لأنّ أحلامي تدور باللغة العربية على الرّغم من طول إقامتي في باريس وقبلها لندن وسواهما، ولأن العربية هي اللغة التي أكتب بها رغم نصائح الأصدقاء لي بكتابة رواياتي بالإنكليزية التي ترجمت إليها ثمانية من رواياتي وقصائدي، وحجة الأصدقاء أن أرقام مبيعات الكتب الناجحة في الغرب تتجاوز عشرات الآلاف، أما عندنا فالكتاب الذي تباع منه خمسة آلاف نسخة يعتبر ناجحاً.. وعلى الرغم من كل ما قيل لي، أكتب بالعربية لأنها صوت ضربات قلبي. ربما لكل ما تقدم لفتني حقاً عنوان كتاب «العربية، هذه اللغة الشريفة»، وسعيت للحصول على نسخة منه.
رمزي بعلبكي وبلال الأرفه لي
يقع الكتاب في 531 صفحة، وهو كما جاء في عنوانه الفرعي: «دراسات في اللغة والنحو والمعجم والسامية» للدكتور رمزي بعلبكي جمعها وحررها د. بلال الأرفه لي. وصدر عن «مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية».
ولعنوان الكتاب الذي اجتذبني تاريخ في حب العربية، وكان «ابن جنّي» أول من أطلق هذه الصفة على العربية حين قال في «الخصائص»، وذلك (إذا تأملت حال هذه اللغة الشريفة، وجدت فيها من الحكمة والدقة، والإرهاف والرقة ما يملك عليّ جانب الفكر حتى يكاد يطمح به أمام غلوه السحر).
ويقول د. بلال الأرفه لي إن بعلبكي كان يردد هذه العبارة على مسامع طلابه في الجامعة الأمريكية في بيروت كلما عرضت لطيفة لغوية يخلص منها إلى روعة العربية وقدرتها الفائقة على التوحيد والتفرقة بين المعاني الدقيقة. ويضيف بلال الأرفه لي عن أستاذه سابقاً (وزميله) اليوم كما يدعوه د. بعلبكي، ويصفه د. بلال بأنه «رجل وهب العربية سني عمره». وكم أحببت صداقة الوفاء بينهما، فأنا أعرف أيضاً قصص جحود نحو الآباء أبجدياً (والأمهات).
لماذا اللغة «الشريفة»؟
يتساءل الأستاذ محمد ضياء الأسود، في باب «مراجعة الكتب» في «مجلة المشرق» ـ مؤسسها الأب لويس شيخو اليسوعي ـ عام 1898»: ولنا أن نتساءل ماذا يقصدان ـ ابن جني والباحث ـ (بعبارة اللغة الشريفة)، «هل هو التشريف الديني بحيث إن الله شرّفها وأنزل كلامه بها، وجعلها لغة الدين الخاتم ـ ثم تحدى بها العرب أولي الفصاحة والبيان واللّسن؟ أم تتميز بخصائص لغوية، مزايا حرفية، حافظت عليها من دون إخوتها اللغات الساميات ثم نزل بها كلام الله فازدادت شرفاً على شرف؟ هذا بعض ما جاء في مقالة محمد ضياء الدين الأسود عن تحليل عنوان «هذه اللغة الشريفة»، الذي اجتذبني.
لو لم يجمعه د. بلال لتشتت!
من طرفي أعشق الوفاء، والدكتور بلال الأرفه لي قام بفعل وفاء لأستاذه حين جمع له دراساته في اللغة والنحو والمعجم والساميات في كتاب.
يقول بلال في تقديمه للكتاب: كثيراً ما أسأل (في الغرب) في مؤتمرات دولية عن د. بعلبكي الذي يكتب بالإنكليزية أيضاً «المشهور في الغرب بفتوحاته العلمية وخاصة في تاريخ النحو العربي والمعجم». ويضيف د. بلال: «وغالباً ما يستغرب سائلي أن د. رمزي يكتب بالعربية التي أصر بعلبكي على الكتابة بها ونبه مريديه وطلابه إلى أهمية النشر بالعربية خدمة لها واعتزازاً بها لغة بحثية عصرية».
