في اليوم الرابع للحرب الروسية على أوكرانيا، قال دونالد ترامب في بيان له إنه «رئيس الولايات المتحدة الذي دفع أعضاء الناتو المتأخرين في سداد مستحقاتّهم للبدء في سداد مستحقاتهم التي بلغت مئات المليارات من الدولارات». وقال: «أنا أيضا من أوصلَ لأوكرانيا القاذفات القوية المضادة للدبابات (جافلينز) عندما كانت الإدارة السابقة ترسل بطانيات»؛ وأخيرا «دع التاريخ يلاحظ ذلك».
كلّهم يكذبون.. لكنّ ذلك الرئيس من عيار خاص في هذا الحقل، يكاد ينافس بشار الأسد على مركزه الطليعي! ولم ينجح الأمريكيون في تأمين عدم عودته إلى البيت الأبيض مرة ثانية، بل يبدو ذلك الاحتمال قويا حتى الآن. ما يهمّنا أكثر في واقع الحال، ما سينتج في عودته من تأثيرات في الوضع الدولي عموما، وفي الشرق الأوسط خصوصا.
في ما يخصّ أوكرانيا، كان اللفتنانت كولونيل ألكسندر فيندمان؛ وهو مسؤول سابق في مجلس الأمن القومي خلال إدارة ترامب قد قال إن «ترامب قوّض الأمن القومي الأمريكي، وجمّد المساعدة العسكرية لأوكرانيا». وأضاف أن «هجمات ترامب على الناتو، ودعم اليمين المتطرْف هما ما شجّعا بوتين على الاعتقاد بأن الناتو هشّ ضعيف». وقد ورد في تدوين سابق لمكالمة بين ترامب والرئيس الأوكراني يطلب فيها الأخير صواريخ جافلينز المحمولة، فيجيب ترامب: «أود منك أن تقدم لنا معروفا رغم ذلك»، ثم ضغط على زيلينسكي للعمل مع المدعي العام الأمريكي ويليام بار ومحاميه الشخصي رودي جولياني، للإعلان عن تحقيق مع المرشح الرئاسي المنافس آنذاك جو بايدن وابنه هانتر، الذي عمل سابقا في مجلس إدارة شركة نفط أوكرانية. إثر ذلك، صوّت مجلس النواب الذي يسيطر عليه الديمقراطيون على عزل ترامب، لكن مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون أسقط القرار. لعلّ أبرز ما حاول ترامب الإيحاء به في تصريح أواخر فبراير/شباط ذاك هو التعبير عن سعيه إلى إعادة صياغة دور إدارته في تعزيز أمن أوروبا، بحيث يبدأ بإضعاف حلف الناتو- أو الانسحاب منه – عن طريق إبعاد وعزل أعضائه الأوروبيين، بعضهم على الأقل. وبطريقة أخرى من التعبير، أراد القول إنه يأمل بإضعاف أوروبا، التي يرى فيها قوة إضافية للولايات المتحدة. بذلك يحقق تصفية لسياسات ما بعد الحرب الكونية الأخيرة، التي شكّل مشروع مارشال ذروة إجراءاتها. ولعلّه لا يرى أوروبا إلّا من خلال عيني أوربان، الزعيم المجري اليميني الشعبوي الإشكالي، وصديق بوتين بدوره.
من أبرز احتمالات سياسات ترامب المثيرة دوليا، في حال إعادة انتخابه في 2024، إنهاء عضوية أمريكا في الناتو، وسحب القوات الأمريكية من أوروبا، ومن الشرق الأوسط
قال جون بولتون مستشار الأمن القومي السابق لترامب، في مقابلة صحافية مع»ذا بوست»: «في ولاية ترامب الثانية (لو نجح في خريف 2020)، أعتقد أنه ربما ينسحب من الناتو. وأعتقد أيضا أن بوتين كان ينتظر ذلك». كذلك، فإن من أبرز احتمالات سياسات ترامب المثيرة دوليا، في حال إعادة انتخابه في خريف 2024، أنه سوف يلغي المعاهدة الأمنية مع اليابان من جهة، ومع كوريا الجنوبية من جهة أخرى، إضافة إلى أنه قد ينهي عضوية الولايات المتحدة في الناتو، ويسحب القوات الأمريكية من أوروبا، ومن الشرق الأوسط. هذه الاحتمالات ليست بسيطة على الإطلاق، بل هي معادل لمناخات حرب كونية جديدة، حتى من دون استخدام سلاح دمار شامل.
