لندن ـ “القدس العربي”:
كتب المعلق مهدي حسن، مناقشاً أن قتل السعوديين صحافيا ناقدا هو جريمة، وكذا عندما يقتل الأمريكيون صحافيا فهي جريمة قتل.
وقال في مقالته بموقع “ذا إنترسيبت” متسائلا عن الدروس الواجب تعلمها من مقتل المعلق السعودي في صحيفة “واشنطن بوست” والتداعيات الجيوسياسية لمقتله؟ ويجيب أنه يجب عدم السماح للحكومات بقتل الصحافيين دون خوف من حسيب أو رقيب. ويعتقد أن هذه نقطة بدت واضحة لنا جميعا.
ففي حالة خاشقجي اصطف الجميع من الأمين العام للأمم المتحدة إلى الصقور في الحزب الجمهوري للتأكيد على هذه النقطة والتعبير عن غضبهم. وتساءل حسن إن كان هذا الدرس ينطبق فقط على الديكتاتوريين في الشرق الأوسط؟ وربما انطبق أيضا على الولايات المتحدة.
والسبب في تساؤله، أننا جميعا نعرف من هو جمال خاشقجي، لكن القلة تعرف اسم الصحافي العربي طارق أيوب. والفرق بين قتل الإثنين هو أن المتهم بقتل خاشقجي هو ولي عهد غير منتخب في الخليج، أما المسؤول عن قتل أيوب، فهو رئيس أمريكي منتخب. و”نحن نطالب بتحقيق العدالة لخاشقجي، فلماذا لا نطالب بنفس الأمر لأيوب؟”.
ففي صباح 8 نيسان (إبريل) 2003 وبعد أقل من ثلاثة أسابيع على إعلان الرئيس جورج دبليو بوش عن الغزو غير القانوني للعراق، كان الفلسطيني من الأردن، مراسل قناة الجزيرة، طارق أيوب (35 عاما) يقف مع المصور العراقي زهير نديم ينقلان من على سطح مكتب الجزيرة بثاً حياً للمعركة الدائرة من أجل السيطرة على العاصمة بغداد. ولم يمض على وصول أيوب إلى بغداد سوى ثلاثة أيام. وفي الساعة الثامنة إلا ربعاً ظهرت مقاتلة أمريكية من طراز “إي-10 وورثوغ” فوق السطح أثناء قيام أيوب بنقل تفاصيل المعركة. وقال ماهر عبدالله، مراسل القناة في بغداد: “كانت الطائرة تحلق على مستوى منخفض لدرجة ظننا نحن في الداخل أنها ستهبط على السطح”. و”سمعنا إطلاق الصاروخ وكان مباشرا”. وقتل أيوب فيما جرح المصور نديم. وبعد ثوانٍ أطلقت طائرة أخرى صاروخا على البناية حيث دمرت الباب الأمامي.
وفي بيان من الجزيرة شجبت فيه القتل، ووصفته بأنه “عمل مؤسف” واعتبرت أيوب شهيدا. وفي رسالة من لجنة حماية الصحافيين إلى وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، شجبت فيها القتل وطالبت بتحقيق عاجل. إلا أن الولايات المتحدة مثل السعودية في الأسابيع الماضية حاولت التحلل من مسؤولية الهجوم. ووصفته الخارجية بـ”الخطأ الفادح”. وقال جنرال أمريكي للصحافيين في بغداد: “هذا التحالف لا يهاجم الصحافيين” و”لا نعرف كل مكان يعمل فيه الصحافيون على نقل المعارك”. و”اختفى الجدل سريعا وابتعد عن اهتمام الرأي العام.
ولم يجرِ الجيش الأمريكي تحقيقا من أي نوع. وكانت بيانات الولايات المتحدة حول مقتل أيوب مجموعة من الأكاذيب الوقحة والتي ربما افتخرت إدارة ترامب بحكايتها”.
كل هذا رغم ما قام به المدير العام لقناة الجزيرة محمد جاسم العلي، حيث كتب قبل أقل من شهرين وفي 24 شباط (فبراير) 2003، رسالة إلى البنتاغون يحدد فيها مكان وعنوان مكتب الجزيرة في بغداد. وكان سبب الرسالة أن الجيش الأمريكي قصف مكتب الجزيرة في كابول في تشرين الثاني (نوفمبر) 2001، وكان مدراء القناة حريصين على أن لا يتكرر الأمر نفسه في بغداد. ولم يكن أيوب الصحافي الوحيد الذي قتل برصاص الأمريكيين في العراق. فقد أطلقت دبابة أبرامز قذيفة على فندق فلسطين في بغداد والذي كان يعمل منه معظم الصحافيين الدوليين وقتل المصور الأوكراني، تاراس بروستويك ومصور إسباني خوسيه كوزو. وبحسب الجيش الأمريكي فقد كان يرد على النار التي أطلقت من داخل الفندق، وهو زعم يفنده شهود من داخله. وقال وزير الخارجية في حينه كولن باول أن استخدام القوة مبرر ومتناسب.