ويضيف د. بلال أنه كان قد اقترح على أستاذه د. رمزي منير بعلبكي أن يجمع مقالاته العربية في مجلد واحد تسهيلاً على الباحثين، لكن د. رمزي كان بتواضعه المعهود يعتذر؛ لأنّ كتابة جديدة تستحوذ على جل وقته وجهده، ومنها عمله على «معجم الدوحة التاريخي للغة العربية» وهكذا قرر د. بلال جمع مقالاته وتبويبها وفهرستها خدمة لقراء العربية وتكريماً لبعلبكي. ولا ينسى د. بلال أن يذكر أن دار نشر فاريورم العالمية variorum كانت قد كرمته لأن يكون أول باحث عربي تجمع مقالاته بالإنكليزية في مجلد تكريمي.
عزيزي قارئ الجريدة اليومية.. لن أطيل!
أعرف أنني لا أكتب لمجلة أكاديمية، بل لجريدة يومية. ولذا، أعد القارئ بأنني لن أغرق في الشروح العلمية، بل سأكتفي بالتعريف بالعناوين..
يقع كتاب «العربية، هذه اللغة الشريفة» في أربعة محاور:
الأول يضم النظرية اللغوية عند عبد الله العلايلي. تدريس العربية في الجامعات وتحديات المستقبل. ـ هوية الفصحى ـ الإشكالات والعوائق التي تواجهها المنظمات الدولية في استخدام العربية. المحور الثاني: النحو، المحور الثالث، ومما ضمه: المعجم ـ نظرية الشدياق «المورد الأكبر» (معجم كان قد تعب فيه والد د. رمزي الشهير منير بعلبكي). المحور الرابع: حول الساميّات.
لؤلؤة: أحد العشاق!
ويقول الأديب عبد الواحد لؤلؤة (أحد عشاق اللغة العربية، مثلي) وهو الذي قام بترجمة الكثير من الأعمال على امتداد نصف قرن أنتج خلالها أكثر من أربعين كتاباً مترجماً من الإنكليزية إلى العربية وبالعكس، يقول لؤلؤة السبب في قولي إن اللغة العربية من أغنى لغات البشر، إن لم تكن أغناها على الإطلاق، هو أنني لا أعرف لغة فيها من المرادفات والأضداد أكثر مما في العربية. ولا أعرف لغة فيها من الأسماء ما يحمل المعنى ونقيضه كما في العربية (ويورد أمثلة على ما يقوله).
عشاق العربية حتى في الغرب
يكتب الباحث الأكاديمي والإعلامي الفرنسي بيير لوي ريمون (القدس العربي 21 أيلول/سبتمبر 2018): بمجرد إعلان وزير التعليم الفرنسي عن ضرورة التفكير في خطة لتشجيع تدريس العربية منذ المراحل الأولى من التعليم الابتدائي، تناول قطاع عريض من الطبقة السياسية الفرنسية المسألة بالويل والثبور وعظائم الأمر.. ويضيف: «ليس تعليم العربية لأطفالنا هنا في فرنسا حصان طروادة لبثّ الفكر الأصولي المتطرف.. لا للتوظيف السياسي للغة والحضارة. واللغة العربية ليست استثناء يشذ عن القاعدة».
أما مداخلة وزير الخارجية الجزائري، عبد القادر مساهل، في أيلول/سبتمبر 2018 باللغة الفرنسية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، فقد لقيت ردود فعل غاضبة وجدلاً، لاستعماله لغة أجنبية في خطابه.
جمالية تواضع العلماء
ما كدت أكتب ما تقدم حتى اكتشفت صدور كتاب جديد بعنوان: «التراث المعجمي العربي من القرن الثاني حتى القرن الثاني عشر للهجرة» ـ 672 صفحة ـ المركز العربي للأبحاث. تأليف د. رمزي، رئيس المجلس العلمي لمعجم الدوحة التاريخي للغة العربية، والأستاذ في الجامعة الأمريكية، والسعيد بخدمته للغة العربية وتراثها والبعيد كل البعد عن الضجيج الإعلامي.
