لم أعد أذكر الكلام الذي تبادلناه
ونحن نتأمل الهوة بيننا
منذ ذلك الوقت
وأنا في كل صباح
أسأل نفسي:
لم هذه المشقة في النظر إلى شمس النوافذ؟
ولم في كل مرة
يتكوم حولي ذلك الفقد
عن أناسٍ لم أرهم يوماً
إلا كسماء متساقطة
أو سكين يجرح هذا اليقين؟
رغم كل شيء
يعود الخريف
ليتألم قلبي في أمكنةٍ أخرى
٭ ٭ ٭
كنت تتحدث عن مدنٍ بعيدةٍ
تلك التي لا نعرفها
إلا بعد الاختلاط بالغرباء
تحت مطرٍ عنيفٍ
يموت على الإسفلت
حين استمعت للحن الأوكراني
لذاكرة شعبٍ يرقص على دم أجداده
هذه الأرض غريبة حقاً
«لا أحد يعود إليها.. ولا أحد يغادر»
٭ ٭ ٭
الحجرُ
لا يهمل النظر إلى السماء
ويحفظ عنها كل لون واغتراب
الحجرُ
يخط طريقاً للموسيقى
في قلب العزلة الصامت
الحجرُ
يبني ويهدم اللحظة
التي تغادرها فوضى الطيور
الحجرُ
تتساوى عليه الأقدام
وتخرج من رؤوسه أزهار المقابر
الحجرُ
يتأملُ الزمنَ كصوفي
ويبقى أعزلَ مثلك
أمامَ حزنِ الماء
٭ ٭ ٭
افتقاد أي معنى
لن يمنعك من الجلوس في ساحات
تفتح فيها مخيلتك للآتي
من جسدِ امرأةٍ
ينز الوهمُ على فخذيها
بطراوةٍ تكتملُ
٭ ٭ ٭
من أجل خطوةٍ
تخرجُ من الأرضِ
بامتلاءٍ
من أجل سؤال الضفتين
من أجل سقوفٍ محمرةٍ يأكلها الفضاءُ
من أجل رائحة اليقينِ والهجرة
يكون المطر
٭ ٭ ٭
ليس لديّ سوى الكلام
الذي يهجر الذاكرة يتيماً على حافة
تفتقد أصابعي أن تكون لك
صلاةً للقلبِ
شجرةً مضاءةً
٭ ٭ ٭
كنتُ طفلةً
لا تجرؤ على الخروجِ من غرفتها
بثيابِ النوم الفضفاضةِ
لمعرفة ذاك الذي يؤرجح أغصان شجرةٍ في العراء
أو لرؤية الظلمة بقلبٍ مشدودٍ
الآن
حين أنظرُ للعالمِ
أرى رأسَ الوعلِ متدلياً فوق رأسي
كما عندما كنتُ في الخامسةِ
وأتساءلُ مرةً أخرى إن كان حياً أم ميتاً؟
لم تكن فكرة الموت ما يخيفني
أو السؤال عن الأكثر وحشية بين وضعية الحيوان كجثةٍ
ووضعنا الإنساني كمتفرجين
فحينها كان أصغر يعسوبٍ على ورقة تين
يشغل تفكيري عن بقية الكائنات
ويشكل لي عالماً متكاملاً من الحلم واليقظة
كما لم أنشغل بالذوق المتطرف لوالدي
برغبتهم في تعليق رأس حيوانٍ ميتٍ في بهو المنزل
والتفاخر بأنه «حقيقي» لا يظهر موته إلا من عينيه الزجاجيتين
ما أخافني حقاً
هو مجرد الامتثال لفكرةِ القتلِ
ورؤية ذلك الرأس المقطوع
متدلياً فوق رأسي
هكذا
٭ ٭ ٭
الأشياءُ تتغير
حركةُ أوراق الأشجارِ تحت شمسٍ باردةٍ
الغيومُ التي تتناثر كالنداء من الحلمِ
الحجارة التي تصبح شفافةً تقريباً
حين يلامسها الماءُ
رؤيتك تلتفتُ للأصوات الهاربة
من حياتك كلها
عزلة الريح التي تغلق الأبواب في كل مرة
حتى لحظة الغروب لا تكون نفسها أبداً
في قلبي الفارغ
٭ ٭ ٭
أحياناً
أشعر كيف تتحول الكلمة إلى أشياءَ أخرى
كما تتحول كلمةُ (سماء) إلى كلمةِ (خيول) أو (بلا نهاية)
أو كما تشتعلُ كلمةُ (موسيقى)
للأرضِ التي يتبعها الأحياءُ والموتى
هذا الصباح
كانت كلمة (شتاء) تعود معك إلى طفولتك
ثم تستيقظُ لتشعرَ بالدفء
على فمي
٭ ٭ ٭
كثيفاً
يخرج صمتُك من الأرضِ
ويمتد متجاوزاً آلافَ الأجنحةِ التي ترفضُ أن تموتَ تحت سقفِ الليل
نمشي معاً منفصلين
حيث يمكننا أن نسمعَ الحدودَ تتكسر
وتنبتُ النجوم على كتفينا
هل تشعرُ بذلك؟
«في الحب
تعرفُ الروحُ أخيراً
كيف تشع مثل كلمة (هنا)»
شاعرة سورية
دائمًا أرى أنّ لغة أهل الشام تاج من الألفاظ العذبة في الشعروفي النثر.وأثق بلغة الأديب الشاميّ أكثرمن كلّ أدباء لغة الضاد.وها أنا ذا أقرأ لشاعرة شاميّة عذب الكلام في اللفظ والمعنى التمام.سيدتي راما وهبة ؛ ذكّرني المقطع الشعريّ بشأن رأس الوعل : {حين أنظرُ للعالمِ أرى رأسَ الوعلِ متدليًا فوق رأسي كما عندما كنتُ في الخامسةِ }. بالعودة إلى سنين خلت من عمرالفتوة…حينما كنت أرى رؤوس الوعول المحنطة لجارنا الصيّاد الشاب…وهويخرج فجرًا بسيارته ( بيك آب ) متوّشحًا بندقيته ليصطاد الغزلان في البريّة…فيعود حين المساء يحمل واحدة أوأكثر.ثمّ يحنّط رؤوسها ليضعها على جدار منزله متفاخرًا بمنجزاته البريّة.والعجيب أنّ هذا الصيّاد رفعه القدرإلى منصب كبير بعد سنين…
فاصدرقرارًا بمنع الصيد ( الجائر)؟ أتذكّرالصورة كأنّها للتو.حقًا ( الكلمة لا تقال قبل أنْ تموت ).مع تحياتي لنصاعة الكلمة رغم أنّ ( للغة هزائم ). قصيدة نقشت بمداد من سحاب غدق ؛ فكانت تلاوين غسق ؛ كأنّها من غبـوق دمشق.