لندن- “القدس العربي”: في ظل استمرار المواجهة الروسية الأمريكية بالوكالة في أوكرانيا، تتناول صحيفة ديلي اكسبرس البريطانية نتائج تلك المواجهة، من زاوية ما تحصده الصين، إذ يقول الكاتب ماركو جيانانجيلي، إن الرئيس الأمريكي جو بايدن يعتقد أنه قادر على إدارة الشؤون الروسية بالوكالة من خلال التحكم في إمدادات الأسلحة إلى أوكرانيا، لكنها لعبة خطيرة للغاية نظرا لأن الصين تأخذ العبر وتحصد المكاسب.
يشير المقال بداية إلى مجريات الهجوم الأوكراني المضاد، فيرى أن مشهد دبابة تشالنجر البريطانية المحترقة بالقرب من منطقة روبوتين مثير للقلق. ويتعين علينا أن نكون شاكرين لنجاة طاقمها الأوكراني الذي دربته القوات البريطانية في سالزبري في مارس/آذار، فوقوع مثل هذه الخسائر الحتمية لا يقلل من الزخم الذي حققته القوات الأوكرانية بشق الأنفس.
لكن الاستيلاء على القرى في جنوب شرق زاباروجيا ليس كافيا. ومن المهم أن يُظهر الهجوم المضاد أنه قادر على التغلب على الدفاعات الروسية القوية، واستعادة مساحات أكبر في الأسابيع الثلاثة المقبلة على الأقل، قبل حلول فصل الشتاء حيث ستسود خمسة أشهر من الجمود. الضغط مستمر، والأمر يتعلق بأكثر من مجرد استعادة الأراضي، لأن القوات الروسية (وهذا كلام غير مألوف) لم تعد العدو الأكبر لكييف رغم كل ما ارتكبته في أوكرانيا.
ويوضح المقال “أن العدو الرئيسي لأوكرانيا اليوم، كما تدرك كييف تمام الإدراك، يتلخص في التهديد الذي يفرضه الجمود الغربي”.
العدو الرئيسي لأوكرانيا اليوم، كما تدرك كييف تمام الإدراك، يتلخص في التهديد الذي يفرضه الجمود الغربي
ومع دخول الولايات المتحدة في دورة انتخابية يمكن أن تشهد عودة دونالد ترامب في العام المقبل، فإن 28% فقط من الجمهوريين يدعمون حاليا تمويلا إضافيا لأوكرانيا، مع استمرار الحرب في عامها الثاني، ولا يقتصر الأمر على الجمهوريين فقط، إذ أظهر استطلاع للرأي أجرته شبكة “سي إن إن”، الشهر الماضي، أن 51% من الناخبين يعتقدون أن الولايات المتحدة أدت دورها بالفعل في أوكرانيا، مع موافقة 45% فقط على الإنفاق الإضافي.
ويُبرز المقال أن جميع المساعدات العسكرية التي حشدتها الدول الأوروبية الأعضاء في حلف شمال الأطلسي – بما في ذلك المملكة المتحدة – لا معنى لها إذا ما قورنت مع الـ 50 مليار دولار التي أنفقتها الولايات المتحدة وحدها حتى الآن على أوكرانيا.
هنا تتحدث الصحيفة عن المسار البطيء الذي سلكته الاستجابة الغربية لحاجات أوكرانيا التسليحية “من الصواريخ الفتاكة إلى الدبابات القتالية الرئيسية إلى الطائرات المقاتلة من طراز F-16، حيث تمت تلبية جميع الطلبات في نهاية المطاف ولكن فقط بعد تأخير قاتل”.
وفي الجانب السياسي، تسجل الصحيفة أن نظرة البنتاغون الأمريكي للحل السريع، ترى أنه الحل الذي لا ينبغي أن يؤدي إلى تقويض أسس الكرملين بشكل كامل، لذلك وعلى الرغم من كل إخفاقات الرئيس الروسي، فقد نجح فلاديمير بوتين في ضمان مناخ مستقر داخل روسيا حيث كان معظم الذين قد يعارضونه خائفين للغاية من استهداف رؤوسهم.
نظرة البنتاغون الأمريكي للحل السريع، ترى أنه الحل الذي لا ينبغي أن يؤدي إلى تقويض أسس الكرملين بشكل كامل
وتعتبر الصحيفة أن التوصل إلى حل سريع لا يقتصر فقط على وقف معاناة الأوكرانيين التعساء، أو نزيف الأموال والمساعدات الغربية بل يتعلق الأمر بالحصول على المساحة اللازمة للتعامل مع مشكلة أكبر… لأنه لا يمكن أن يكون هناك شك في أن التهديد الأكبر الذي يواجهنا هو في الواقع على بعد 5 آلاف ميل، أي في الصين.
وتحاول الصحيفة دعم وجهة نظرها تلك بعدة معطيات فتقول “إنه وعلى الرغم من التحديات الأساسية التي يواجهها اقتصادها، فإن الصين، وليس روسيا، هي التي تمتلك النفوذ اللازم لحشد دول العالم الساخطة، في قوة واحدة مناهضة للديمقراطية. كما أن بكين وليس موسكو، هي التي يمكن أن ينسب إليها الفضل في مضاعفة عدد أعضاء مجموعة البريكس مؤخرا لتضيف إيران والسعودية ومصر والأرجنتين والإمارات وإثيوبيا إلى جانب البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، كما أن الصين تعمل بشكل مطرد ومتعمد على زيادة نفوذها في آسيا الوسطى.
الصين تمثل الآن شبحاً تكنولوجياً، اقتصادياً وعسكرياً وهجومياً، لم يعد الغرب قادراً على تجاهله
والصين هي التي تمثل الآن – عقود من سرقة الملكية الفكرية الغربية – شبحاً تكنولوجياً، اقتصادياً وعسكرياً وهجومياً، لم يعد الغرب قادراً على تجاهله”.
وترى الصحيفة “أنه على الساحة العالمية فإن الغزو الروسي لأوكرانيا كان بمثابة إلهاء، ولكن حتى لو كانت روسيا، مجرد عثرة في طريق طويل من التهديدات الاستراتيجية، فلا بد من دحرها.
وتوضح “قرار الرئيس بايدن بالسماح متأخراً بتسليم طائرات F-16 إلى أوكرانيا يقر مرة واحدة وإلى الأبد بأن السفينة التي تخشى استعداء بوتين قد أبحرت منذ فترة طويلة، ورغم أن الخمسين مليار دولار التي أنفقتها الولايات المتحدة حتى الآن، تعادل الإنفاق العسكري البريطاني لمدة عام كامل، إلا أنها لا تمثل سوى خمسة بالمئة من ميزانية الدفاع الأمريكية، وبالمقابل أثبتت القوات الأوكرانية بالفعل حافزها ومرونتها وقدرتها على توجيه ضربات قوية.
وتختم الصحيفة بالتحذير بأن “التراجع تقديم المساعدات لها هذا الشتاء من شأنه أن يجازف بتعريض أي فرصة لتحقيق النصر للخطر، أو على الأقل سيضمن السماح للمشكلة الروسية بالاستمرار إلى أجل غير مسمى، وستبقى الصين تنتظر”.