بعد تجربة بايدن في نقل مركز الثقل إلى المحيطين الهادي والهندي قريبا من الصين وحلقة الضغط العالي هناك؛ جاءت الحرب الروسية على أوكرانيا منذ ما يقارب العام؛ ثم تدهور مسار الاتفاق النووي مع إيران؛ لتبدأ مراجعات جديدة لاستراتيجيات الأمن الدولي، مركزها في أوروبا القديمة ذاتها، ودعامتها في الشرق الأوسط، حيث القطبان الإسرائيلي والإيراني، وثالثهما تركيا من حيث هي خارج حقل الناتو وليس من حيث هي عضو رئيس فيه. لو استمرّت الحرب في أوكرانيا – ويصعب تصوّر ذلك- لن يكون من السهل توقّع سلوك ترامب في ما يخصّ المسألة، لكنه حتما سوف يستسهل المناورة مع بوتين إلى حدود خطرة، ما لم تكن خطوات رئيسة نحو التسوية قد سبقت الانتخابات. وهو سوف يفاجئ العالم بسياسات مختلفة أيضا في منطقتنا، مع إيران وإسرائيل وفي سوريا والعراق، وفي الخليج أيضا. ساعد علي خامنئي وحرسه الثوري على تكريس إلغاء الاتفاق النووي حتى الآن بسياساتهم المتطرّفة التي تألف التوتّر والعزلة، وقد وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود بالفعل في الأشهر الأخيرة، مع تقدّم حدث كبير جدا ومتعدّد التأثيرات هو حرب بوتين أوكرانيا. سوف يكون أوّل ما يفعله ترامب حين يعود إلى مكتبه في البيت الأبيض هو إعادة موضوع الاتّفاق النووي إلى سلة مهملاته، ليركّز على موضوع العقوبات، وما يمكن أن يتفرّع عنها من مواضيع وصفقات تجارية، وربّما بعض المفاجآت السياسية التي لا يمكن توقّع غرابتها. في الوقت ذاته تستمرّ خطط توجيه ضربات للمنشآت النووية الإيرانية، قد تكون في حجم حرب مجهولة الآفاق.. وحتما سوف يرتاح الكثير من أهل المنطقة لذلك الاحتمال، الذي لا يرون بين عقابيله ما ينعكس عليهم إلّا الخلاص من عدوّ أنهكتهم عنجهيّته. وكان ترامب قد واجه نجاحا ملتبسا في السابق، وصارخا في الوقت نفسه، مع مسألة الصراع الطويل في المنطقة بين الفلسطينيين والعرب من جهة وإسرائيل من الجهة الثانية. فقد قام بحركتين دراميتين حين أمر بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس في ديسمبر/ كانون الأول 2017؛ ثم أصدر مرسوما تعترف الولايات المتحدة بموجبه بضمّ إسرائيل لهضبة الجولان المحتلة في مارس/ آذار 2019، ليكون بذلك أوّل رئيس يخرج عن محدّدات المؤسسة الأمريكية واستراتيجيتها.
في الشهر الأول من عام 2020 المفصلي، تقدّم ترامب باقتراحه حول «صفقة القرن» التي ادّعى أنها ستنهي الصراع بأفضل الشروط، بالتوافق مع دول الخليج القلقة من الأخطار الداهمة من الساحل الإيراني المقابل، وضمن شروط اقتصادية قد تبهر أهل المنطقة؛ وتقدّم من ثَمّ مشروعا للقضية الفلسطينية، لا يتطرّق لموضوع اللاجئين، ويُلحق المستوطنات بإسرائيل نهائيا، ويدّعي تيسير حل الدولتين. قام صهر الرئيس جاريد كوشنر، الشاب الآتي من خارج السرب، بهندسة المشروع مع مغريات عديدة، معتمدا على قواعد المنطقة التجارية المرتجلة، وعلى مخاوف حكامها من الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس.
لم يستطع المشروع تحقيق اختراق على الجانب الفلسطيني، وكان ذلك متوقّعا كما يبدو، وليس مستهدفا بذاته جديّا. في حين تحقّق نجاح مهم من خلال الاتفاقات الإبراهيمية التي لم تتأخر، ولم تكتمل تماما بعد. تجلّت آثار ذلك المسار بعد ذلك وفي عهد إدارة بايدن بتوتّر في علاقات بعض الدول الخليجية بالولايات المتحدة، ومتابعة غير مسبوقة لسياقات صراع الجمهوريين والديمقراطيين، والعوامل الفاعلة فيه. ويمكن تصوّر آثار عودة ترامب في عام 2024 على استقرار الاستراتيجية الأمريكية، واستقرار المنطقة معها. وكان الرئيس ترامب، قد أعلن في 20 ديسمبر 2018 بعد ثمانية أيام تماما من إعلان الرئيس التركي عن نيته شنّ عملية عسكرية شمال شرق سوريا – عن سحب القوات الأمريكية من تلك المنطقة. وقال بعد ذلك بأسبوعين إن سوريا «ضاعت منذ زمن» ولم يبق فيها إلّا «الرمال والموت». ورحبّ الرئيسان الروسي والتركي بذلك القرار بالطبع، في حين لم يتأنّ صاحب القرار قليلا إلّا بناء على طلب نتنياهو وحساباته الأكثر تركيزا.. وبعد استقالات مهمة في البنتاغون في حين لم يثنه الحديث عن تعارض القرار مع القيم المؤسسة للولايات المتحدة، ولا عن الغدر بالحلفاء على الأرض.