سيدتي الكريمة، وتاج رأسي، ياست الشام الكبير
كأنك تضربين على وتر لغوي يدندن في اعماقي بنغم العربية، فأنا لست فقط من عشاقها وأكتب بها، ولم أكتب بالفرنسية رغم عشقي لها أيضا، ذلك أن هذه اللغة تعبر عن هويتي، وعن مشاعري، وعن تطلعاتي، وعندما أرى تفشي العامية في وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، والأخطاء التي يرتكبها المذيعون وكأنني أرى عظام سيبوية تتحرك في قبره ..يتبع
وعندما قال المتنبي بيته الشهير : أنام ملء جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصم
لم يكن يتبجح بل كان يريد أن يقول أن هذه اللغة بحر بل محيط من المفردات والمعاني، وأنا أذكر اني في بداياتي الصحفية وكنت اقرأ نشرات اخبار في إذاعة عربية وأخطأت في اللغة فقلت على قدر بفتح الدال بدل على قدر بسكون الدال فاتصل بي احدهم وقال لقد أدخلت الرطانة إلى بيتي ، اشكر هذا الرجل لأنه نبهني الى عظمة هذه اللغة لأنها فعلا شريفة
يعيش الكثير من العرب أزمة ثقة بأنفسهم قبل لغتهم العربية ، حيث أنهم يعتبرون التحدث بها وبكل قواعدها وصرفها نوعا من الغرابة أو ربما تصل لحد الاستخفاف بأنفسهم ، و نشاهد تلك المواقف بكثرة في مقار العمل ، حيث يشدد بعض المدراء على أهمية الموظف ما يوازي تحدثه باللغة الانجليزية ليحكم عليه أنه موظف ناجح دون النظر لأمانته أو نشاطه ، علما بأننا نعرف شخصيا الكثير من العائلات العربية التي ادخلت ابناءها المدارس الأجنبية لكنهم في المقابل أحضروا لهم مدرسي اللغة العربية والإسلامية ، تقوية لهم في القراءة والكتابة وحفظ القران الكريم ، وعندما أجلس مع الآباء والأبناء ونتحدث معهم عن أهمية القراءة والكتابة باللغة العربية. وحفظ القران الكريم ، أزداد فرحا لأتأكد أن لغتنا ستظل بخير وغير مهملة ، خاصة أن الموقف الطريف الذي وجدته عن البعض ، أن بعض الخادمات الأجنبيات الغير مسلمات يتمنين تعلم اللغة العربية بناء على ما يرونه من أبناء العائلات التي يخدمن عندها وتقدمهم في اللغة العربية .
أسعد الله صباحكم الله بكل خير لك أختي غادة السمان وللجميع. ربما أنا آخر من يستطيع أن يتحدث عن اللغة والأدب. ولكن لفتني أن غادة السمان تستعمل كلمة جريدة بدلاً من صحيفة لماذا؟ هل هو خطأ أم يٌقصد به شيء ما!
من ناحية اللغة العربية أعتبرها هوية ثقافية ومفخرة لايستهان بها على مستوى الحضارات الإنسانية.
وأنا سعيد جداً أن ابنتي سينا (واسمها نسبة لابن سينا!) تتكلم وبدأت تكتب وتفرأ العربية مثل الألمانية, وهي تذهب كل نهار سبت إلى مدرسة عربية. وفي الحديث معها أحاول دائما الابتعاد عن الكلمات الأجنبية مثلاً حقيبة بدلاً من “شنته” أو صحيفة بدلاً من “جريدة” … إلخ. من الصعوبات التي نعاني منها في المانيا هو صعوبة الحصول على الكتب العربية, وأعتقد هنا يوجد مجال واسع ويجب أن نبحث عن طرق مناسبة لدعم اللغة العربية في الخارج. مع خالص محبتي وتحياتي للجميع.
ما اجمل كتابة حروفا عربية في البلد الآخر. وما اجمل اكثر ان تكون الكاتبة غادة السمان هذا وفاء للغة كم انت راثعة. سيدتي تقلبين الجراح بحب جميل للعربية الشريفة
انك في باريس تكتبين بحروف عربية و تقدمين كتابا قيما يستحق القراءة. تحية تقدير من مونتريال
الحب يجمعنا نحو اللغة الشريفة
للأسف باتت اللغة العربية في غربة فأغلب البلدان العربية تستخدمها كلغة ثانية بعد الإنكليزية !
