لندن – “القدس العربي” ـ من إبراهيم درويش:
يرى بروس ريدل، المحلل الأمني والخبير في معهد بروكينغز في مقال له بموقع “ديلي بيست” ذكر في بدايته بما كتبه وزير الدفاع الأمريكي السابق روبرت غيتس بمذكراته “واجب” حيث تحدث عن مواجهة مثيرة في تموز(يوليو) 2007 مع الملك عبد الله بمدينة جدة على ساحل البحر الأحمر “فقدت أعصابي” يقول غيتس. وبدأ المساء بعشاء متعددة ألوان الطعام في غرفة تعدل مساحتها مساحة ستة ملاعب كرة سلة بوسطها حمام سباحة. وتم طلاء السقف ليبدو وكأنه سماء تشع منها النجوم. وفي الغرفة حوض سمك من الأرض إلى السقف عرضه 75 قدما وطوله 30 قدما. وبعد وجبة العشاء التقى غيتس الملك مباشرة والذي عبر عن غضبه من إيران وطالب بعملية عسكرية واسعة ضدها وليس فقط ضد منشآتها النووية. وهدد بأن السعودية “ستتصرف بنفسها” لو لم تعلن واشنطن الحرب. وكان الملك يقول لزواره أن إيران هي أساس المشاكل بالمنطقة ويجب التعامل معها بالقوة. وعبر غيتس عن غضبه لأن الملك “يطلب من الولايات المتحدة إرسال أبنائها وبناتها للحرب مع إيران.. كما وأننا مرتزقة” وكأن الجنود الأمريكيون يحضرون إلى الشرق الأوسط للدفاع عن الملكيات الشرق أوسطية والقيام بالمهمة نيابة عنها و “كان يطلب منا سفك دم الأمريكيين ولكنه لم يشر ولا مرة واحدة إلى إمكانية سفك الدم السعودي”. وخاضت أمريكا حربان في الشرق الأوسط وهي لا تريد حربا ثانية. وفي مذكراته يقول وزير الدفاع السابق “شعرت بأنني جرحت”. وكان غيتس الذي يعد من أفضل وزراء الدفاع الأمريكيين واضحا في كلامه للآخرين وهي أن عليهم أن لا يدفعوا الولايات المتحدة القيام بحرب تهدف لحماية مصالح بلد آخر. والحذر ليس ضعفا ولكنه حكمة كما يقول بريدل، فالحرب دائما تترك تداعيات غير مقصودة. ويستحق الأمر أن تخرج عن اللياقة لوقف شخص عند حده. ويعلق ريدل أننا سمعنا صفارات الحرب في الشرق الأوسط منذ فترة وهي نفس الأصوات التي تقول إن استخدام القوة ضد فلان قد تقود إلى “شرق أوسط جديد” مزدهر خال من الإرهاب. وقادت هذه الفتنازيا للحرب مرتين وجعلت من إيران قوية كما نراها اليوم. وفي عام 1982 قام وزير الدفاع الإسرائيلي أرييل شارون باجتياح لبنان لتدمير منظمة التحرير الفلسطينية وإخراج سوريا من البلد وفرض حكومة مسيحية مارونية في بيروت وبعدها يقوم لبنان إلى جانب الأردن بعقد سلام مع إسرائيل. وسينشأ في أعقاب هذا شرق أوسط جديد.
وقدمت الولايات المتحدة الغطاء الدبلوماسي وقوات حفظ سلام لتسهيل العملية الانتقالية إلى الشرق الجديد. وبدلا من ذلك تورط الإسرائيليون في بيروت وانهارت الحكومة المسيحية بعد قتل زعيمها وفجرت السفارة الأمريكية مرتين وتعرضت قوات المارينز لهجوم قاتل بشكل دفع الرئيس رونالد ريغان التخلي عن المشروع. وكانت إيران المعزولة بسبب الحرب العراقية-الإيرانية قد أرسلت قوة من الحرس الثوري إلى سوريا ولبنان ودربت دفعة من مقاتلي حزب الله الذي أخرج إسرائيل من جنوب لبنان ودمر جيش لبنان الجنوبي وبهذا أصبحت إيران قوة في سوريا ولبنان، وهي قوية جدا في بيروت ودمشق اليوم.
وفي عام 2003 وعد نبي آخر بشرق أوسط جديد. ووعد زعيم المعارضة العراقية أحمد الجلبي الرئيس جورج دبليو بوش ونائبه ديك تشيني أن العراقيين سيرحبون بحرب تطيح بصدام حسين وستقود لسلام مع إسرائيل وستقود لتغيير النظام في دمشق وطهران. وتجاهل المحافظون الجدد علاقات الجلبي الوثيقة مع المخابرات الإيرانية. وسيكون النصر رخيصا ويتم تغيير المنطقة. لكن أمريكا تورطت في العراق ولا تستطيع الخروج منه حتى الآن. ولم يحدث سلام مع إسرائيل أو يتغير نظام الملالي بل على العكس فإيران اليوم هي القوة الرئيسية في العراق. وكان السعوديون قد حذروا الأمريكيين ان الحرب ستقدم العراق لإيران على طبق فضي بشكل يوسع تأثيرها في الهلال الخصيب. ويرى ريدل أن إيران أصبحت قوة متنفذة في المنطقة بسبب الأهداف التي حاولت حربي 1982 و2003 تحقيقها. ولعبت طهران أوراقها بذكاء ولكنها حصدت أخطاء الآخرين بدلا من تقرير مصيرها بنفسها. والآن خرجت إدارة ترامب من الاتفاقية النووية وهو قرار صفقت له السعودية وإسرائيل وتريدان من واشنطن تغيير سلوك إيران بالقوة أو تغيير النظام رغم عدم وجود البديل كبشير الجميل في لبنان مثلا. ويجب وقف تقدم إيران في بيروت وبغداد وصنعاء ودمشق. ويحاول كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وولي العهد السعودي دفع واشنطن لعمل أبعد من تمزيق الاتفاقية النووية. وكلاهما يواجه إيران وحلفاءها في اليمن وسوريا. وكلاهما في وضع صعب ويتطلعان لمساعدة من الحليف الأمريكي. ووعدت إسرائيل بالتصرف فرديا وضرب المنشآت النووية الإيرانية. وفي تذكير بتهديدات الملك عبد الله قال ولي العهد أن السعودية ستباشر مشروعها النووي حالة توصلت طهران للسلاح النووي.
ويختم ريدل أن درس مواجهة غيتس- عبدالله عام 2007 لا يزال مهما اليوم. فمن الحكمة بمكان أن يخرج الأمريكيون عن طورهم لو استمعت الإدارة لهؤلاء الذين يريدون تعريض الأمريكيين للخطر في محاولة لتحقيق أحلامهم الفنتازية. وأخطأت الإدارة بالخروج من الإتفاقية النووية بشكل فتح الباب أمام تكرار أخطاء عام 1982 و2003.
ان من اوصل السعودية إلى هذا الوضع من التردي السياسي وتبديل التحالفات واللعب بمقدرات العرب ومقدسات المسلمين هم آل سعود أنفسهم، واليوم يتراكضون الى اسرائيل لحمايتهم من ايران بعد ان عملوا على تدمير العراق… يداك اوكتا وفوك نفخ