ذهب ترامب وأتى بايدن: هل بدّلا تبديلاً عظيماً؟

حجم الخط
19

الآن وقد طُويت صفحة رئاسة دونالد ترامب (وليس ترامب الشخص، أو الترامبية كخطّ وعقيدة، أغلب الظنّ)؛ فإنّ من الجدوى أن يستعيد المرء بعض خصال الرئيس الأمريكي الجديد، وتلك التي قد تذكّر بسلفه، أو حتى بالأسوأ بينها. ولعلّ بعض الخير، بادئ ذي بدء، أن ينأى المرء عن الأسطوانة المعتادة التي تُدار عادة في بعض الأوساط العربية، والتي تحصي عدد الصهاينة، فما بالك باليهود، في فريق بايدن أو المقربين منه. ليس، بالطبع، من باب خفض الأهمية وراء هذا الاعتبار، ولكن لأنه على وجه الدقة حكاية مكرورة مستهلكة؛ يندر أن تتغير، جوهرياً، لدى مجيء أية إدارة أمريكية.

يعنيني، في مقام أوّل، أنّ بايدن كان ضمن أعضاء الكونغرس الديمقراطيين الذين أيدوا غزو العراق سنة 2003، ولا يبدّل من تبعات موقفه أنه أبدى الندم عليه، بل لعلّ الأكثر خزياً أنّ أسفه ذكّر بمقدار أقصى من النفاق الذي طبع لاحقأً مواقف معظم مؤيدي بوش. ومن موقعه كرئيس للجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، أدار بايدن سلسلة مداولات انتشلت إدارة بوش الابن، وجموع المحافظين الجدد، من حرج قراءة مستقبل العراق ما بعد الغزو. ليس أقلّ سوءاً، ربما، أنه كان في عداد مؤيدي تقسيم العراق إلى دولة كردية في الشمال، وسنّية في الغرب، وشيعية في الوسط والشرق.

في المقام الثاني، هذا رجل وول ستريت والشركات الكبرى ورأس المال الأكثر شراسة ضدّ المجتمع، وسجلّه في هذا حافل ومذهل؛ ويدحض، أوّلاً، نظرية الجناح الليبرالي في الحزب الديمقراطي، والتي تقول إنه “أهون الشرور” ضمن لائحة المرشحين. المفضّل عندي، هنا أيضاً، تعاونه مع عتاة الجمهوريين لإقرار قانون إساءة استخدام مبدأ الإفلاس، الذي كفل للشركات الكبرى منافذ تهرّب عديدة ومنعها عن ملايين المواطنين المشتغلين بالأعمال الصغيرة. كذلك صوّت بايدن ضدّ قانون يزيد من حقوق حملة بطاقات الائتمان في مقاضاة الشركات عند زيادة الرسوم، كما عارض (هو الذي سوف يصبح نائب الرئيس في ولايتَي بارك أوباما صاحب قانون التأمين الصحي الشهير) أيّ تخفيض في رسوم التأمين لطلاب الجامعات.

في المقام الثالث، ولأنّ ترامب اشتُهر بالكذب وتزييف الحقائق، فإنّ الأشهر بين حكايات بايدن الكاذبة زعمه أنه تشرف بالتعرّض للاعتقال في شوارع مدينة سويتو، في جنوب أفريقيا، خلال السبعينيات، بينما كان يحاول زيارة نلسون مانديلا في سجنه. وأمّا حقيقة الواقعة فهو أنه عُزل عن مجموعة السود المرافقين له في مطار سويتو، على مبعد 1223 كم من جزيرة روبن حيث سجن مانديلا؛ وبالتالي فإنه لم يُعتقل البتة، ممّا أجبره على تبيان الحقيقة، وخاصة بعد اضطرار أندرو يونغ، السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة يومذاك والذي رافقه بايدن، إلى تكذيب الحكاية. أيضاً، خلال حملته للحصول على ترشيح الحزب الديمقراطي سنة 1988، استعار بايدن الكثير من الزعيم البريطاني العمالي نيل كينوك، ولكنه لم يعترف بالاستعارة/ السرقة إلا بعد أسابيع؛ زاعماً، مع ذلك، أنه شاهد شريط فيديو لـ”زعيم في بلد آخر”، بينما اضطرّ أحد المستشارين إلى الإقرار لاحقاً بأنه هو الذي مرّر الشريط إليه، وإلى عدد من المرشحين.