كل الدول تعزز من اللغة الأم إلا نحن
فالدراسة في اليابان أو الصين وروسيا أو حتى تركيا وكوريا الجنوبية تضطر لتعلم لغتهم أولا قبل الالتحاق بالجامعة بينما في الوطن العربي اللغة الأساسية للجامعات الإنكليزية
ويقوم الأهالي من باب التفاخر والمظاهر الفارغة بتدريس ابنائهم في مدارس أجنبية ولا يتحدث هؤلاء مع اولادهم بلغتهم الأم وكأن التحدث بها فضيحة
الاخ العزيز أسامة كلية
سأرسل لك إن شاء الله بعض الكتب هدية من مكتبتي خاصة بتعليم العربية لتكون سندا لك في تعليم كريمتك سينا العربية
ارسل لي على البريد الالكتروني الذي نتراسل عليه عنوانك
مع التقدير
أخي أبو تاج الحكمة, شكراً جزيلاً على لطفك وكرمك.
طبعاً أقصد في تعليقي الكتب العربية عموما وليس فقط كتب تعليم اللغة العربية
تحية للسيدة غادة وللجميع
مع اعتزازي باللغة العربية التي تعلمت بها وتمتعت بما قرات بها من اشعار وروايات ومقالات بجميع المجالات ولكن لنكن صريحين مع انفسنا فعندما نصف لغة بالشريفة فيبدو الامر كما يتفاخر العراقيون الان بحضارة سومر واكد وبلبل واشور بينما هم الان باسوء حال وهذا هو حال العربية الان واعتقد ان القدسية التي منحت للعربية بربطها بالمقدس الديني جعلها عرضة للجمود وعدم قدرة علماء اللغة لاجراء اي تغيير او تطوير لقواعدها لتتناسب مع ازمان الناطقين بها فاصبحت الان صعبة لدرجة ان معظم من خريجي الثانويات في بلداننا لا يستطيعون اتقانها بينما يتحدثون الانكليزية باتقان افضل رغم انها ليست لغتهم لكل المواد
أخي سلام عادل, أنا أيضاً ينتابني بعض الشعور الغريب عندما أقرأ وصف اللغة الشريفة (أو أوصاف أخرى) واعتقد لأسباب اجتماعية. ربما دائما عندما يعشق الإنسان شيئاً يتحدث عنه بهذه اللغة الشعرية أو التفضيلية. أما من ناحية المقارنة بالحضارة السومرية أ أي حقبة تاريخية أخرى فالأمر يختلف تماما. حيث أن اللغة هوية ثقافية جامعة, وتمتاز أيضاً بجذورها عميقة ولاتنسى أن الأرامية التي تكلم بها السيد المسيح هي لغة عربية قديمة, كما أن أصل الأحرف العربية يعود إلى أبجدية رأس شمرا في شمال سوري. وهكذا نجد أنها بالفعل إرث حضاري كبير وجامع دون أن ننسى أهمية القرآن الكريم في رفع شأنها وحفظها.
أ.رؤوف بدران
بدراننا
هو
بيننا
يتلالا
ما
غاب
عنا
نوره
يتوالى
العزيزة غادة السمان
عندما سافرت من بيروت للدوحة، كان في المطار إمرأة تتحدث مع أطفالها باللغة الإنجليزية مع بضع كلمات عربية، استغربت من ذلك وتساءلت إذا كان طفلها ذو الخمسة سنوات يعرف العربية لماذا تتحدث معه بالإنجليزية، الاعتزاز باللغة العربية والتحدث فيها ليس عيباً، ولكنني لا أنكر أهمية اللغة الإنجليزية في التواصل مع العالم.
بالنسبة لمعجم الدوحة للغة العربية، يشكر المركز العربي على جهده نحواللغة العربية، حيث أنه أنشأ معهد الدوحة للدراسات العليا، والهدف من المعهد بشكل أساسي هو كتابة أبحاث باللغة العربية للمساهمة للإنتاج المعرفي باللغة العربية، وها أنا توجه للدراسة فيه لتطوير مهاراتي البحثية باللغة العربية.
كوني بخير دوماً وعلى قيد الكتابة أبداً