لندن- “القدس العربي”:
نشر المحاضر في جامعة جورج تاون، ديفيد سوبر، مقالا بموقع “ذي هيل” قال فيه إن ثلاثين مليون مصري هتفوا للديمقراطية، ويجب عدم التخلي عنهم الآن.
وذكّر الكاتب قائلا إن الكونغرس الأمريكي احتفل بداية هذا الشهر بالذكرى التي توجت بإعلان الاستقلال، وهو انتصار عظيم للديمقراطية. كما مرّت في هذا الشهر، الذكرى العاشرة لواحد من الإنجازات الهائلة لمسيرة الديمقراطية: عندما خرج 30 مليونا إلى شوارع مصر مطالبين بنهاية الطغيان والفساد. ولكن وعلى خلاف القادة أصحاب الرؤية في فيلادلفيا، فقد تم محو 30 مليون مصري ديمقراطي شجاع من الذاكرة الجمعية ونُسيت رسالتهم.
ويقول إن التعليقات بشأن الذكرى العاشرة للثورة المصرية هيمنت عليها روايتان، كلاهما ليست دقيقة. فالمتعاطفون مع الإخوان المسلمين والإسلام السياسي، بمن فيهم المرتبطون بملكيات الخليج التي تزعم الشرعية من خلال الدين، يشجبون إطاحة الجيش المصري بأول رئيس منتخب في تاريخ مصر. ومن الجانب الآخر، يرسم المتعاطفون مع الجنرال عبد الفتاح السيسي صورة معادية للديمقراطية، وديكتاتورية للإخوان عندما كانوا في الحكم، ويصورون السيسي بالمخلّص الوطني.
ويرى الكاتب أنه إن لم نتخل عن هاتين السرديتين، فلن نكون قادرين على الاستماع لرسالة المصريين الجميلة والحكيمة التي حاولوا إيصالها. وهي رسالة مهمة لأنها قد تحول العالم إلى مكان أكثر حرية وأمنا وازدهارا.
وتبدأ السرديتان المتعلقتان بأحداث تموز/ يوليو 2013 مثل كل السرديات المثيرة للجدل في العالم العربي، بفرضية وجود قوتين سياسيتين: العلمانية الديكتاتورية، والإسلام السياسي. ويؤكد من يعتذرون عن الديكتاتوريين أن القوة هي من تنقذنا من ويلات التطرف الإسلامي. ويتظاهر الطرفان أن أحدا في المنطقة العربية لا يحب المُثل الديمقراطية العلمانية والتي نعتز بها، ذلك أن هذه المثل تعبر عن تهديد للاستبداد والإسلام السياسي.
مع أن الثورة المصرية ضد المستبد حسني مبارك الذي حكم مصر قرابة ثلاثين عاما، جمعت أطرافا متعددة من المجتمع المصري: الطلاب، الديمقراطيون العلمانيون وأنصار جمال عبد الناصر وأنور السادات وجماعات إسلامية متنوعة. وعندما أجبرت هذه القوى مبارك على التنحي، دخل الجيش ووعد بمراقبة عملية الانتقال للديمقراطية. وقامت الحكومة العسكرية، مثل مبارك قبلها، بالبحث عن دعم الدول الغربية وتحذيرها من مخاطر الإسلام السياسي.
وفي الداخل، تحالف الجيش مع نفس القوى الإسلامية، لقمع القوى الحقيقية وهي القوى الديمقراطية الليبرالية، وفق رأي الكاتب.
وعندما عُقدت الانتخابات، استُبعدت هذه القوى الحقيقية، وسمحت الحكومة العسكرية للشعب بالاختيار بين الجنرالات وأنصارهم من جهة، والإسلام السياسي من جهة أخرى. واختار الناخبون محمد مرسي، مرشح الإخوان المسلمين نظرا لضيق الخيارات.
وبدلا من العمل مع القوى الديمقراطية الليبرالية، حاول الإخوان، وبنوع من السذاجة، تمكين حكمهم. وقاموا بالتلاعب في قوائم الناخبين وتحريف الانتخابات للغرفة العليا في البرلمان، واعتدوا على المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية، في تجاوز للتفويض المحدود الذي حصلوا عليه في انتخابات لم تكن نزيهة ولا حرة، بحسب ما يقول الكاتب.
وبعد عام، خرج المصريون بالملايين يطالبون بتنحي مرسي والإخوان المسلمين، والموافقة على انتخابات حرة، وهذه هي أكبر تظاهرة في تاريخ الإنسانية كما يقول ديفيد سوبر.
ويتابع بالقول إن التظاهرات كانت سلمية وعلمانية وداعمة للديمقراطية. مشيرا إلى تظاهرة سلمية شارك فيها أكثر من 30 مليون في مجتمع مصري متدين، وضد الإسلام السياسي، وكان يجب أن تجعل هذه الحركة غير مهمة ولا يمكن الدفاع عنها.
ولو استطاع المصريون إنشاء ديمقراطية علمانية، فإن هذا يمثل تهديدا للديكتاتوريين والإسلام السياسي بالمنطقة. إلا أن السيسي، أحبط ما كان سيصبح المثال الأكثر إشعاعا عن الديمقراطية العلمانية، وقام باستغلال الغضب الشعبي وقاد الجيش في انقلاب ضد مرسي.
ولم تقم الولايات المتحدة بتبرئة نفسها جيدا، فبدلا من دعم وتكبير مطالب المصريين بالديمقراطية الحقيقية، والتحرر من الديكتاتورية والدين، وعدنا مرسي بأننا سندعم تفويضه، ثم خضعنا سريعا لاستحواذ السيسي على السلطة، ولم نفعل الكثير للضغط على السيسي لعقد انتخابات حرة، ومن النادر ما لاحظنا المذابح بحق الآلاف من المتظاهرين السلميين، رجالا ونساء وأطفالا، ممّن طالبوا بالديمقراطية، أو عمليات الاعتقال الجماعي والتعذيب للمعارضين العلمانيين الديمقراطيين.
واليوم، تضيّع مصر كل إمكانياتها الديمقراطية والاقتصادية، ويبدو السيسي مصمما على البقاء في الحكم. ويتم سحق كل إشارات المعارضة، في وقت حاول السيسي دعم الحرب الروسية البربرية في أوكرانيا.
وأدى الفساد وسوء الإدارة والمشاريع الكبرى التي تنم عن غرور السيسي إلى انهيار الاقتصاد المصري.
ويختم الكاتب بالقول إن المصريين يستحقون الأفضل، ويجب التوقف عن دعم السيسي، وعلينا اشتراط الدعم بالإفراج عن المعارضين والسماح بالإعلام الحر وانتخابات حرة يشارك فيها الديمقراطيون العلمانيون.