القاهرة – «القدس العربي» قبل عام 1971 لم يكن المغني اليوناني المصري ديميس روسوس قد ذاع صيته واشتهر شهرته الواسعة كأمهر العازفين على آلة الترومبيت وموسيقى الجاز وصاحب الصوت الجهوري المتميز والنبرة القوية، فبعد أن انطلقت مسيرته الموسيقية الغنائية عقب توزيع اسطوانته الأولى لأكثر من مليون نسخة بات روسوس نجما متوجا في عالم الغناء. ومما يلفت النظر في المغني الكبير أنه حقق شهرته دون سابق إنذار فلم يكن سوى عازف مغمور في فرقتي «واي فايف» و»ذي أيدولز»، إذ كان قانعا تماما بدوره خلف المطرب إلى أن جاءته الفرصة ليقف أمام الجمهور مغنيا لأول مرة في فرقة «أفرودايتس تشايلدز» فيثير عاصفة من التصفيق الحار مع أول إطلالة له بعد وصلة غنائية قصيرة أداها بكل إحساسه ومشاعره حينئذ كان ميلاده الفني الذي خضع لصدفة استثنائية جعلت منه أسطورة غنائية كبرى امتدت أصداؤها إلى أطراف العالم كله.
ولد المغني ديميس روسوس في مدينة الإسكندرية وهو اليوناني الأصل وعشق الموسيقى وعمل على الدمج بين الموسيقى الشرقية والغربية في قالب مستساغ، حيث كان يرى أن الموسيقى لغة عالمية واحدة يجب توحيدها بعيدا عن الفواصل الثقافية والحدود الجغرافية، ونجح إلى حد كبير في إذابة الفروق وفلح في استقطاب ملايين المستمعين والمتذوقين لموسيقاه من مختلف الشعوب، وبالفعل وحد صوته بين ثقافات متعددة ومختلفة الأنماط والأشكال فمن بين أغانيه الشهيرة «عندما أحبك» و»المطر والدموع»، التي رددها الملايين بكل الجنسيات واللغات من دون تمييز. ورغم اختفاء روسوس عن الأضواء لفترة طويلة منذ زيارته للقاهرة في عام 2009 حيث شارك في المهرجان السادس للأغنية، الذي أقيم في المركز الدولي للمؤتمرات إلا أنه لم يسقط من الذاكرة ولم يتجاهله جمهوره العريض، الذي عرف قيمته الفنية وظل يردد أغانيه كأهم رموز الرومانسية في السبعينيات وكانت الزيارة الأخيرة للمغني الأشهر في عام 1999 للقاهرة، حيث غنى في دار الأوبرا، وحظي بذات الحفاوة القديمة كأنه لم يفارق بلده الثاني يوما واحدا.
كان صوت روسوس عابرا للقارات، فمن مصر إلى اليونان إلى فرنسا ملأ الأفق غناء وشدوا، وقد تم تكريمه بأرفع الأوسمة وهو وسام جوقة الشرف تسلمه من السفير الفرنسي في أثينا ومات الفنان الكبير في مدينته المفضلة عن عمر يناهز السبعين عاما في الشهر الماضي، وهو ما زال متوجا على عرش فنه الفريد لا ينافسه أحد في لونه.
وبتزامن وفاة روسوس مع الذكري الخامسة والعشرين لرحيل المطربة الإيطالية المصرية داليدا يستوجب المقام استحضار المشتركات بين الظاهرتين الفنيتين العالميتين فهي الإيطالية المولودة في حي شبرا في القاهرة، اسمها الحقيقي يولاندا كرستينا جيجليوني من مواليد يناير/كانون الثاني 1933 من أبوين تعود أصولهما إلى جزيرة كالايريا في جنوب إيطاليا هاجرا إلى مصر طلبا للرزق وهربا من الفقر والعوز في هذه الفترة كانت مصر الملجأ الآمن لكل من يقصدها تتوافر فيها سبل الرزق وفرص العمل ولا يفرق أهلها بين السكان الأصليين والوافدين عليها لذا كانت هي القبلة المفضلة للأبوين الإيطاليين.
ولدت يولاندا في شبرا الحي الذي استقر فيه الوالدان وشبت طفلة شقراء جميلة ذكية تتمتع بمواهب وملكات، ثم صارت في غضون سنوات فتاة جذابة ملفتة فاختيرت ملكة جمال مصر عام 1954 ومن هنا كانت البداية نحو مشوار طويل مليء بالنجاحات والعواصف بعد حصولها على اللقب ازدادت ثقة الفتاة بنفسها فسافرت إلى باريس للبحث عن فرصة في الغناء والتمثيل، فقد ورثت موهبة الغناء عن عمتها التي توفيت في عام 1924 ولكي تستمر في باريس عملت بإحدى المطابع ثم سكرتيرة في شركة أدوية، وقد لاحظت في هذه الأثناء أنها تعاني من حول في عينيها فأجرت ثلاث عمليات جراحية لمعالجة ما اعتبرته عقبة أمام نجوميتها ومستقبلها الفني.
