نجتمع أحمد وعبدالله وأنا وصالح وسعيد كعفاريت صغار تحت صابا الدرب، أو في الزوايا المعتمة حين يهطل المطر أو عند أسفل سور الشعبة أو تحت سقيفة مهترئة حين يزهو الحال. نجتمع لأن لدينا دوما ما نفعله ونفلح فيه، متوارين عن الأعين وعن الوعيد التعيس للآباء وصياح الأمهات من الجهة الأخرى لصف البيوت القديمة المتلاصقة، حين يتراءى لهم أن مجرد وجودنا مع بعض يقوي الزعم على أننا بصدد الإعداد لأمور غير لائقة. ظللنا كذلك حتى بعد أن كبرنا بما يكفي لأن تكون (رجولتنا) وازعا لعبث مختلف. صرنا بهوس ونحن في التاسعة تقريبا، مع تفاوت قليل، ننظر إلى بعضنا في تلك المناطق المحرمة ونحن نستعمل قبضاتنا باحثين بقلق عن ذلك التوهج المحدود. ذاتيا ـ أنا سي محمد ـ كنت غير مهيأ لهذا التحول الكريه. كان اللهو الحر عندي والاستمتاع باللعب أفضل من هذه الخلوات المنفرة، التي صرنا فيها مشدودين إلى قضباننا المغضنة. كنت في البيت وأنا أحفظ دروس الغد من غير تركيز أفكر في الآحاد القادمة. كانت بالنسبة لي أيام انعتاق مجيدة، ليس لي وحدي طبعا بل لنا جميعا، حين نهرع مبكرين على غير عادتنا، نشطين بما يكفي كي نمحو وبال تلك الصورة السلبية التي هي في أذهان الآباء عن تشبثنا بالفراش، دون أن نستثني حال أولئك الذين يقومون وقد تركوا خلفهم بقع بولهم الزنخ في الغطاءات الصوفية المخططة. كان الآباء يرددون مستنكرين : ـ ولماذا لا تستيقظون أيام الدراسة مبكرين هكذا ؟؟؟. ننهض في الوقت المناسب وكأن منبها قويا يرن في ثقب آذاننا، تماما كما اتفقنا ليلا ونحن نمضي إلى بيوتنا المتباعدة. لماذا يحصل ذلك وبذلك الزخم الجميل من المسرة؟. ولماذا يتشبث النوم بأهدابنا في الصباحات الأخرى حين يكون على بعض الأمهات أن يركلن الصغار أو يلسعنهم في أكثر الأماكن رقة وحساسية لسعات نارية، تجعلهم يقفزون جافلين بشكل يدعو إلى الرثاء، مستفيقين على مضض من تلك الإغفاءات اللذيذة ؟؟ . كنا لا نحب المدارس. نكرهها بسبب المعلم الجلف ودروس قواعد اللغة والحساب واستظهار سور القرآن الغامضة. وإذا ما استثنينا حصص الأناشيد والرسم والرياضة كل شيء كان كريها هناك. سحنة المدير الغضبى وكبسة النوم الثقيلة في الفصل عند الصمت، وزعيق التلاميذ الحاد تحت عصا المعلم المجتثة من شجرة الاوكاليبتوس في الساحة الغبراء والتي جاء بها كهدية تلميذ منافق .. هذه التفاصيل المرعبة كانت تتحول لدى البعض إلى كوابيس وصراخ في الليل، وتبول وعطونة دائمة بسبب من قلة الثياب وماء الاغتسال. لكن يوم الأحد يظل طريا مشرقا حتى لو أمطرت الدنيا بشكل عنيف، وامتلأت الساحة حيث نلهو بالماء الغامق .. ففي الخلفية دوما هناك ركن جاهز أو زاوية تصلح لأن تكون مجالا خصبا للرعونة والعبث. ظللنا كذلك إلى أن حلت فجأة حماسة التطلع إلى مناطق ذكورتنا بحثا عن علامات فارقة، فما من أحد منا كان بقادر على يقاوم هذا الإغراء. حصل ذلك بشكل فردي فيما يبدو قبل