مياه كثيرة جرت تحت جسور أمريكا والعالم بعدئذ، غنيّ عن القول، والماضي يمضي تارة دون عواقب، أو تارة أخرى يُثقل على الحاضر وبعض المستقبل؛ والأرجح، استطراداً، أنّ الكثير من سمات بايدن التي التصقت أكثر بشخصيته لن تضمحلّ سريعاً، أو بسهولة في أقلّ تقدير. ومن الخير لنا، نحن أبناء العوالم الثالثة والفقيرة والنامية، أن نترك لأمريكا ما لأمريكا، وأن نترقب جيداً حصّتنا وما ينتظرنا من نسخة بايدن، تلك التي تستأنف بعض نسخة سلفه تحديداً؛ إذْ يصحّ الافتراض بأنهما، في ذلك الـ”بعض”، لن يبدّلا تبديلاً عظيماً.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ثائر المقدسي:

    (ومن الخير لنا، نحن أبناء العوالم الثالثة والفقيرة والنامية، أن نترك لأمريكا ما لأمريكا، وأن نترقب جيداً حصّتنا وما ينتظرنا من نسخة بايدن، تلك التي تستأنف بعض نسخة سلفه تحديداً؛ إذْ يصحّ الافتراض بأنهما، في ذلك الـ”بعض”، لن يبدّلا تبديلاً عظيماً.)…
    لن يبدّلا تبديلاً عظيماً… هذا هو بيت القصيد… وعلى الأخص فيما يتعلق بالسياسة الأمريكية الخارجية تجاه الشرق الأوسط… فقد أعلن بايدن عن شطب أكثر من سبعة عشر قرارا ترامبيا حتى الآن (حتى أنه قام بتوقيع أغلبيتها بغية العمل “الدؤوب” بها)… ولكن هذا الـ بايدن لم يتطرق، لا من قريب ولا من بعيد، إلى أي من قراري القدس والجولان الترامبيين على أقل تقدير – ناهيك عن حتى التفكير بفكرة الشطب أو بفكرة العمل “الدؤوب” بهذا الشطب… !!!

  2. يقول سوري:

    لا يوجد من هو أسوأ من الشعبوي دونالد ترامب دادا. ولكن كل الرؤساء الامريكيين لا يختلفون في الجوهر من قضايانا الجوهرية. وبايدن لا يشذ عن القاعدة
    شكرا عزيزي صبحي

  3. يقول د0عطوة0 عمان:

    تغيير بكل السياسات عدى ما يتعلق بالكيان ما يدل ان السياسة الامريكية محكومة من فوق الاثنين

  4. يقول بلحرمة محمدالمغرب:

    نعم يا سيدي هزم العنصري دونالد ترامب وفاز سلفه جو بايدن فهل البيت – الابيض – تنفس الصعداء من ثقل ترامب؟ هل ستتغير السياسات الامريكية تجاه العالم وخاصة علمنا الاسلامي وضمنه العربي؟ ما الدي يجعلنا نتطلع كل اربع سنوات الى القادم الى هدا البيت السحري المسمى زورا وكدبا بالابيض؟ هل خوفنا وارتعادنا وخنوعنا وهواننا هي التي تجعلنا نفعل دلك؟ متى كان الرؤساء الامريكيون المتعاقبون يميلون للعرب والمسلمين ويدافعون عن العدل والانصاف؟ اليسوا كلهم يجاهرون بعدائيتهم المطلقة لنا ولقضايانا ومقدساتنا؟ الا يعاملوننا كحشرات ويصفوننا بالبرابرة والمتوحشين والمتخلفين وغيرها من الاوصاف القدرة؟ اسئلة كثيرة توضح لمن اراد ان يتجاهل ان الادارات الامريكية من كلا الحزبين هي عدائية لنا وداعمة بالمطلق للعصابات الصهيونية فلا خير فيمن سبق ومن هو قابع الان في واشنطن ومن سياتي لاحقا.

  5. يقول Khaled el Shami:

    الدولة العميقة تحكم أمريكا ممثلة بل البنوك وشركات التأمين وأكبر 500 شركة في وول ستريت

  6. يقول أسامة كلّيَّة سوريا/ألمانيا:

    شكرًا أخي صبحي حديدي. في الحقيقة لايمكن غض الطرف عن الفارق الكبير بين ترامب وبايدن فيما يخص العنصرية والشعبوية والكراهية …. لكن يبدو أن العالم الحر ليس حرًا لنا بل لهم ونحن لاندخل في حسابات هذا العالم الحر أصلًا، إلا اللهم لتنفيذ ماهو مطلوب منا. وربما هنا بيت القصيد، كما يقول المثل إذا لم تكن ذئبًا أكلت الذئاب. طبعًا هذا لايبرر أن بايدن مجرد صورة ناصعة والمضمون هو ذاته المعروف في السياسة الأمريكية وهنا يمكننا أن نبدأ الخطوة الأولى.