ولأن ظروفها المادية لم تكن على ما يرام سعت للبحث عن مسكن رخيص فأقامت مع صديقة لها في غرفة بمنزل متواضع قريب من شارع الشانزليزيه، وكان في المنزل المجاور الأكثر تواضعا يقيم في غرفة أشد بؤسا شاب وسيم هو ألن ديلون يبحث أيضا عن موضع قدم على الساحة الفنية فهو المشبوب بالموهبة النازع إلى الشهرة والأضواء. وبعد محاولات من الدأب المتواصل بلغت الفتاة المصرية الإيطالية فرصتها الأولى كدوبلير للنجمة الأمريكية جوان كولينيس، التي كانت تصور فيلما تدور بعض أحداثه في مدينة الأقصر، ووجدتها يولاندا فرصة ثمينة للعودة إلى مصر والبدء من هناك في مسيرتها الفنية وبالفعل سافرت بعد أن أنهت التدريب الموسيقي والغنائي على يد خبير الأصوات رولاند بروجر، الذي اقتنع بموهبتها وتحمل عصبيتها الشديدة لتتحقق من خلالها رسالته الفنية، ورولان هو من أشار عليها بتغيير اسمها من يولاندا إلى « دليلة « ثم « داليدا « لتصبح بعد ذلك من أشهر مغنيات العالم وهي التي طافت بكل الملاهي الليلية في باريس وغيرها من العواصم الأوروبية.
أثناء تصوير فيلمها في الأقصر التقت بشاب اقتربت منه ورأت فيه نموذجا للطموح والموهبة كان في مقتبل حياته ويسعى لأن يكون ممثلا فارتبطت به عاطفيا لتشابه ظروفهما، ولكنها لم تستمر معه طويلا، إذ سرعان ما استقلت عنه وسلكت دربا آخر هذا الفنان الشاب هو عمر الشريف أخذت داليدا العناية بموهبتها وثقافتها فتعلمت ثماني لغات أجادتها إجادة تامة لتكون مؤهلة للقيام بأي بطولة في أي فيلم بأي لغة فقد عقدت العزم على الوصول إلى العالمية، وقد كان لها ما أرادته فانتقلت من دولة إلى دولة تغني وتمثل في كل العواصم العالمية حتى بلغت أفلامها 12 فيلما وتجاوزت أغانيها الخمسمائة أغنية كان من أشهر أفلامها في مصر فيلم «سيجارة وكاس» مع سامية جمال، وفيلم «اليوم السادس» مع محسن محيي الدين، من إخراج يوسف شاهين وعلى مستوى الغناء ظلت أغنيتها الأشهر هي «حلوة يا بلدي».
وتوالت النجاحات في مسيرة النجمة العالمية الكبيرة لم تقطعها سوى مأساة الانتحار التي كانت لغزا محيرا ومفاجأة كبرى لجمهورها، ولهذا الإنتحار مرجعية في حياة داليدا فهو نتاج إحساس فادح بالعزلة والاكتئاب، فقد تزوجت المرأة المحيرة الجميلة من رسام أطلق على نفسه الرصاص ومات منتحرا ثم تزوجت من آخر وكان مغنيا شابا فشل في أول مهرجان غنائي شارك فيه هو «مهرجان سان ريمو للأغنية» عام 67 فأطلق على نفسه الرصاصة من مسدسه ومات على الفور وبعد سنوات حاولت داليدا أن تنسى مأساتها مع زوجها الشاب فتزوجت من رجل آخر، ولكنه لم يرحم ضعفها ووحدتها وتركها وحيدة بعد أن قتل نفسه ومات منتحرا أيضا.
شكلت كل هذه الحوادث المتتالية صدمات مركبة للفنانة أدت بها إلى المصيرنفسه، حيث اختارت الانتحار حلا سهلا للهروب من واقعها المؤلم تاركة رسالتها الأخيرة في عبارة مقتضبة «أعذروني الحياة لا تحتمل».
كمال القاضي
شكرا أستاذ كمال على أنك رجعتنا للذكريات والفن الجميل .ونحن طلبة فى الجامعة فى السبعينيات ! حيث كنا نستمتع بإستماع صوت ديميس خارج صالات المحاضرات .
وإسمح لى بملحوظة…وبعض الإضافات :
الملحوظة ..صوت ديميس روسوس..لايعتبر جهوريا ، بل هو كما قلت …صوتا قويا ذات نبرة عالية ..يتميز ببحة صوتية مميزة ، إستطاع أن يوظفه مع موسيقاه ، بالإضافة لمظهره الجسدى ، إصبح له ( كارزمة ) أوصلته للعالمية .
الإضافات :…أن ما قلته عن الجاليات الأجنبة وإستقرارها فى مصرصحيحا
وأن مصر دائما حديث العلم ومحط أنظاره .
فبالنسبة للراحلة دليدا .. عملت أيضا فى شباك لبيع التذاكر فى إحدى دور السينما فى القاهرة..ولها شقيقان ، الأول ..أورلندو ..وهو على قيد الحياة ،
والثانى …برينو..(توفى ) وهو صاحب الأغنية الشهيرة (مصطفى يا مصطفى )
وكانت فى فيلم مصرى شهير لا أتذكر إسمه !
أضيف أيضا…رحيل الموسيقار والمغنى الفرنسى الشهير فى االعام الماضى …
جورج موستكى..وهو أيضا من أصل يونانى مصرى ..حيث ولد وعاش فى مدينة الإسكندرية ورأيته وهو يثحدث باللهجة المصرية مع بعض الأطفال فى الإسكندرية فى أيامه الأخيرة..فى التليفزيون الفرنسى.
الإضافة الأخيرة ..هى عن المطرب الفرنسى الشهيرالراحل ..كلود فرنسوا
والذى يعتبر ( عبد الحليم حافظ فرنسا )..حيث أنه مصرى المولد ..فى مدينة الإسماعيلية…وعاش بمصر حتى سن الثالثة عشر..حيث كان والده يعمل مرشدا بقناة السويس….وبرغم وفاته بفرنسا عام 1977 ( إثر حادث إختناق ) إلا إن أغانيه تذاع على الدوام…ومن أشهرها عن مدينة الإسكندرية :
( اليكسندرى ألكسندرا )..Alexandrie Alexandra .