أنقرة- ربيعة إجلال توران:
لا يمكن قراءة المشهد الفرنسي الراهن، في ظل الحملة العدائية الممنهجة ضد الأقلية المسلمة الأكبر في أوروبا، بعيدا عن عنصرية متأصلة في الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، وحسابات انتخابات رئاسية مقبلة، وفق خبراء.
منذ فترة، تتسم تحركات ماكرون بالتناقض بين إصراره على تصعيد مستفز بتصريحات مثيرة للجدل حول الإسلام، اعتبر مسلمو فرنسا أنها “تعمل على تقسيم البلاد”، وبين خروجه لاحقا للتأكيد على وحدة الشعب الفرنسي.
ففي ظل توتر متصاعد بين السلطات ومسلمي فرنسا، نشر ماكرون، عبر “تويتر” الإثنين، تغريدة يقول فيها “نحن واحد”.
تهديد نسيج المجتمع
تغريدة ماكرون وصفها رئيس “لجنة العدل والحريات للجميع”، الناشط الفرنسي ياسر اللواتي، بأنها “مزحة”، متهما إياه بـ”إقصاء المواطنين المسلمين”.
وتساءل اللواتي: “كيف انتقل الحال من فرنسا التي احتفل بها العالم الإسلامي والعربي، لرفضها الانضمام إلى الولايات المتحدة في تدمير العراق عام 2003، إلى فرنسا اليوم التي يتم مقاطعتها في ظل حكم ماكرون؟”.
وأثارت تصريحات ماكرون موجة غضب بين المسلمين في أنحاء العالم، وحملات مقاطعة للمنتجات الفرنسية.
وأضاف الناشط الحقوقي أن “ماكرون يفتقر إلى فهم السياسة الخارجية، غطرسته لم تُقسم الشعب الفرنسي فحسب، بل خلقت أيضا أزمة حقيقية تُهدد نسيج المجتمع”.
تمييز على أساس القانون
فيما وصف فريد حافظ، أستاذ العلوم السياسية والمحاضر في جامعة سالزبورغ بالنمسا، تحركات ماكرون بأنها “مظهر من مظاهر التمييز على أساس القانون”.
وأضاف: “ماكرون يتبع استراتيجيته في إيجاد هوية فرنسية للمسلمين، تكون في المقام الأول غير مرئية، وثانيا غير مؤذية سياسيا، ولا تشكك في الوضع الراهن لسياسات فرنسا التمييزية تجاه سكانها المسلمين”.
وأعلن ماكرون، مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عن خطة مثيرة للجدل من أجل معالجة ما يسميه “الانفصالية الإسلامية” في فرنسا، زاعما أن الدين الإسلامي في “أزمة” بجميع أنحاء العالم، وأنه سيقوم بـ”تحرير الإسلام في فرنسا من التأثيرات الأجنبية”.
كما دافع ماكرون، الأسبوع الماضي، عن رسوم كاريكاتورية مسيئة للنبي محمد، قائلاً إن “فرنسا لن تتخلى عن الرسوم”، وذلك على خلفية مقتل معلم لغة فرنسية، يدعى صموئيل باتي، على يد مسلم أغضبه إظهار المعلم رسوما كاريكاتيرية مسيئة للنبي داخل فصل دراسي.
ووفقا لوزارة الداخلية الفرنسية، تم إغلاق ما لا يقل عن 73 مسجدا، ومدرسة خاصة، وأماكن عمل هذا العام في البلد الذي يضم 5 ملايين مسلم، وهي أكبر أقلية مسلمة في دول أوروبا الغربية.
إرضاء لليمين المتطرف
في أبريل/ نيسان 2022، يتوجه الناخبون الفرنسيون إلى صناديق اقتراع في انتخابات رئاسية تظهر استطلاعات الرأي أنها ستكون صراعا ساخنا بين ماكرون والسياسية القوية، مارين لوبان، زعيمة التجمع الوطني اليميني المتطرف.
وهو مشهد لا ينفصل عما يدور الآن في قصر الإليزيه، حيث يعتقد كثيرون أن استراتيجية ماكرون للفوز في الانتخابات المقبلة، تمر عبر استيعاب حجج اليمين المتطرف، بحثا عن استمالته.
ووفقا لأنس بيركلي، وهو باحث في مؤسسة البحوث السياسية والاقتصادية والاجتماعية (SETA)، ومقرها أنقرة، فإن ماكرون يحاول التغلب على مشاكل سياسته الداخلية والخارجية بـ”جعل الإسلام والمسلمين كبش فداء”.
وتابع بيركلي: “ماكرون يحاول وقف صعود اليمين المتطرف، بتبني تصريحات أكثر تطرفا، تُشبع عنصرية هذا الفريق المؤثر في الانتخابات المرتقبة”.