    1. يقول ابن زياد - فرنسا:

      المعلق أسامة كعادته يردد كلام غيره و”ينصح” به من قاله بالأصل
      قيل لك مرارا القول الذهبي : رحم الله امرأ عرف حده ووقف عنده !!؟

    2. يقول أسامة كلّيَّة سوريا/ألمانيا:

      حيرتني ياأخي ابن زياد ماذا تقصد. حبذا لو توضح رأيك ياأخي ببعض التفاصيل فالكلام بهذه الطريقة سهل ولايبدو أنه يعبر عن معنى!

  7. يقول استاذ من المغرب:

    لو كانت هناك جائزة لأفضل كاتب مقال عربي لأخذه صبحي حديدي دون مناازع … مقالات صبحي حديدي مختصرة جدا دقيقة جدا غنية جدااا و لغة نادرة جدا ..دائما لما أقرأ مقالاته أشعر بأنها قصيرة جدا من فرط سلاستها و روعتها.. حياك الله أستاذنا

    1. يقول هيثم:

      أو افقك الرأي. أنا شخصيا أستفيد كثيرا من الاطلاع على مقالات الأستاذ صبحي حديدي: ثقافة غزيرة و تحليلات موضوعية و آراء سديدة. له مني كامل الشكر و التقدير.

  8. يقول سفارين:

    لم يترك ترمب متسعا لأحد من بعده كي يبدل، إلا إذا شاهدنا في المستقبل ” أغوار بايدن” مقابل “مرتفعات ترمب”.

  9. يقول ابن بغداد:

    اليوم تيقنت اغلب دول العالم ان من المهم فهم داخل الولايات المتحدة لكي تعرف كيفية التعامل صمعها. طبعا اسرائيل تعرف هذه الحقيقة منذ تأسيسها ولهذا استطاعت فرض ارادتها في توجيه السياسة الامريكية لمصلحتها دائما. نفس الحال ينطبق على اغلب دول العالم وبضمنهم ايران التي تتعامل بپراغماتية في سياستها مع امريكا.
    اما العرب الذين يعانون من حالة ضياع لا مثيل لها فاغلب قياداتهم انحازت لتواكب الذي يحتقرهم ولا يهمه الا حلب اموالهم. اما الشعوب و”النخب” العربية من مثقفين واعلاميين، فكثير منهم اعتقد ان كل القوى الامريكية هي معادية له فادار ظهره لها جميعا، وهذا خطأ.
    ترامب اول رئيس امريكي يعترف بالقدس عاصمة لاسرائيل… واعترف بضم اسرائيل للجولان… ودعم ويدعم بناء المستوطنات وضم غور الاردن لاسرائيل… واعتبر ان مقياس العلاقة بين اي دولة شرق اوسطية وامريكا هو مدى حب الاولى لاسرائيل. اما بايدن فلا زال يدافع عن حل الدولتين،
    نعم، فسوف لن يطالب بايدن بتحرير كل فلسطين من النهر الى البحر فهذا ليس واجبه!!! وسوف لن يأتي بنفسه لحل مشاكلنا اليومية… الا انه بلا شك الافضل (وبكثير) من بديله الارعن، ولو عرف العرب الاستفادة من هذا التغيير فسيكونوا قد خطو خطوة بالاتجاه الصحيح.

    1. يقول أسامة كلّيَّة سوريا/ألمانيا:

      أخي ابن بغداد يبدو أنك تتحدث عو الإتفاق النووي مع إيران وليس عن الوضع الذي يعيش فيه العرب عمومًا. لاأحد يطالب بايدن ولا نطتلب حتى إيران بذلك كل مانريده هو أن تكون السياسة الأمريكية ذات معيار واحد وليس معيار خاص لإسرائيل ومعيار آخر لبقية العالم! بالنسبة لإيران طبعًا نريدأن تكف عن الجرائم التي تقوم بها في سوريا والعراق واليمن ولبنان من خلال اذرعها الطائفية.

    2. يقول ابن بغداد:

      اخي، كلامي لا علاقة له بايران انما اوردت اسمها فقط لاقول حتى ايران تعرف ان تتعامل مع امريكا، اما نحن العرب فلا نعرف ان نتعامل معها، والنتيجة اننا دائما ننتظر رئيسا امريكيا ليحل مشاكلنا وهذا ما لن يحصل.

    3. يقول ردا على تعليق صاحب الصورة:

      ردا على تعليق صاحب الصورة
      ابن بغداد لا يتكلم عن الاتفاق النووي مع ايران ولكن عن الوضع الراهن للعرب تماما بعكس ما تفهم
      كما قيل لك من احدهم القول الذهبي رحم الله امرأ عرف حده ووقف عنده

  10. يقول عادل ساتى:

    منذ حوالى 60 عاما و نحن نردد نفس الشيء و نبنى امال على القادم و نجده ليس افضل مما سبقه و لا نريد ان نتعلم و ما زلنا ننتظر ان يكون القادم الطف مع المنطقة

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية