تابع العراقيون بإحباط، مراحل مفاوضات الكاظمي مع القوى السياسية، وطريقة المصادقة على حكومته في البرلمان عبر المساومات والابتزاز الذي تعرض له من قبلها.
بغداد-“القدس العربي”: مع تصويت البرلمان العراقي، لحكومة جديدة برئاسة مصطفى الكاظمي، وإزاحة حكومة عادل عبد المهدي، بدأت مرحلة المواجهة الصعبة لتحديات وأزمات هائلة تنتظر الحكومة الجديدة.
فقد صوت البرلمان العراقي الخميس الماضي، على حكومة جديدة برئاسة مدير جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي، بعد الموافقة على تمرير 15 وزيرا، في حين تم رفض 5 وزراء من أصل 22 وزيرا، مع بقاء وزارتي النفط والخارجية شاغرة، بسبب عدم اتفاق الكتل السياسية على المرشحين، حيث رفض البرلمان مرشحي وزارات التجارة والعدل والثقافة والزراعة والهجرة، كما تم تأجيل التصويت على وزيري الخارجية والنفط.
ولأن أحزاب السلطة تأبى أن تتخلى عن محاصصة الفساد في تقاسم الوزارات والمنافع، فإن مصطفى الكاظمي حرص على إرضاء الكتل السياسية، حيث كان للقوى الشيعية حصة الأسد من الوزارات كالمعتاد، فيما حصلت الكتل السنية على ست وزارات هي، الدفاع والتجارة والرياضة والصناعة والتخطيط والتربية، أما الكرد فقد حصلوا على ثلاث وزارات، هي الخارجية والإعمار والإسكان والعدل، بعد استبعاد وزير المالية السابق الكردي فؤاد حسين، المتهم بالانحياز إلى الإقليم ومنحه أكثر من استحقاقه في الميزانية.
وتابع العراقيون بإحباط، مراحل مفاوضات الكاظمي مع القوى السياسية، وطريقة المصادقة على حكومته في البرلمان عبر المساومات والابتزاز الذي تعرض له من قبلها، والتي ستبقى وصمة عار في جبين أحزاب السلطة، التي تركت مشاكل وأزمات البلد، واهتمت بالصراع على عدد الوزارات التي تنالها لدعم مكاتبها الاقتصادية ومواصلة نهب ثروات العراق.
ورغم تأكيد رئيس الحكومة العراقية الجديد، مصطفى الكاظمي على أنه سينفذ المنهاج الوزاري المحدد، وسيعمل على كسب ثقة ودعم الشعب، ودعوته القوى السياسية، للتكاتف لمواجهة التحديات الصعبة، فلا شك أن قائمة طويلة من المهام والتحديات تنتظر حكومته، أبرزها معالجة أزمة اقتصادية خانقة نتيجة انخفاض مريع لأسعار النفط تتطلب إعادة ترتيب أولويات الاقتصاد وإعداد ميزانية 2020 التي لم تقدم للبرلمان حتى الآن.
وإذا كان التحضير لانتخابات مبكرة، هو أول واجبات الحكومة الجديدة، وهي السابعة منذ 2003 فإن هناك أزمات لا تقبل التأجيل أو المماطلة لعل أبرزها الاستجابة إلى مطالب الشارع الغاضب الذي أطاح برئيس الحكومة السابق عادل عبد المهدي وقدم مئات الشهداء وآلاف الجرحى، والذي يطالب بإصلاح العملية السياسية لانقاذ البلد ومحاسبة قتلة المتظاهرين. وهناك الأزمة المالية المزمنة بين حكومتي بغداد وإقليم كردستان والتحديات الأمنية سواء بتصاعد الأعمال الإرهابية لتنظيم “داعش” أو تنامي مخاطر الفصائل المسلحة المتعددة الولاءات، والتعامل مع “الدولة العميقة” القادرة على التحكم بمصير الحكومات في العراق، عدا الموازنة شبه المستحيلة في الموقف من الصراع الإيراني والأمريكي في العراق.
وقد سبقت جلسة التصويت حملة لقوى شيعية هاجمت رسالة وجهها السفير الأمريكي لساسة العراق، للتعجيل بتمرير حكومة الكاظمي لمواجهة أزمات العراق، معتبرة ذلك تدخلا في شؤون البلاد! ولكنها في الوقت نفسه رحبت بوفد إيراني وصل إلى العاصمة، قبل ساعات من جلسة مجلس النواب للتصويت على كابينة الكاظمي، رغم أن هدف الزيارة واضح وهو إيصال رسالة مفادها أن دور إيران في تشكيل أي حكومة في العراق لا يمكن تجاهله.
ومع الترحيب الدولي (ممثلة الأمم المتحدة في العراق والولايات المتحدة وبريطانيا وإيران) بالحكومة الجديدة، وحثها على استكمال تشكيلة وزرائها، لانجاز المهام التي تنتظرها، إلا أن قوى عراقية فاعلة تحفظت أو رفضت الحكومة الجديدة.
وقبل التصويت على حكومة الكاظمي، أكد ائتلاف الوطنية بقيادة أياد علاوي “أننا لن نمنح الثقة لهذه الحكومة بل وسنقاطع الجلسة النيابية المقررة وسنكون معارضين سلميين مع كل الوطنيين العراقيين في حال تمريرها” مبررا ذلك لأن ” الكاظمي لم يراع المطالب الوطنية التي خرجت بها ساحات التظاهر، كما غاب عن حكومته تمثيل للمتظاهرين والنقابات والاتحادات المهنية”.
وفي السياق ذاته، هددت تنسيقيات التظاهرات أنها وبرغم محاذير كورونا، ستواصل التظاهر لحين تحقيق مطالب المتظاهرين، فيما حذر بيان قبل تشكيل الحكومة، باسم “شباب انتفاضة تشرين” من “إن إنتاج حكومة بمواصفات وشروط غير التي أعلن عنها المتظاهرون يعني النزول للشارع مجددا، والذي سيكون أشد غضبا مما سبق” مؤكدا أن المتظاهرين سيواصلون “معركة الخلاص من زمر الإرهاب والفساد والطائفية”. ومشددا على ضرورة محاسبة من تسبب بتراكم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.
ولعل من المفيد التذكير بأن حكومة عادل عبد المهدي التي استمرت نحو سنة ونصف، اقتصرت إنجازاتها على تعميق الأزمات والاستسلام الأعمى لإرادة أحزاب السلطة والميليشيات والقيادات الكردية والإرادة الإيرانية. وتم في عهدها القصير تسليم ثروات البلد ومقدراته لمافيات الفساد والفصائل المسلحة، وأن سوء إدارتها للبلد فجرت غضب الشعب وأخرجته إلى الشوارع في تظاهرات عارمة فتصدت لها بالنار وقتلت 700 وجرحت نحو 25 ألف مدني لا ذنب لهم سوى المطالبة بالحقوق المشروعة وإنقاذ البلد.
أما مصطفى الكاظمي، فلا يمكن التغافل عن حقيقة انه لا ينتمي إلى كتلة سياسية قوية في البرلمان، ما يعني قدرة القوى السياسية على تهديده بخلق الأزمات أو حجب الثقة عن حكومته متى تعارضت سياسته مع مصالحها، وسط نفوذ متصاعد للفصائل المسلحة ذات الولاءات المتعددة، إضافة إلى تداعيات الصراع الإيراني الأمريكي على العراق، وبالتالي فالمتوقع أن حكومته ستكون كزورق صغير يبحر وسط العواصف الهوجاء، وأن مصيرها لن يكون أفضل من سابقاتها في العجز عن خدمة الشعب والبلد.