واتفق اللواتي مع هذا الطرح، حيث رأى أن “الرئيس الفرنسي ليس لديه أي شيء آخر يُظهره في الحملة الانتخابية؛ لأنه ببساطة فشل اجتماعيا واقتصاديا”، مستشهدا بحركات “السترات الصفراء” الاحتجاجية المناهضة لسياساته الداخلية.
وأردف: “ليس لدى ماكرون ما يقدمه لنا، بصرف النظر عن سياسات الهوية، لذا فإن ما يقوله هو في الأساس: لا يمكنني منحك مستقبلا مشرقا ولا يسعني إلا أن أعدكم بالحرب على المسلمين”.
حملة معاداة للإسلام
أعرب بيركلي، وهو محرر مشارك في التقرير الأوروبي عن “الإسلاموفوبيا” (العداء للإسلام)، عن اعتقاده بأن وضع المسلمين في أوروبا “آخذٌ في التدهور”.
واستطرد: “أرى بوادر موجة إرهاب معادية للإسلام في أوروبا”، مع صعود شبكات اليمين المتطرف في جميع أنحاء القارة.
ووفقا لمؤشر الإرهاب العالمي لعام 2019، حدثت زيادة في الهجمات الإرهابية لليمين المتطرف في الدول الغربية، حيث تضخمت الهجمات 320% خلال السنوات الخمس الماضية في أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية وأوقيانوسيا.
وفي 22 يوليو/ تموز 2011 قتل أندرس بريفيك، وهو إرهابي نرويجي يميني متطرف، 8 أشخاص في تفجيرات بالعاصمة أوسلو، وقتل 69 آخرين بالرصاص، في معسكر للشباب بجزيرة أوتويا.
وفي 15 مارس/ آذار 2019، قتل برنتون تارانت، وهو أسترالي عنصري، 51 مسلما بنيران بسلاح آلي، بينما كانوا يستعدون لأداء صلاة الجمعة في كرايستشيرش بنيوزيلندا.
وفي 19 فبراير/ شباط 2020، هاجم ألماني من اليمين المتطرف مقهيين تركيين في بلدة هاناو، غربي ألمانيا، فقتل 9 أشخاص من أصول مهاجرة.
وبالتزامن مع تصريحات ماكرون بشأن الإسلام، ازدياد العداء للمسلمين في فرنسا، منذ أسابيع.
فمثلا، تعرضت امرأتان مسلمتان ترتديان الحجاب للطعن في حديقة أسفل برج إيفل، وصرخ المهاجمون بإهانات عنصرية، مثل “العرب القذرون”.
واعتبر بيركلي أن “هذا هو بالضبط ما تتوقعه الجماعات الإرهابية، مثل داعش، من أوروبا، إنهم يريدون أن تدخل أوروبا في موجة عنف، واستدراج الساسة الأوروبيين إلى هذه اللعبة أيضا، بسبب الحسابات السياسية الرخيصة”.
صمت زعماء أوروبا
تزايدت موجة غضب بين مسلمي أوروبا، مؤخرا، على خلفية الحظر المفروض في بعض الدول على ارتداء الحجاب وملابس السباحة “البوركيني” والذبح الحلال وفقا لقواعد النظام الغذائي الإسلامي، وكذلك القيود المفروضة على المساجد.
وانضمت إلى قائمة التضييق، خطة ماكرون للسيطرة على ما يعتبرها “تأثيرات أجنبية” على الإسلام في فرنسا.
وهو اتجاه قال حافظ إنه ليس جديدا على أوروبا، حيث إنه “في النمسا تم حظر تمويل الأئمة من الدول الأجنبية بالفعل؛ بموجب قانون الإسلام لعام 2015”.
وأضاف أن “ماكرون يحذو هذا الحذو، ويحاول فرض الإجراءات التمييزية نفسها على المسلمين فقط، وليس المؤمنين بالكنائس والمذاهب الأخرى”.
وانتقد بيركلي التدخل المتصاعد في الدين من جانب الدول، مشددا على أن “هذا في الواقع ضد العلمانية، ولا يجوز للنظام أن يتدخل في الشؤون الداخلية للدين، وكذلك المناقشات الدينية”.
وحول صمت الزعماء الأوروبيين في ظل تصاعد التوتر في فرنسا، اعتبر اللواتي أن هذا الصمت هو “رفض لسياسات ماكرون”. بينما رأى بيركلي أنه “بمثابة دعم” لهذه السياسات.
وأضاف أن “الاتحاد الأوروبي يتجنب استخدام كلمة إسلاموفوبيا.. الاتحاد عيّن منسقا بشأن مكافحة الكراهية ضد المسلمين، وتجنب استخدام مصطلح الإسلاموفوبيا”.
وختم بيركلي “في رأيي، أصبحت الإسلاموفوبيا هي الأيديولوجية السائدة في القرن الحادي والعشرين، تماما مثل معارضة الشيوعية خلال الحرب الباردة (1947- 1991)، وهذا هو سبب وجود الجهل السياسي والصمت المخيب”.
(الأناضول)