن يصبح شديد الحساسية، وعليه فحادثة خَنْق المواطن الأمريكي جورج فلويد، انعكست فورا على أمريكا كلها، الأمر الذي يعني أن صلة سياسة البيت الأبيض بالمجتمع والدولة والمواطنين صارت فورية، أي أنها ترتب حالا نتائجها، لما في الوضع من ظلم صارخ ، لم تعد تستطيعه مؤسسات الدولة. فعلى صعيد الدولة، لم يستقم إطلاقا الطاقم الحكومي إلى حد الآن، الذي لم يسلم دائما من التغييرات والاستقالات والخلافات، فضلا عن السِّجالات والاعتراضات، والفضائح السياسية والمالية والأخلاقية، ذهبت إلى الحد من سياسة الرئيس القاصر نفسه، ومن صلاحياته، لما بدا منه من ضعف وعربدة لا تقبل التكييف السياسي ولا القانوني، ومن ثم تعيين وصي عليه يتصرف بدلا منه ويشرح ويبرر تصرفاته الخائبة.
حماقة ترامب تعمل على إفراغ الجعبة الأمريكية من آخر عدَّتِها التي صنعت مجدها وعظمتها، أي حقوق الإنسان والديمقراطية
عنوان هذا المقال، يريد أن يشير إلى مفارقة ألمت بسياسة ترامب، حيث يحكم أمريكا العظمى اليوم أضعف رئيس أمريكي. ويمكن شرح المفارقة على النحو التالي: عندما يقود الرئيس الأمريكي سياسة ظالمة، ويعاند عن إصرار وترصد على تمريرها، لا يأبه بأي أحد ولا يثنيه عليه أي طرف مهما كان، إن في الداخل أو في الخارج، فالكل يبقى يتفرج على العربدة والتهور والحمق، لأن صاحبها حائز الشرعية السياسية من شعبه، وليست له حيلة، بل عليه انتظار استحقاقات انتخابية مقبلة، وهذا ما جعل الواحد يفكر في مشكلة الهشاشة الديمقراطية في عصرها العالمي والمعولم. فالتمادي في تخطيط وتنفيذ سياسة ظالمة في الداخل وفي الخارج، يرتب لصاحبها الوهن والضعف، لا يشعر بها إلا في الأوضاع الصعبة، حيث لا يجد من يسانده في ظلمه، إلا من دائرة ضيقة جدّا لها مصالح عارضة، كما تفعل نوادي ودوائر المال الصهيوني. فحادث اغتيال المواطن الأمريكي جورج فلويد، أثبتت حالا أن مؤسسات الدولة لا تزال تستبطن العنصرية في الداخل، والأمر لم يعد مجرد خطاب بقدر ما أنه دفع للجميع إلى التنديد بعنصرية نظامية مهيكلة في صلب السلطة، ومناهضتها عبر إجراءات تصفيتها بشكل مطلق، بما في ذلك الرئيس الأمريكي نفسه.
العالم كلّه يكتشف الحقيقة، إن الدولة الأمريكية دولة عنصرية، وإنها لم تَتَطَهَّر بعد من آثامها حيال السكان الملونين والعرب والمسلمين، بعد ما ساد الاعتقاد بأن العقبة الكأداء في تجاوز الوضع العنصري، كان مرور باراك أوباما كشخص غير أبيض على الرئاسة الأمريكية، ما ساعد على تصفية التمييز العنصري والتعامل بالحيف والإجحاف مع غير البيض. ومن هنا، فإن حماقة الرئيس ترامب تعمل على إفراغ الجعبة الأمريكية من آخر عدَّتِها التي صنعت مجدها وعظمتها، ونقصد حقوق الإنسان، والديمقراطية والحكم الراشد، خاصة على عهود حكم الحزب الديمقراطي. فقد جازف الرجل بكل ما تملك أمريكا من قوة وعظمة، كان آخر سعيه إلى توريط الجيش في حالة مدنية صرفة، لا تحتاج إلى القوة العسكرية. فعندما يغامر بالجيش في أوضاع غليان واحتجاج واعتصام مدني، يكون قد أضرم أول فتيل لحرب أهلية في عصر رقمي، يعتقد فيه الأمريكيون أن الحرب الأهلية من عصور الاستعمار وما بعده، وأمريكا مرّت بها.. دونما رجعة.
في الربع الأخير الذي بقي من عهدة الرئيس ترامب، يكون قد استهلك ما في عدّته، ولم يوفر لأمريكا إلا الدمار والخراب، على ما صنع مثيله الجمهوري جورج بوش الابن، الذي قاد أمريكا إلى يوم 11 سبتمبر/أيلول2001 المشؤوم. نعم السابقة الوحيدة التي أسس لها ترامب، هي تكريس حالة غير أخلاقية: إن الذين يأتون بعده إلى الحكم يجب أن يكونوا من أولئك الذين لم يتعاونوا مع الرئيس ترامب، كونه وباء يجب أن يتطهر منه الجميع. فحالة أمريكا مع السياسة لاحقا أن تُنْبَذ حكومة ترامب، مثل ما نُبِذَت حكومة فيشي في فرنسا، وحكومة موسوليني الفاشية في إيطاليا، وحكومة هتلر في ألمانيا النازية بعد الحرب العالمية الثانية. فجماعة ترامب ودوائره اليوم هم ما يصطلح عليه مستقبلا بالمتعاونين. رشّحت سياسة ترامب الظالمة الوضع في أمريكا إلى مربع الضعف والحساسية المرضية، بحيث تتأثر وتتداعى لها لأخف ريح ولأتفه حادث على ما فعلت جائحة كورونا، حوّلتها إلى بؤرة كبيرة للوباء في العالم. ومن فرط شدة حرج الوضع وحساسيته في أمريكا، بسبب السياسة الظالمة للرئيس ترامب، فإنه يجب عليه أن ينتظر تداعياتها عليه وعلى المواطن الأمريكي الذي صار الآن مسحوقا، يدفع أكبر فاتورة في حياته، منذ أن وجدت أمريكا في العصر الحديث والمعاصر.
نعم، الرئيس الأمريكي ترامب، ظاهرة شاذة في حياة الأمم والشعوب والدول في هذا الزمن الرقمي الفائق، فقد جاء من صلب الكراهية والظلم والتطرف والحمق والمجون والإسراف، على ما قيدته لوحته المحفوظة، ولا يملك لها أي تعديل أو تزييف على ما يحاول.. لكن هيهات. سياسة ترامب الظالمة حيال شعوب العالم كله، وليس فقط الشعوب العربية والإسلامية، أو من أصول وإثنيات غير أوروبية، هي التي حوّلت المجال الأمريكي إلى بقعة مركزية لكافة الجوائح المرضية والمالية والسياسية في العالم، حيث تتداعى على الكل ردود وتداعيات الفعل السياسي الأمريكي الظالم. في اللوح المحفوظ لترامب ما يمثل شريطا كاملا من مشاهد كافكوية وكوابيس مفزعة، يمكن الوقوف عندها وتأملها على أنها مشاهد من طيش التاريخ الأمريكي الراهن، تُدِين الولايات المتحدة الأمريكية في عظمتها بعد أن ضيَّعت مصداقيتها. ترامب يصنع ضعف أمريكا، بحيث كل ما يجري وما يطرأ من أخطار وأزمات ومآزق ومعضلات في أمريكا والعالم، هو بسبب السياسة الظالمة التي خاضها ولا يزال الرئيس الأمريكي، منذ أن تَوَلَى البيت الأبيض مطلع عام 2017، فقد كانت الثلاث سنوات كافية لكي تتحوّل أمريكا إلى بؤرة تتأثر وتحصد نتائج فعل رئيسها الخائب.
كاتب وأكاديمي جزائري
تحليل قمة في الروعة..شكرا لك