أن يصير علانية في وقفة دائرية تشبه طوق صغار الهنود الحمر في الرسوم المصورة. نقف كأبالسة متقابلين ناظرين إلى نتوءاتنا المتدلية أسفل بطوننا، ومتبادلين كل الخبرات الشائعة ونحن ننحني قليلا إلى الأمام . سعيد كان ينتابه ضحك مجنون فيتلوى عمدا في البقعة التى يقف فيها قبل أن يردعه مزاجنا الجاد. كنا بدءا تدفعنا الرغبة في أن نعرف حجم شيئنا وباحثين عن الفروقات البينة. لم أكن أتصور أن قطعة اللحم الصغيرة هذه، ستحاصر حياتنا بالكلام الملون الهاجع بين الرهبة والرغبة والابتذال. كل سنوات ما بعد التاسعة تلك أو قبلها بقليل، لم تخل من تفاصيل تتعلق بذلك . ـ أنظروا إلى شيئه .. إنه صغير .. قال عبد الله لأحمد باستخفاف. لأول مرة تتمطى دودة الشك في رأسي. فهمت أن على شيئي ألا يكون ضئيلا كي لا أفقد الحظوة وأعيش مأساة الحرمان. صرنا نحكي عن النساء. نسترجع من الذاكرة عريهن في الحمام الذي كنا نذهب إليه صغارا مع أمهاتنا أو أخواتنا ونعدد تفاصيل الأنوثة. كانت البدينات ذوات البشرات البيضاء النقية، متوجات في أذهاننا كمرغوبات مثيرات للشهوة العارمة. صرنا أيضا نفكر في الخلاء البعيد. لم يعد الدرب ولا الساحة مكانا مناسبا لتحلقنا. فعلنا ذلك في الظهيرات حين كانت تغفو الحركة ويركن الكل إلى ساعة هدوء. في الخلاء الذي كان ينمو فيه (بوشريط) و(يرني) وأعشاب أخرى برية، عند قدم أجمة مقبرة سيدي بوزكري القديمة كنا نتجمع أحرارا هناك. كانت السيارات تمر بعيدة ونادرا ما يعبر أحد مشيا باتجاه جنان الفسيان. في البدء أغرانا الحلزون الكثير الذي يلتصق بالأعواد الجافة وبالورق الذابل فصرنا نلتقطه. حين جمعنا منه أكواما قاصدين حمله إلى البيوت انتبهنا إلى أننا لن نستطيع فعل ذلك. فما من حيلة تبريرية قادرة على تجنبنا ورطة السقوط في المساءلة. كانت تلك مناطق محرم علينا السير إليها لأننا في عرف الآباء والأمهات تحديدا لازلنا أولئك الصغار الذين يخاف عليهم، ويظلون بحاجة إلى حماية وأمان’!!.. كسرنا كل الحلزون الجاف بالعصي حتى عامت اللزوجة على القواقع في حفل جذبة شرسة، ثم عدنا إلى أنفسنا وإلى مسرات ذكورتنا تلك التي قطعنا من أجلها كل هذه الأمتار’!!.. في حفل الانتصاب ذاك الذي شرعنا فيه مجتمعين تحت لغطنا الحاد وتعليقاتنا الهجومية، كنا قد حسمنا تماما مع كل الشك في أحجام رجولتنا. هناك انتهى البعض إلى الغصة وصار البعض جديرا بالمباهاة، وكان على كاملي الرجولة أن يفتوا بشأن الآخرين الناقصين. الوصفة الجاهزة كانت تتحدد في صيد الفراش الأغبر السارح في الخلاء. قال عبدالله إنه يصلح أن يدعك جيدا فوق القضيب ليجعله ينمو بشكل سريع. أن تكتشف في لحظة لهو جاد عيبك الأبدي المقلل من قيمتك ينفتح ألف باب لسؤال المعالجة’!!. كان شيئا مرعبا أن نفهم أن المرأة لا تستسيغ ذلك النقصان. هذه المعرفة الجليلة كانت تصلنا تباعا من صالح وعبد الله على وجه الخصوص. صالح فيما بعد أدركنا أنه كان ينام مرات على إيقاع الهياج. كان خفيف النوم، لذلك كان يتفرج على ممارسات أمه وأبيه في الغرفة الضيقة التي ينامون فيها جميعا هو وإخوته بالإضافة إلى جدته الكسيحة. كنا نضحك منه ولا نعرف إن كان محظوظا أم نحن اللامحظوظون، لأنه لم تتح لنا أبدا فرجة كهذه نضبط فيها كيف يلهث الأزواج في مضاجعهم وكأنهم راكضون في طريق طويل’!!. لم تكن العادة السرية سرية بما يكفي لأننا بعد أن اكتشفناها مارسناها علانية في الخلاء الفسيح. كنا نجدف بحثا عن اللذة في لحظة كاملة. نستمع إلى غطيط بعضنا ونحن نتضاحك وإلى فحيح الأصوات الغريبة، ربما كما يحصل مع الكبار تماما مع فارق في القوة والجهد. تعلمنا في الهواء الطلق أيضا أن نشاكس بعضنا ونتطاول على من نشتم فيه رائحة ضعف. صرنا نضرب على المؤخرات أو نداعب الخدود ونهرب. شيء من الاستفزاز غير البريء الذي يثير شهوتنا وإن غلفناه بأحابيل اللعب، وأحيانا ينفرد اثنان منا في المسالك الخلفية قبل أن يعودا مورٌدَين. أحمد وسعيد كانا أكثرنا انشغالا بذلك. يلهوان قليلا معنا ثم ينسلان دون أن ننتبه. ـ إننا قادمان!!. يصيحان بافتعال بعد أن يظهرا عائدين . ـ ألا تلاحظ ؟؟ .. إنهما يمارسان . قال لي عبد الله واشيا فلم أصدقه. ـ إنهما يلهوان. قلت له . لم أكن أعرف كيف أفكر جنسيا في ولد . أمي كان يرن صوتها خفية وهي توصيني ألا أترك رجلا يقترب مني أكثر من اللازم ولا ولدا كذلك. لم أكن أفهم، لكن حين أشارت علي بالحذر من الملامسة في الخلف أو الاحتكاك، أدركت أن في الأمر التباسا وأن شيئا ما كريها قد يحصل ما دام أبي الذي هو أبي لا يداعبني ولا تحصل منه هذه الملامسات كوالد بار وحنون. لذا كنت متنبها بشكل مهتاج بل ومبلبلا أزعق في كل من يتقدم خطوة مني وتصير أنفاسه قريبة من وجهي، وأحيانا أضطر إلى أن أبكي. تسببت بذلك للأطفال بالضيق من احتياطي وترددي، لذا كنت أفكر في ابنة الجيران مثلا، وفي دفء كفها وهي جنبي أعلمها أصول الحساب بعد أن تترجاني أمها، أو أستحضر شكل سيقان الجارات العارية على السطح وهن ينشرن الغسيل أو حجم مؤخراتهن وهن منحنيات يفركن في الجفنة الأثواب الوسخة بالماء وبالصابون، أو أتطلع إلى واحدة منهن وهي تخطو رطبة بماء الاغتسال في قميص نوم خفيف في الأيام القائظة وأرى شعرها المبلول المرسل على ظهرها في صورة مثيرة. هذه هي زلاتي .. أما ما عداها فكان بركة مهداة من الآخرين كأخبار موحية تحذونا إلى أن نبحث عن سبل أخرى لإشباع شهواتنا التي تضنينا . سعيد جاء مرة بمعلومة : ـ أتدرون من هي المرأة الأكثر شهوانية ؟؟؟ شد انتباهنا دفعة واحدة. صار إتمام اللعب أمرا تافها أمام ما سيدلي به. تمعنا فيه : ـ إنها تلك التي يغطي زنديها وساقيها زغب كثير. ـ أنا حين أتزوج سأختار امرأتي مزغبة كالتي تحكي عنها . قال أحمد. فكرت أنني كنت لا أحب الشعر الأسود على ساقي خالتي. كنت أنظر إليه بشيء من النفور لأنه كان يلتف على سمرتها الغامقة ويعطيها مظهر عنزة. هل كان يحبها زوجها بسبب تلك الميزة فتبدو لنا دوما شديدة الغنج والدلال ؟؟.. تدريجيا تركزت رغباتنا وتقوت. صرنا لا ننام بتاتا دون أن نستحضر كافة الصور المثيرة التي تراكمت في أذهاننا بفعل الحكي أو المشاهدة. نستحضرها كعامل مهيج ونحن نمارس عادتنا السرية. نفصل مقاسات لشهواتنا ونحن نتخيل أنفسنا في أوضاع مغرية مع أجساد نساء شبقات، النساء القريبات لنا والبنات أيضا دون خوف من رادع، كما أدمن بعضنا الوقوف في (حلقات) الفرجة في باب الشعبة. هناك كان يتم الالتصاق العفوي من الخلف والاحتكاك بالأجساد الحارة. شيء من الشهوة العارمة واللذاذة التي تختطف الروح، فتحصل الرجفة وتتلطخ الملابس بزخات ماء الذكورة. صار مشوارا مبهجا أدمنه صالح إلى أن ضبطته امرأة مرة فانهالت عليه بالضرب هي ومن حولها، فعاد إلينا مسخسخا، لكنه لم يستطع أن يقلع عن عادته تلك. كان يختفي في الزحام متصيدا وقفة منتصبة خلف مؤخرة غافلة. حدة هياجنا زادت ونحن نقرأ بالصدفة ذلك الكلام الجنسي في (الروض العاطر). كنا في قسم الثانية إعدادي حين فرض المعلم على الكل شراء نسخ من القصص للمطالعة. واضح أننا كنا لا نعرف شيئا عن ذلك الكتاب البالي حين اشتراه سعيد وهو مسرور. ـ (الروض العاطر) يا حمار ؟؟.. انقلب سعيد على جنبه من الغيظ محاولا اتقاء الصفعات. لم يجد مبررا لمزاج المعلم الذي تعكر فجأة ولا لسخطه الحاد. ـ أعده إلى صاحبه واشتر قصصا مفيدة كأصحابك أيها البغل’!! .. في الطريق إلى بائع الكتب المستعملة عند قدم جدار باب الشعبة العتيق وقعت عين سعيد فجأة على كلمات من قبيل الذكر والفرج والولوج وهو يتصفح عرضا طيات الكتاب. ضحك عاليا ثم صاح: ـ تعالوا .. انظروا’!! . عقدنا حلقات كثيرة ونحن ننحشر حول تلك الكلمات الطاعنة في السوقية كما كانت تقول أمي. في البداية كنا نصرخ مهللين بإلحاح. كان ذلك شيئا طريفا وفاتحا قويا للشهوة . كل عوامل الإثارة كنا مشغولين بها. قبلات الممثلين الوقحة للممثلات في الأفلام والتحسس الناعم لأجسادهن الناعمة، وتحرشنا الداعر للخليلات العابرات خفية إلى (الدويريات) المعتمة عند العزاب، أوالفارات أمامنا في نكوص على وقع صفيرنا الحاد وتعليقاتنا الماجنة. كنا نفكر في كل الطرق الممكنة لاستمتاعنا وأبدا لم نفكر كيف يمكن لامرأة أن تكون مستمتعة أو نعسانة من الحب والشهوة مثلنا’!!. ظللنا كذلك إلى أن انختم الأمر على النحو التالي : كان سعيد لايزال مسكونا بالسهر لتصيد لحظات الهياج الكتيم لأمه وأبيه. أحد منا أغراه في لحظة طيش وهو يحكي أن يشتري صفارة. عند الذروة القصوى أوصيناه أن يطلق زعيق صفارته الحاد. فعلها سعيد المجنون فنسينا مؤقتا كل شيء، وصرنا فقط منشغلين بتدبير خبزه ومرقه من طناجر الأمهات الغافلات، لأن أباه المصعوق جعله يعول من الضرب ثم طرده ليلا شر طردة، وأقسم حاسما ألا يعود إلى البيت بعد كل ذلك الوبال الماحق. [email protected]