وعلى الرغم من وجود ترامب على رأس إدارته التي قتلت البغدادي خليفة «داعش»، بعد ذلك بعدة أشهر، وتراجعه الجزئي عن قراره الشهير ذاك، إلّا أنه من أهمّ الأدلّة على ما يمكن لإدارة على رأسها دونالد ترامب أن تقوم به، لترضي الأطراف التي ينبغي ألْا تهتم برضاها، ولتغضب الأطراف التي ينبغي لها ألّا تغضبها… وسوف تعيد أخطار الإرهاب للنموّ والتمركز الاستراتيجي من جديد.
في كلّ ذلك معالم سياسة دولية متفجّرة ومرتجلة وخطرة، هي الأبعد عن قيم الحداثة منذ نشأت وسادت، حتى وهي مجدولة بكلّ البراغماتية المعتادة.
كاتب سوري
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . اذا عاد ترامب مرة اخرة رئيس واشك في هذا ولكن كل شيء ممكن في هذا الزمان المهم اذا عاد سيكون السبب الرئيسي في ضعف أمريكا امام العالم وسيجعل العالم يتشكل من جديد وستكون فرصة للصين لكي تظهر على المسرح العالمي اكثر وضوحا من الأن , وروسيا ستكون سعيدة و مرتاحة لكي يكسب ترامب ويعود مرة اخرة ولان يكون ترامب في 2024 مثل ترامب 2017 علي العكس هو اكتسب خبرة ولكن ترامب عنده جنون العظمة ومشكلته انه يسبح ضد تيار العقل والمنطق ولهذا الخبرة لان تنفعه في شيء وسيجعل اليمين المتطرف اكثر انتشار و عنف وسيجعل الحكومات الدكتاتورية تنشط و اكثر عنف ولهذا أوروبا ستكون ضحية سياسة ترامب والشرق الأوسط سيتعرض للابتزاز كما حصل مع ملك السعودية وسيجعل ايران من أسباب ابتزاز الخليج , وهو ينظر لأوروبا نظرة استخفاف وأوروبا بعد كرونا وحرب أوكرانيا أصبحت معرضه للفقر وهذا باعتراف حكامها والتضخم اصبح في أوروبا غير طبيعي ولم تتعود أوروبا ولا تعرف حجم التضخم و مثل هذا الغلاء المستمر , وإسرائيل ستكون اكثر المستفيدين من عودة هذا الترامب وعلينا العالم العربي ان يتحد امام أي تغير اذا صعد ترامب او لم يصعد من الواضح صعود الحزب الجمهوري وهذ اكبر مكسب لإسرائيل وضغط علينا ك العادة . وشكرا
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . اذا عاد ترامب مرة اخرة رئيس واشك في هذا ولكن كل شيء ممكن في هذا الزمان المهم اذا عاد سيكون السبب الرئيسي في ضعف أمريكا امام العالم وسيجعل العالم يتشكل من جديد وستكون فرصة للصين لكي تظهر على المسرح العالمي اكثر وضوحا من الأن , وروسيا ستكون سعيدة و مرتاحة لكي يكسب ترامب ويعود مرة اخرة ولان يكون ترامب في 2024 مثل ترامب 2017 علي العكس هو اكتسب خبرة ولكن ترامب عنده جنون العظمة ومشكلته انه يسبح ضد تيار العقل والمنطق ولهذا الخبرة لان تنفعه في شيء وسيجعل اليمين المتطرف اكثر انتشار و عنف وسيجعل الحكومات الدكتاتورية تنشط و اكثر عنف ولهذا أوروبا ستكون ضحية سياسة ترامب والشرق الأوسط سيتعرض للابتزاز كما حصل مع ملك السعودية وسيجعل ايران من أسباب ابتزاز الخليج , وهو ينظر لأوروبا نظرة استخفاف وأوروبا بعد كرونا وحرب أوكرانيا أصبحت معرضه للفقر وهذا باعتراف حكامها والتضخم اصبح في أوروبا غير طبيعي ولم تتعود أوروبا ولا تعرف حجم التضخم و مثل هذا الغلاء المستمر , وإسرائيل ستكون اكثر المستفيدين من عودة هذا الترامب وعلينا العالم العربي ان يتحد امام أي تغير اذا صعد ترامب او لم يصعد من الواضح صعود الحزب الجمهوري وهذ اكبر مكسب لإسرائيل وضغط علينا ك العادة . وشكرا