وبحسب تحقيق للجنة حماية الصحافيين فلم تكن هناك أية أدلة تشير إلى استخدام الجيش العراقي المكان (واعتقد خطأ بوجود قائد وحدة مدفعية عراقي في داخله). والهجوم على الصحافيين وإن لم يكن “مقصودا لكن كان يمكن تجنبه”. وفي تحقيق لاحق لمنظمة “صحافيون بلا حدود” وجد أن الجنود في الميدان لم يتلقوا تعليمات أن الفندق مليء بالصحافيين. ووصف التحقيق الهجوم “نتيجة لإهمال إجرامي” والذي يجب أن يتحمل القادة الأمريكيون الكبار مسؤوليته.
ولم يكن مستغربا استهداف قناة الجزيرة التي عبر بوش أكثر من مرة عن ضيقه منها، وأنها تقوم بنشر بروباغندا الإرهابيين، فيما وصفها رامسفيلد بأنها “الناطق باسم القاعدة”. ونشرت صحيفة “ديلي ميرور” في عام 2005 مذكرة سرية قالت فيها إن بوش عبر عن رغبة بضرب مقر القناة في لقاء تم بينه وبين توني بلير في البيت الأبيض في 16 نيسان (إبريل) 2004. وحاول رئيس الوزراء البريطاني إقناعه بالعدول عن ذلك.
وبحسب “ميرور” البريطانية “فقد كان واضحا من أنه يريد ضرب الجزيرة في قطر والأماكن الأخرى، فرد بلير أن هذا سيؤدي إلى مشكلة كبيرة”. وأكد مصدر للصحيفة: “لم يكن هناك شك أن بوش كان يريد عمل هذا وبلير أراد منعه”.
ويعلق حسن أن ولي العهد السعودي ليس هو الرجل المتهور والحساس الوحيد والذي يمكن أن يلاحق الصحافيين، فقد ضايقت الجزيرة لندن وواشنطن عندما قامت بنقل الصور من خلف خطوط المقاتلين وبثت جثث المتعهدين الأمريكيين والضحايا العراقيين.
وبالمحصلة فقد قصفت الولايات المتحدة مكتب الجزيرة في كابول عام 2001، وعادت وقصفت مكتبها في بغداد عام 2003، وفكرت في قصف المقر الرئيسي في الدوحة عام 2004. وكل هذا أصبح في ثقب الذاكرة، لكن قتل الصحافيين أو محاولة قتلهم غير مبرر حتى عندما تقوم به الولايات المتحدة. فمن السهل على الإعلام الأمريكي شجب ولي العهد السعودي والمطالبة بالعدالة لخاشقجي لكن يصعب عليه شجب بوش والمطالبة بالعدالة لأيوب.
وبعد 15 عاما يتم الاحتفال ببوش خاصة عندما يجلس مع ميشيل أوباما، فيما يظهر باول باستمرار على قنوات التلفزة الأمريكية للتعليق، أما أيوب فهو ميت وابنته فاطمة شابة ولم يقدر لها معرفة والدها. وكتبت أرملة طارق أيوب، ديما مقالا في صحيفة “الغارديان” في تشرين الأول (أكتوبر) 2003: “قل لي ماذا أفعل عندما تبدأ ابنتي البالغة من العمر 20 شهرا تنادي على والدها وتبحث عنه في البيت” و”ماذا أفعل عندما تدق الساعة الخامسة وانتظر أن يفتح طارق الباب بوجهه الباسم ولكنه لا يأتي أبدا؟ وعندما تصبح الطريقة الوحيدة للراحة هي البكاء حتى النوم وعندما أرى حماتي تتقيأ أربع مرات في أقل من نصف ساعة. وعندما تحضر ابنتي لعبها لتلعب معي كما كانت تلعب مع والدها ولا أستطيع حملها”.
القادة المجرمون لكيان الإحتلال الإسرائيلي قتلوا عمدا مع الترصد وسبق الإصرار 44 صحفيا فلسطينيا على الأقل منذ سنة 2000 ويجب ضمهم لقائمة المجرمين الأمريكيين والسعوديين لمحاكمتهم ….